الوقت- اصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الأيام الأولى من وصوله إلى البيت الأبيض في شهر مارس من هذا العام، قرارا بحظر إصدار تأشيرات لمواطني ست دول و هي "إيران وسوريا والسودان وليبيا واليمن والصومال" لمدة 90 يوما. ولقد قام الكثير من المواطنين الأمريكيين بتنفيذ احتجاجات واسعة ضد هذا القرار العنصري واللإنساني الذي اصدره الرئيس الأمريكي ترامب ولقد أدت هذه الاحتجاجات إلى إجبار قاضي المحكمة الاتحادية العلياء "سياتل" على تعليق العمل بهذا القرار بشكل مؤقت.
وفي سياق متصل أضاف البيت الأبيض يوم الأحد 24 سبتمبر الحالي، بالتزامن مع نهاية مدة الثلاثة اشهر المقررة لصلاحية تطبيق قرار الحظر هذا، أسماء ثلاث دول "تشاد وكوريا الشمالية وفنزويلا" إلى قرار الحظر هذا و قام بإزالة اسم دولة السودان من هذه القائمة.
من جهته قام الرئيس الأمريكي بالكثير من المحاولات منذ الأيام الأولى للانتخابات الرئاسية الأمريكية، لزيادة الضغوطات على المسلمين وذلك من خلال تأكيده في خطاباته الانتخابية على ضرورة تعديل قوانين الهجرة، ولقد كان يصرح مراراً قبل توليه الرئاسة، بأنه سيمنع المسلمين من دخول أمريكا، إذا اصبح رئيساً للبلاد. من ناحية أخرى، قامت واشنطن بممارسة هذه الاستراتيجية للضغط على الدول المستقلة المعارضة لسياساتها الانفرادية في العالم، والتي تُعد جزءاً هاماً من السياسة الخارجية التي تتبعها الحكومة الأمريكية. وبناءً على ذلك، فأنها ترى بأنه ينبغي معاقبة حكومات ومواطني الدول المستقلة باستمرار، وعلى العكس من ذلك، ترى بأنه يمكن تجاهل تلك الدول التي تتماشى مع سياستها على الرغم من قيامها ببعض السلوكيات الخطرة التي تهدد السلم والاستقرار في العالم. إن هذا التصرف الأمريكي واضحاً تماماً في قانون الهجرة الجديد التي أصدرته. وبالتحقيق في الاتهامات التي وجهها مسؤولو البيت الأبيض ضد هذه الدول، يتبين بأن الولايات المتحدة لديها أهداف سياسية وعنصرية لإصدارها مثل هذه القرارات.
تقديم الدعم للإرهاب هي أحدى اهم التهم الرئيسية التي أدت إلى إدراج أسماء هذه البلدان في قائمة الحظر، هذا على الرغم من استبعاد بعض البلدان التي لها تاريخ طويل في دعم الإرهاب من هذه القائمة. وأبرز مثال على تلك الدول، هي السعودية وباكستان. ومما لا شك فيه أن أكبر هجمات إرهابية تعرضت لها الولايات المتحدة، هي تلك التي حدثت في 11 أيلول / سبتمبر 2001. ولقد كانت العناصر الإرهابية التي قامت بهذه الهجمات هي من الجنسية الباكستانية والسعودية، ولكن للأسف لم يتم إدراج هاتين الدولتين في قائمة الحظر الأمريكية الجديدة. وتجدر الأشارة هنا بأنه جاء في تقرير هجمات 11 سبتمبر والذي ضم 800 صفحة،أن السعودية وتياراتها الوهابية لعبت دوراً رئيسياً في دعم هذه الهجمات. فمن ناحية، لعبت السعودية دوراً رئيسياً في توسيع المدارس السلفية والوهابية التكفيرية التي تروج للإرهاب في مناطق شبه القارة الهندية وأفريقيا وأوروبا الشرقية، ولكن الولايات المتحدة لم تبذل أدنى جهد للتعامل معها.
