الوقت- ظن الغزاة على اختلاف مناهجهم وأيديولوجياتهم بأنهم قادرين عبر إرهابهم على سرقة الوجه الحضاري لمدينة غارقة في القدم آلاف السنين أي قبل أن يولد أجداد هؤلاء الغزاة وداعميهم بمئات السنين، حزموا أمتعتهم وارتدوا أقنعة إرهابهم السوداء وأتوا أرض حلب مدججين بالسلاح من مشارق الأرض ومغاربها ليبدأو هجومهم على المدينة في 19 تموز/ يوليو 2012 محاولين تشويه وجهها الحضاري وتلطيخه بالسواد ونظرا لجهلهم اعتقدوا بأنهم انتصروا ولم يكونوا يعلموا بأن حلب لم تغضب بعد.
بعد صبر طويل غضبت حلب وتفجر غضبها نصرا مؤزرا يوم الثاني والعشرين من كانون الأول عام 2016 أي قبل عام تماما، ليقلب هذا النصر الطاولة على كل من أراد العبث بتاريخ هذه المدينة وسرقتها كما فعل بعض الجيران بها، وحتى هذه اللحظة ما زال تردد هذا النصر يصدح في كواليس كل الذين حاولوا إبقائها تحت أتون الإرهاب، وبدأت كل جهة تحمل الأخرى مسؤولية انهيار المجموعات المسلحة وفقدان السيطرة على حلب حتى وصلت بعض الصحف العالمية لحد اتهام الرؤساء كما فعلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية التي كتبت تقريرا بعد انتصار سوريا وحلفائها في حلب وعنونته بالتالي: " سقوط حلب دليل على فشل أوباما".
إذا في مثل هذا اليوم استعادت حلب وجهها الأبيض المشرق بعد أن نفضت غبار الإرهاب عن كاهلها بمساعدة أصدقائها أصحاب الحضارة "ايران وروسيا" لتطوي حلب صفحة لاتليق بها ولا بحضارتها، ومن حق حلب اليوم أن تفرح وتحتفل بهذا النصر وتفخر به، كيف لا ونصر حلب يدرس الآن في أغلب المعاهد العسكرية.
حلب الآن
في الأمس وبمناسبة مرور عام على انتصار حلب، شهدت ساحة سعد الله الجابري وسط مدينة حلب السورية استعراضا عسكريا احتفالا بتحريرها من قبضة المسلحين، وشارك آلاف من السكان المحليين في الاحتفالات.
ومن يذهب إلى حلب الآن سيرى بعينه زوال الخوف من عيون الناس هناك وكيف أن حركة الأسواق عادت لنشاطها السابق، ومعظم الأهالي يخرجون للمشي في الشوارع ، ويلتقطون الصور التذكارية امام أشجار عيد الميلاد التي وضعت وأضيئت في عدة أماكن في حلب ، ويتبادلون التهنئة بحلول عيد الميلاد ورأس السنة ، كما تسمع وانت تسير أيضا أصوات الأغاني التي ملئت احياء حلب ، لتعلن من جديد عودتها للحياة وانتصارها على ثقافة الموت.
وبما أن حلب كانت ثقل سوريا الاقتصادي حاول الإرهابيون تدميرها من خلال تخريب منشآت حلب الاقتصادية وسرقتها أما اليوم وبعد تحريرها تعالت أصوات الآلات في المعامل والورشات وعادت مئات المنشآت إلى الإنتاج في مدينة الشيخ نجار الصناعية التي تبعد 15 كم عن مركز المدينة وتعد أكبر تجمع صناعي في المنطقة ممتدة على مساحة 4412 هكتاراً.
وبدأت القطاعات الخدمية والاقتصادية المختلفة تستعيد عافيتها رغم الأضرار الكبيرة الناتجة عن الاعتداءات الإرهابية الممنهجة لتدمير البنى التحتية ومصادر الإنتاج للضغط على الدولة السورية والمواطنين الصامدين في وجه الإرهاب وداعميه.
وأعيد افتتاح عدد كبير من المدارس التي كانت مغلقة جراء قذائف الإرهابيين اليومية على الناس المدنيين هناك وتم إعادة تأهيلها وتزويدها بمستلزمات العملية التعليمية والكوادر التدريسية لإعادة التلاميذ والطلاب المنقطعين إلى صفوف الدراسة حيث تمت صيانة وتجهيز وافتتاح 70 مدرسة في الأحياء المطهرة من دنس الإرهاب وكانت أول مدرسة تفتتح في حي مساكن هنانو هي مدرسة أبي خليل القباني.
ثلاث محطات بارزة كانت مفتاحاً لتحرير حلب
أولاً: عاث الإرهابييون فسادا في حلب قبل أربعة سنوات ودمروا جزءا كبيرا من بنيتها التحتية وأدخلوا الرعب في نفوس الأهالي وأجبروهم على مغادرة بيوتهم بالقوة، ليستمر هذا الوضع حتى أيار 2014 عندما قام الجيش السوري بفك الحصار عن سجن حلب المركزي لتبدأ بارقة الأمل الأولى في تحرير حلب، لأن فك الحصار ساعد الجيش السوري في قطع طريق إمداد رئيسي للتنظيمات الإرهابية بين الأحياء التي يسيطرون عليها والحدود التركية التي شكلت على مدار سنوات الحرب المفروضة على سورية شريان الإمداد الرئيسي لهذه التنظيمات بالمال والسلاح والإرهابيين وهو ما مكن الجيش أيضا من تحرير المنطقة الشمالية لحلب لتصبح مداخل حلب بعدها تحت السيطرة الكاملة للجيش السوري وهذا بدوره عزل الإرهابيين هناك.
ثانياً: جاء النصر الثاني أو بارقة الأمل الثانية عندما حرر الجيش السوري حامية مطار كويرس العسكري والكلية الجوية بريف حلب الشرقي في 10 تشرين الأول من عام 2015 بعد ثلاث سنوات من الصمود الاسطوري ليشكل المطار وحاميته فيما بعد قوة اسناد اساسية في مجمل المعارك التي خاضها الجيش السوري.
ثالثاً: أما الضربة الكبرى التي قصمت ظهر الجماعات المسلحة فقد كانت استعادة مشفى الكندي في 2 تشرين الأول من عام 2016 لتدخل بعدها العمليات العسكرية نحو تطهير الأحياء الشرقية للمدينة مرحلة فاصلة وحاسمة حيث استعاد الجيش السوري بعدها بأيام السيطرة على مبنى مؤسسة المياه وعدد من المعامل على اتجاه مشفى الكندي وعدد من كتل الأبنية على اتجاه العامرية في مدينة حلب.
وبعد هذه المحطات الثلاثة والمعارك الثلاثة التي خاضها الجيش السوري بمساندة حلفائه اقترب النصر أكثر فأكثر ليعلن الجيش السوري نصره الكبير على المسلحين وداعميه في 22 كانون الأول 2016، ويثبت للقاصي والداني بأن حلب ستبقى منارة سورية وحضنها الدافئ وبأن العيش فيها لا يحق إلا لأبنائها الشجعان الذين دافعوا عنها وبذلوا دمائهم لاستعادة وجهها المشرق.