الوقت-بعد مدّة على بدء الأزمة السوريّة في العام 2011، برز الحديث عن عملية انتقال سياسي تحت رعاية دولية تمخّض عنها مؤتمر جنيف1.
توالت العمليات الدبلوماسيّة القيصريّة، والتي اشترطت فيها المعارضة بدعم إقليمي ودولي رحيل الرئيس الأسد، وتغيير النظام السوري الحالي، إلاّ أن وقائع الميدان حالت دون تحقيق الأهداف المرجوّة.
أعداء سوريا الإقليميين والدوليين وجدوا في المؤتمرات الدولية فرصة حقيقة لإسقاط الرئيس الأسد بدءاً من جنيف واحد وصولاً إلى نسخته الثامنة، ليستفيق حلفاء دمشق الإقليميين والدوليين على ضرورة الأخذ بزمام هذه المؤتمرات بغية ترسيخ الحل السياسي، نظراً لأن "النسخات" المدعومة أمريكا وفرنسياً وتركيّاً منها، تهدف لتحقيق أهداف عسكريّة عبر طاولة المفاوضات.
ونظراً للزخم الغربي تجاه هذه المؤتمرات، برزت قناعة لدى الرأي العام الداعم للرئيس الأسد بأن هذه المؤتمرات لا تعدو عن كونها "أوكار مؤامرة"، في حين أن الرأي العام الداعم للمعارضة والجماعات المسلّحة وجدت فيها فرصة لتحقيق أهدافها وإثبات نفسها على الساحة الدولية.
ينطوي الاعتقادان السائدان أعلاه على الكثير من الصحّة، ولذلك عمد أنصار الرئيس الأسد إلى الانتصار لمؤتمري أستانا وسوتشي، بخلافً المعارضة التي اعتبرتها في صالح الرئيس الأسد، إلاّ أنّ هناك جانب خفي في كافّة المؤتمرات الدوليّة، تلك التي استهدف الرئيس الأسد ودعمته، فما هو؟
لا شكّ أن المعارضة السورية نجحت في الوصول إلى شريحة عالمية واسعة عبر منصّة المؤتمرات الدوليّة، وقد حصلت من خلال هذا الأمر على الكثير من الدعم السياسي والمالي، إلا أن تجاربها في هذه الأروقة لم يكن إيجابياً، بل على العكس سوءاً بسبب تطرّف جزء منها أو بسبب تشرذمها على الطاولة كما في الميدان.
إن غياب التجربة السياسية لدى أغلب هذه القيادات وارتباطها بمشاريع خارجيّة بشكل واضح فضلاً عن عدم قدرتها على تقديم نموذج ناجح يُحتذى به، أو يمكن تقديمه للرأي العام الأوروبي على أقلّ تقدير، أوجد حالة من عدم الرضا على هذه المعارضات، الأمر الذي صبّ في صالح الرئيس الأسد.
هناك العديد من الشخصيات السياسيّة المعارضة كانت ستؤدي دوراً أفضل لأهدافها في حال تصدّت للقيادة السياسية منذ العام 2013 حتّى يومنا هذا، إلا أن الظروف الحاكمة، من قبيل عدم تقديمها التزامات واضحة كتلك التي تقدّمها شخصيات أخرى إلى الدول الراعية، أبعدها عن الواجهة، وجعلت الكثير من قيادات المعارضة سفراء لدول إقليمية ودوليّة على طاولة المفاوضات، لكنّ تعارض المصالح بين الأصيل (الغربي والتركي والسعودي) انعكس على الوكيل (السوري) مفسداً الطبخة على الجميع، وكما يقول المثل العربي الشائع:" عندما يكثر الطبّاخون تفسد الطبخة".
مع مرور الزمن بدأ الموقف الخارجي تجاه سوريا يلين شيئاً فشيئاً، ليس حبّاً بالرئيس الأسد بل بسبب غياب أي بديل، لاسيّما في ظل السيطرة الميدانية التي نجح الجيش السوري في بسطها مع الحلفاء، ولم يعد بإمكان الطرف الغربي تبنّي هذه المعارضات بشكل تام أمام الرأي العام، وبالتالي وجد نفسه مضطرّ إلا الابتعاد عنها بعض الشيء. وبالفعل، بدأت الاستخبارات الغربية تتحدّث عن ضرورة بقاء الرئيس الأسد، لا بل والتعامل معه نظراً للكم الهائل من المعلومات التي تمتلكها الأجهزة الأمنيّة حول الجماعات الإرهابية التي قد ترتد إلى أوروبا بعد أن شجّعتها الأخيرة، أو غضّت الطرف، عن حضورها إلى سوريا والعراق.
اليوم وبعد 5 سنوات على تجربة المفاوضات، وحوالي 8 سنوات على الأزمة، تحوّلت هذه التجربة إلى سلاح قوي في يد الرئيس الأسد في وجه معارضيه. الرصانة السياسيّة السورية بقيادة صقر الدبلوماسيّة السوريّة بشار الجعفري ومعلمها وليد المعلّم مقابل الترهّل الدبلوماسي للجماعات المعارضة التي فشلت في الخروج بمطالب موحّدة، جعلت من المؤتمرات الدوليّة ورقة قوّة بيد الرئيس الأسد، لا ضدّه كما أرادتها المعارضة أو المعارضات السوريّة.