الوقت- اختتمت اليوم الألعاب الأولمبية الشتوية وقد حملت هذه الدورة اسم "ألعاب السلام" وكان الجميع ينظر إلى هذا الحدث على أنه قد يكون فاتحة خير لكسر الجليد في طبيعة العلاقات بين الكوريتين، خاصة بعد أن بادر الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بإرسال فريق من بلاده للمشاركة في هذه الدورة ورافق هذا الفريق شقيقة الرئيس الكوري الشمالي، وأكثر من ذلك فقد دعا الزعيم الكوري إلى "مواصلة المزاج التصالحي والحوار".
هذا الكلام يجعلنا نتأكد أن الأزمة في الشرق الآسيوي قابلة للحل، كما أن آفاق الحوار موجودة وهناك نية طيبة لدى الطرفين في ذلك، إذاً ما المشكلة ولماذا لا يتم الإسراع في هذا الحوار لتجنيب شعب البلدين على الأقل مغبّة هذا الصراع السياسي الذي قد يهدد كل القارة ومعها القارة الأمريكية في حال تحوّل إلى صراع عسكري؟!
المشكلة أولاً وأخيراً هي "الولايات المتحدة الأمريكية" وليس في قضية الكوريتين فحسب بل في كل هذا الكوكب، ويكفي أن نسمع ما صرّح به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب يوم الجمعة الماضي لكي نتيقن بأن واشنطن هي سبب الأزمة في الشرق الآسيوي، حيث خرج علينا ترامب ليعلن "أعنف حزمة عقوبات" على كوريا الشمالية كما أراد أن يسميها ويقول بكل فخر خلال كلمة ألقاها في المؤتمر السنوي للمحافظين في ولاية ماريلند، جنوب العاصمة واشنطن: "فرضنا اليوم أقسى العقوبات ضد أي دولة على الإطلاق".
هذه العقوبات الجديدة شملت 27 شركة شحن وتجارة، و28 سفينة نقل بحري، وجميعها مسجلة أو تحمل رايات كل من كوريا الشمالية، والصين وست دول أخرى، بحسب وزارة الخزانة الأميركية، وقال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين يوم الجمعة الماضي، إن الإجراءات الجديدة الرامية لمنع وصول إمداداتٍ، وأموالٍ، إلى أنشطة كوريا الشمالية في تطوير أسلحة نووية، تستهدف فعلياً كل السفن التي تستخدمها الدولة حالياً في التحايل على العقوبات الدولية، مضيفاً إن هذه العقوبات فعّالة للغاية و"سنفعل كل ما هو ممكن لوقف عمليات النقل تلك من سفينة إلى أخرى".
ما هو ردّ كوريا الشمالية على هذه العقوبات؟!
اعتبرت كوريا الشمالية، أمس الأحد، 25 فبراير/ شباط، العقوبات الأمريكية الأخيرة المفروضة عليها "عملاً حربياً". وأدانت كوريا الشمالية أحدث جولة من العقوبات، التي فرضتها الولايات المتحدة، واتهمت واشنطن بمحاولة تقويض التحسن في العلاقات بين الكوريتين من خلال دورة الألعاب الشتوية، وذلك وفقاً لـ"رويترز".
لا يمكن أن تقوم واشنطن بأي شيء بريء تجاه الدول خاصة إذا كانت هذه الدولة كوريا الشمالية، التي لا تريد لها أمريكا أي نوع من الانفتاح على الآخر بل على العكس تسعى دائماً لعزلها عن المحيط وإظهار رئيسها وكأنه "هتلر العصر" الذي يهدد الحياة برمتها من خلال أسلحته النووية، وما أظهره كيم جونغ أون تجاه جارته الجنوبية يخالف هذه الرؤية الأمريكية التي كانت ايفانكا ترامب آخر من سوّق لها في شرق آسيا، عبر حضورها الأخير في دورة الألعاب الشتوية.
حتى هذا الحضور لم يكن يحمل طابعاً ودياً يتماشى مع شعار دورة الألعاب الشتوية، حيث أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن وصول ابنة "ترامب" إلى البلاد هو مناورة سياسية متعمدة ضد كوريا الشمالية، بعد أن أرسل الرئيس الكوري "كيم جونج أون"، شقيقته "كيم يو جونج" إلى مراسم افتتاح دورة الألعاب الشتوية قبل أيام مع ما وصف بأنه "جيش" مكون من 100 من المُصفقين والمؤيدين ممن صفقوا لها، ولفتوا انتباه المصورين والكاميرات إلى وجودها، ما وضع "إيفانكا" في مقارنة مع شقيقة رئيس كوريا الشمالية نظراً لقوة وتأثير كل منهما في بلاده.
حضور واشنطن في شرق آسيا
كل هذه البلبلة التي تريد أن تصنعها واشنطن في شرق آسيا هي نتيجة طبيعية لرعبها وخوفها المتنامي من ظهور قوى جديدة تمثلت بـ "التنين الصيني والدب الروسي" اللذين دخلا في إطار منافسة قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبناء على ذلك، فإن الأزمة النووية الكورية الشمالية أتاحت فرصة للبيت الأبيض لتعزيز وجوده العسكري في المنطقة بحجة مواجهة التهديد المحتمل لكوريا للأمن الوطني الأمريكي، وبالتالي تعزيز الوجود في بحر الصين الجنوبي.
وما يثير القلق في تلك المنطقة هو الوجود الأمريكي والعمل على تعزيزه عبر نشر نظام صواريخ كالتي تم نشرها في كوريا الجنوبية وتحمل اسم منظومة "تاد" مع رادار يبلغ نطاق تغطيته حتى 1000 كيلومتر يمكن أن يلاحظ أعماق كل من الصين وروسيا، وهذا الأمر بحدّ ذاته يعدّ تهديداً دائماً ومستمراً لكوريا الشمالية وبقية الدول المجاورة وزعزعة الاستقرار هناك.
حرب تجارية
ويبدو أن العقوبات الأمريكية ضد كوريا الشمالية لها أهداف تجارية بالإضافة إلى الأهداف السياسية، وعلى رأس هذه الأهداف مواجهة الصين تجارياً والحد من نشاطها، ورداً على العقوبات تجاه كوريا الشمالية، قدمت الصين اعتراضاً رسمياً لدى الولايات المتحدة بعد فرض واشنطن عقوبات ضد شركات صينية متهمة بالقيام بأنشطة مع كوريا الشمالية.
قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينج شوانج في بيان مساء أمس "الصين تعارض بحزم استناد الولايات المتحدة إلى قانونها الوطني لفرض عقوبات أحادية ضد كيانات وأشخاص صينيين". واعتبرت الصين أن قرار العقوبات الأمريكية الجديدة انتهاك لقواعد التجارة العالمية وتمييز واضح ضد الشركات الصينية.
ترامب استطاع الوصول إلى البيت الأبيض من خلال طرح شعار "أمريكا أولاً" وتقديم وعود وفيرة لاستعادة الازدهار الاقتصادي، والرعاية الاجتماعية، ومحاربة البطالة، وتطوير البنية التحتية الاقتصادية، وقد سعى منذ وصوله إلى انتهاج سياسة اقتصادية عدوانية تجاه الصين، ولذلك، يمكن تفسير العقوبات الجديدة ضد كوريا الشمالية التي تستهدف شركات صينية كبيرة كنوع من الحرب التجارية مع بكين.