الوقت - تمر منطقة الشرق الاوسط بمنعطف هام خلال الأشهر الاخيرة وتشهد احداثا ناجمة عن تغيير سياسات الدول المناوئة لسوريا أي تركيا وقطر والسعودية وتزايد التعاون والتنسيق بين هذه الدول ما ادى الى تغيير في سياسات الجماعات الارهابية التابعة لهذه الدول في سوريا، ويضاف الى هذا الضوء الاخضر الامريكي لدعم الجماعات المتطرفة في سوريا بدلا عما كان يسمى بالجماعات المعتدلة، ولذلك يعتقد المراقبون ان الشرق الاوسط تشهد حاليا تغييرات استراتيجية.
السياسة الامريكية المزدوجة وتقسيم الارهاب الى المعتدل والمتطرف
تغض امريكا الطرف حاليا عن دعم حلفائها الاقليميين للجماعات الارهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة وهي جماعات لم تكن تصنف ضمن ما يسمى بالجماعات المعتدلة وليست لديها علاقات مع الجيش الحر المفضل امريكيا.
السياسة الهجومية للملك السعودي
يعتبر مجيء الملك سلمان الى الحكم في السعودية ايضا من التغييرات الكبيرة بالمنطقة فهو ينتهج سياسة هجومية خارجيا مثل ما يحدث في اليمن كما ان الملك الجديد ليست لديه مشكلة للتحالف مع المحور التركي القطري، ويبدو ان الملك السعودي يفكر حاليا بإضعاف الحكومة السورية بغية اضعاف القدرة الاستراتيجية لايران ويقال ان قطر قد اثرت على افكار الملك السعودي ليضع حاليا خلافاته جانبا مع التيار الاخواني في المنطقة ويتحالف مع تركيا لاسقاط النظام السوري.
وقد استضافت السعودية الرئيس الجديد للائتلاف الوطني السوري خالد خوجة في ابريل الماضي ومن ثم دعت الرئيس السابق لجيش الاسلام زهران علوش ايضا لزيارة الرياض وطلبت منه تحسين العلاقات مع جماعة احرار الشام ومن ثم جرى ترتيب لقاء في نهاية ابريل بين علوش ومسؤولي احرار الشام.
ويعتقد المراقبون ان السعودية تدرك انها لاتستطيع التحرك في المناطق الشمالية من سوريا الا من خلال الدعم التركي كما ان تركيا التي تراودها احلام العثمانية الجديدة ترى من مصلحتها التحالف مع السعودية التي تدعي الريادة بين العرب ومن جهة اخرى تحاول الرياض إبعاد تركيا عن ايران وجذبها نحوها ولذلك نرى ان العلاقات بين تركيا وقطر والسعودية قد تحسنت في الآونة الاخيرة ما ادى الى زيادة الدعم للجماعات المسلحة في سوريا والتي تقدمت على الارض.
مكاسب اردوغان الانتخابية
حوّل اردوغان تركيا الى مصدر دعم للجماعات المسلحة في سوريا لكنه أخفق في تسجيل انجاز كبير في مجال تحقيق شعاراته لاسقاط الحكومة السورية وهو ما انعكس سلبا على شعبية حزب العدالة والتنمية في داخل سوريا ولذلك عمد اردوغان الى استغلال التغيير الحاصل في هرم السلطة في السعودية بغية تحقيق مكاسب ميدانية في سوريا ودخل في تعاون عسكري وسياسي مع السعودية على الساحة السورية لتحقيق انجازات ميدانية واستغلال ذلك لرفع شعبية حزب العدالة والتنمية في تركيا على اعتاب الانتخابات البرلمانية في هذا البلد وقد أقنع اردوغان الملك السعودي بأن امريكا مترددة في اتخاذ القرارات وتريد التعامل مع ايران ضد تنظيم داعش الارهابي وهذا يعني بقاء بشار الأسد في السلطة ولذلك نرى ان هناك ضغطاً سعودياً تركياً قطرياً على امريكا في هذا المجال.
الخشية من حل القضية النووية الايرانية
من المؤكد ان حل القضية النووية الايرانية سيترك تأثيرا استراتيجيا بالغا على منطقة الشرق الاوسط بكاملها وان خروج ايران من تأثيرات الضغوط التي تمارس عليها على خلفية برنامجها النووي سيزيد من ثقل ومكانة ايران الاقليميين ويؤدي الى ترجيح كفة محور المقاومة والممانعة في المنطقة ولذلك يحاول اعداء سوريا التحرك نحو حسم الملف السوري على الأقل وذلك قبل انتهاء مشكلة القضية النووية الايرانية أو تعقيد المشهد السوري عبر تنفيذ عمليات عسكرية بغية إضعاف الدور الايراني.
ضرب اليمن وجعله رهينة
تعتبر القضية اليمنية ايضا من اسباب التقارب بين السعودية وقطر وتركيا رغم القرار التركي بعدم التدخل العسكري المباشر في اليمن، وتعتبر هذه الدول الثلاث ان ضرب اليمن والتدخل فيه يعتبر ردا على الدعم الايراني لسوريا ولذلك عمدت السعودية وحلفاؤها الى شن عدوان على اليمن لجعله رهينة بيدها وقد زادت تركيا وقطر والسعودية من التعاون فيما بينها لدعم الجماعات المسلحة في سوريا بعد وقوع العدوان على اليمن.
دور الجيش السوري
ارتكب الجيش السوري بعض الاخطاء التكتيكية في عملياتها في الجبهة الشمالية حيث استطاعت الجماعات المسلحة الارهابية رصد خطوط مواصلات الجيش السوري وتحركاته اثناء الهجمات التي يشنها لاستعادة المناطق المحتلة من قبل الارهابيين، ويقال ان القتال في ادلب والمناطق الشمالية لم يشهد حضور حزب الله اللبناني والمقاتلين العراقيين واذا كان هذا الامر صحيحا فيمكن القول ان الجيش السوري سيتحمل خسائر في حال اعتماده فقط على القوات السورية، ويضاف الى هذا اصلا ان عديد كوادر الجيش السوري انخفض من 250 الف عنصر في عام 2011 الى 125 الف عنصر في عام 2015 اي بمعدل النصف.
واخيرا يمكن القول ان التغييرات الحاصلة في سوريا تدل على ان الجماعات التي كانت تسمى بالمعارضة المعتدلة قد تم ازاحتها وان رهان تركيا والسعودية وقطر هو الآن على الارهابيين المتطرفين الذين يتم دعمهم بشكل كبير ويبدو ان الامر ايضا يروق لامريكا التي كانت في السابق من دعاة دعم المعارضة المعتدلة حيث نرى الآن بأن الامريكيين قد اختاروا الصمت ايضا امام تقدم الارهابيين المتطرفين.