ومن ناحية اُخرى قدمت باكستان الكثير من الدعم للشبكات الإرهابية التي شاركت في الحرب في أفغانستان منذ أكثر من عقد من الزمان، ودعمت حركة طالبان بشكل كبير بوصفها أقوى جماعة إرهابية في أفغانستان. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين قد انتقدوا في بعض الأحيان مواقف الحكومة الباكستانية هذه، إلا أنهم لم يوقفوا دعمهم للحكومة وللجيش الباكستاني. ومن ناحية اُخرى تعد السودان مثال آخر يؤكد النهج الأمريكي المزدوج تجاه قوانين الهجرة الجديدة. فعلى الرغم من أن اسم السودان كان مدرجا في القائمة الأولية التي صدرت في مارس / آذار، الأن اسم السودان قد اُزيل من القائمة الجديدة.
ومع بداية غزو السعودية - الحليف الاستراتيجي لأمريكا في المنطقة - لليمن، دخلت الحكومة السودانية في هذه الحرب بذريعة الدفاع عن الأمكان المقدسة، والان هنالك المئات من الجنود السودانيين يقاتلون أبناء الشعب اليمني في اليمن. ومن ناحية اُخرى قامت السودان بأغلاق سفارتها في إيران دعما لعمل سعودي مماثل. ولهذه الأسباب، فلقد أعلن البيت الأبيض أن إزالة اسم السودان من هذه القائمة يمكن أن يكون أساسا لرفع العديد من العقوبات المفروضة على هذا البلد.
الشي الملفت هنا، هو إضافة اسم كوريا الشمالية وفنزويلا إلى هذه القائمة. ففي الوقت الحالي فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية ضخمة على فنزويلا، ولقد صرح ترامب في وقت سابق بأن الوضع الحالي لفنزويلا غير مقبول بالنسبة للولايات المتحدة، ولفت إلى أن الحكومة الأمريكية مستعدة لاتخاذ المزيد من الأجراءات ضد "كاراكاس". وتجدر الأشارة هنا بأن نظام "مادورو" السياسي اليساري، يلعب دورا هاما في الاتحاد العام للدول الرافضة للتدخلات الأمريكية، والتي تعارض بشدة التدخلات الأمريكية في الشؤون الداخلية لدول أمريكا اللاتينية، ولهذا فأن واشنطن تسعى للإطاحة بنظامها السياسي عن طريق ممارسة المزيد من الضغوطات على حكومة هذا البلد. الجدير بالذكر هنا أن كوريا الشمالية لم تقم حتى الأن بأي أعمال إرهابية ضد الولايات المتحدة، إلا انه تم إدارج اسمها في قائمة الحظر الجديدة وهذا يرجع إلى التدخلات الأمريكية في مناطق الشرق الأقصى وتنامي القوة النووية لكوريا الشمالية.
بوجه عام، إن جهاز السياسة الخارجية الأمريكي، يستعين بالقوانين الانفرادية، ويستخدم بعض أدوات القانون الدولي مثل حقوق الإنسان، ووسائل العالم المنتشرة والعقوبات المالية والسياسية لمواجهة خصومها وحلفائهم. إن واشنطن تحتاج للحفاظ على علاقاتها بحلفائها في الشرق الأوسط وفي شبه القارة الهندية، ولهذا، فعلى الرغم من دعم هذه الدول (الحلفاء) للجماعات الإرهابية، إلا أن الولايات المتحدة لم تتبنى مواقف صارمة ضدها. وفي سياق متصل اعلن بعض المسؤولين الأمريكيين، بأن قرار الحظر الجديد الذي اصدره ترامب، يمكن تغييره وتعديله. وهذا يدل على أنه لا يوجد هنالك معيار واحد ساري المفعول في هذا القانون، وعموما فأن هذه القوانين هي وسائل تستخدمها الحكومة الأمريكية للتعامل مع الدول المستقلة الرافضة لسياساتها الخارجية.