الوقت- لم تكن هزيمة المرشح الجمهوري إد جيليسباي، المدعوم من الرئيس ترامب، على يد الديمقراطي، رالف نورثام، الذي انتخب حاكما لولاية فيرجينيا مفاجئة.
فقد كشفت السنة الأولى من ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب التي طويت صفحتها بالأمس عبر نتائج الانتخابات المحلية في عدة ولايات لاختيار حكامها الجدد ومجالسها النيابية والبلدية وهيئاتها التنفيذية، كشفت الخيار الحقيقي للشعب الأمريكي الذي اقترع على رئاسة ترامب عبر أول استفتاء مصغّر كانت نتيجته بائسة لترامب، كحال إدراته المتخبّطة في البيت الأبيض بين مطرقة التسريبات وسندان التحقيقات في العلاقة مع روسيا.
النتائج الانتخابية، وتحديداً في ولاية فرجينيا، إن دلّت على شيئ إنّما تدل على السخط الأمريكي على سياسيات الرئيس ترامب الذي انقلب على الكثير من وعوده الاقتصادية والسياسية بدءاً من قانون جاستا والعلاقة مع السعوديّة، مروراً بالضمان الصحي والاستقرار الهش الذي تشهده البلاد إثر هجمات داعش، وليس انتهاءاً بالعنصرية ضد السود في تصرّفات وأفعال ترامب.
هزائم متتالية
فرجينيا ليست الوحيدة التي رفعت الكرت الأحمر بوجه ممثلي ترامب، واستبدلته بأزرق، فعلى سبيل المثال، وفي حين فاز رئيس بلدية نيويورك، الديمقراطي بيل دىبلازيو، بولاية ثانية مدتها ٤ سنوات، بعد أن فرض نفسه معارضا شرسا للرئيس ترامب محققاً فوزا سهلا على منافسته الجمهورية نيكول ماليوتاكيس، بحصوله على ٦٤.٧% من الأصوات مقابل ٢٩.٥% لها، حقق المرشح الديمقراطي فيل مورفي فوزا سهلا على الحاكم الجمهوري المنتهية ولايته كريس كريستي في نيو جيرسي، والذي كان لفترة طويلة حليفا لترامب الذي تخلّى عنه مؤخراً، إلا أن هذا التخلّي قد جاء متأخراً كما بدا من النتائج.
في الحقيقة، لا تختصّ الهزيمة بالمرشح الجمهوري إد جيليسباي، ولا تنحصر أيضاً بالداعم الأساسي له الرئيس دونالد ترامب، بل يسري هذا الفشل على الحزب الجمهوري الذي يبدو أنّه بدأ بحصد تداعيات وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة.
رسائل وتداعيات
إن نتائج الانتخابات في ولاية فرجينيا تكتسب أهميّة كبيرة كون الولاية إحدى الولايات المتأرجحة التي يعتبر تصويتها حاسما في الانتخابات الرئاسية، وفق وسائل الإعلام الأمريكية، وبالتالي فإنّ الهزيمة النكراء لـ" جيليسباي" تحمل جملة من الرسائل والتداعيات يمكن اختصارها في جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: تمثّل النتائج الانتخابية في أمريكا انقلاباً ناعماً على ترامبالذي بدأ يحصد نتائج سياسته الداخليّة بالتزامن مع سياسية خارجية أكثر سوءاً، ومن خلفاه الحزب الجمهوري الذي يخشى من موجه زرقاء تمحي غالبية المقاعد الحمراء في مجلس النواب خلال الانتخابات النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٨، بعد الخسارتين في فرجينيا ونيوجيرسي. في الحقيقة، عكست نتائج الانتخابات استطلاعات الرأي التي أكّدت معاناة شعبية الرئيس من الانكماش منذ فترة، حيث، استقر رصيده مؤخراً عند 35 إلى 38%، وهي أدنى نسبة وصلها رئيس في عامه الأول.
ثانياً: اللافت أن إد جيليسباي، المدعوم د ترامب، الذي عادة ما يستخدم في أسلوب ترامب في إدارة معاركه الانتخابية والسياسية، استخدم نفس الأسلوب والاستراتيجية التي اعتمدها رئيس البلاد للوصول إلى البيت الأبيض. وبالتالي، إن خسارة المرشح الجمهوري تكشف الواقع الذي بات يتمتّع به ترامب بعد أقلّ من عام على انتخابه رئيساً لأمريكا.
ثالثاً: من التداعيات المفترضة لهذه النتيجة وإن حاول البعض إلقاء تبعاتها على المرشح نفسه فقط، أن يقوم الحزب الجمهوري بجردة حسابات خشية خسارته للكثير من أنصاره بسبب تصرّفات الرئيس الجمهوري ترامب. ومن هذا المنطلق، قد يعمد الحزب إلى رفع الصوت عالياُ أمام ترامب لسببين رئيسيين، الأوّل يتمثّل في الحد من تصرفاته المتهوّرة، والثاني يهدف لمنع خسارة أنصار الحزب الذي باتوا على يقين بأن هذا الرئيس لا يمثّل تطلعاتهم.
رابعاً: تتّجه الأمور في حال استمرار الوضع القائم لسيطرة الديمقراطيين على الكونغرس بشقيّه النواب والشيوخ، الأمر الذي سيضع عقبات إضافيّة أمام سياسات الرئيس ترامب. سيعمد الكونغرس الأمريكي إلى عرقلة قرارت الرئيس الذي بدوره قد يستخدم الفيتو، وحينها قد يردّ الكونغرس مجدّداً على قرار الرئيس عبر إسقاطه من خلال أغلبية الثلثين التي يحتاجها مجلس النواب لإسقاط الفيتو. أعطت هذه الانتخابات زخماً كبيراً للحزب الديموقراطي بعد خروجه من الحكم، الأمر الذي يعزز احتمال حصول انقلاب للموازين في ٢٠١٨.
خامساً: تمثّل نتائج ولاية فيرجينيا رد فعل قوي من قبل الناخبين على تظاهرات العنصريين في شارل وتسفيل الصيف الماضي،عبر انتخابهم حاكماً أفريقي الأصل، فضلاً عن تأييدهم لمرشحي الحزب الديمقراطي في منصبي نائب حاكم والنائب العام. لم تقتصر هزائم الحزب الجمهوري في فيرجنيا على المقاعد الثلاثة الآنفة الذكر، فقد اقترب الديموقراطيون من اكتساح المجلس التشريعي للمرة الأولى في التاريخ الحديث.
ترامب اليوم أمام خيارين، إما التراجع عبر تلقّيه الرسالة الانتخابيّة البليغة،او المضي قدماً في سياسته الأمر الذي قد يزيد من تعثّره كما يبدو من ناحية، وانقسام الحزب الجمهوري من ناحية أخرى. المسافة الفاصلة بين ترامب والحزب الجمهوري تتّجه نحو الازدياد كونه بات عبئاً عليهم أكثر منه رصيداً، فهل سيتعامل الحزب الجمهوري مع هذا التحذير بحزم؟ ننتظر الإجابة في فمبر/تشرين الثاني 2018، موعد انتخابات كامل مجلس النواب وثلث مجلس الشيوخ.