الوقت- أطلق العديد من المسؤولين الأوروبيين في الآونة الأخيرة تصريحات ضد برنامج إيران الصاروخي، وذلك بالتزامن مع تصريحات أمريكية مماثلة تهدف إلى زيادة الضغط على طهران في إطار الخلاف القائم بشأن الاتفاق النووي المبرم في تموز/يوليو2015 والذي دخل حيز التنفيذ في مطلع عام 2016.
في هذا السياق أعرب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" خلال زيارته إلى دبي عما أسماه قلقه إزاء البرنامج الصاروخي البالستي الإيراني، قائلاً: "هناك مفاوضات يجب أن تجرى بخصوص هذا البرنامج"، في وقت تؤكد فيه طهران بأن صواريخها دفاعية وغير قابلة للتفاوض ولا علاقة لها بالاتفاق النووي. وتزامنت تصريحات ماكرون مع تصريحات مشابهة أطلقها مسؤولون بريطانيون وألمان، رغم تأكيدهم على ضرورة تنفيذ الاتفاق النووي.
التنسیق الأوروبي - الأمريكي
يبدو أن الموقف الأوروبي حول البرنامج الصاروخي الإيراني يهدف إلى توظيف هذه القضية لإرضاء الجانب الأمريكي الذي تربطه علاقات استراتيجية مع الترويكا الأوروبية، ويرمي كذلك إلى التنصل عن تنفيذ الاتفاق النووي لتبقى الوعود الأوروبية في هذا المجال مجرد حبر على ورق ولا تتعدى نطاق الإعلام.
وعلى الرغم من الخلافات التي تشهدها العلاقات الأوروبية - الأمريكية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، خصوصاً بعد تسلم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مهام عمله في 20 كانون الثاني/يناير 2017، إلّا أن هذا وكما يبدو لم يمنع الترويكا الأوروبية من التنسيق مع واشنطن لتشديد الضغط على إيران بذريعة البرنامج الصاروخي.
ورغم حرص الكثير من الدول الأوروبية على فتح آفاق جديدة مع إيران لاسيّما في المجال الاقتصادي كثمرة من ثمار الاتفاق النووي، إلّا أن باريس ولندن وبرلين ترجح التنسيق مع واشنطن لاعتقادها بأن الاتفاق النووي لايمكن التنصل عنه لأنه يحظى بتأييد مجلس الأمن الدولي، ولهذا عمدت إلى إطلاق اتهامات بشأن البرنامج الصاروخي لتشديد الضغط على إيران.
وبما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيدت ولمرات عديدة تمسك إيران بتعهداتها النووية ومن بينها خفض مستوى تخصيب اليورانيوم، وتقليص أعداد أجهزة الطرد المركزي في المنشآت النووية مقابل رفع الحظر عنها والاعتراف بحقها في امتلاك التقنية النووية السلمية طبقاً لمقررات معاهدة حظر الانتشار النووي (أن بي تي)، لم تجد الدول الأوروبية بُدّاً من إثارة قضية الصواريخ البالستية الإيرانية تماشياً مع أمريكا، على الرغم من أن قرار مجلس الأمن الدولي (2231) قد أجاز لإيران أجراء تجارب صاروخية شريطة أن لا تكون الصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، وهو ما تؤكد طهران الالتزام به، كما لم تعلن أي جهة معنية وجود خرق في هذا المضمار.
وتعتقد إيران بحقها المشروع في تعزيز بنيتها الدفاعية لمواجهة أي تهديد محتمل، كما تعتقد بضرورة الحفاظ على أسرارها العسكرية باعتبارها تتعلق بسيادتها وأمنها، ولهذا ترفض التفاوض بشأن برنامجها الصاروخي، خصوصاً وأنها تؤكد أن هذه القضية لا علاقة لها بالاتفاق النووي، فضلاً عن أن قرار مجلس الأمن (2231) قد أجاز لها إجراء تجارب في هذا الميدان كما أشرنا آنفاً.
وكان الأجدر بالترويكا الأوروبية أن تلقي باللوم على نفسها وعلى أمريكا لأنهم أغرقوا المنطقة بالسلاح بما فيه المحرم دولياً والذي يستخدم لقتل الأبرياء كما يحصل في اليمن جراء العدوان السعودي المتواصل على هذا البلد منذ نحو ثلاث سنوات. والصفقات الضخمة بمئات المليارات من الدولارات التي أبرمتها واشنطن وعواصم أوروبية لبيع أسلحة فتاكة إلى الرياض وحلفائها الإقليميين دليل واضح على النزعة الغربية التي تسعى إلى عسكرة المنطقة بهدف تمزيقها والاستحواذ على مقدراتها والتحكم بمصيرها. من هنا لايحق لأمريكا والترويكا الأوروبية توجيه اتهامات لإيران بشأن برنامجها الصاروخي الذي تؤكد جميع القرائن أنه يهدف للدفاع عن أمنها واستقرارها الذي لا ينفك عن أمن واستقرار المنطقة.
ولاننسى أن نذكّر هنا بموقف الترويكا الأوروبية المتغاضي عن الترسانة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى للكيان الإسرائيلي، وهذا إن دل على شيء فأنما يدل على الازدواجية في التعاطي مع الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ويفضح تشدق العواصم الغربية بالدفاع عن القوانين والمقررات الدولية التي تشدد على ضرورة حظر انتشار هذه الأسلحة. يضاف إلى ذلك أن أمريكا وأصدقاءها الأوروبيين يمتلكون ترسانات ضخمة من هذه الأسلحة. فلماذا يتم توجيه اللوم إلى إيران في قضية مشروعة ولا يتم توجيهه إلى تلك الدول في قضايا غير مشروعة؟ خصوصاً وإن إيران تتعرض لتهديدات مستمرة من قبل أمريكا والكيان الإسرائيلي وحلفائهما الغربيين والإقليميين.