الوقت- شهد يوما التاسع والثاني عشر لمايو حدثين بارزين على صعيد العلاقات المتأزمة بين القوى الكبرى وبالتحديد بين روسيا وامريكا اللتين تشهد علاقاتهما تباعدا في بعض الاحيان وتقاربا في احيان أخرى في ظروف مختلفة، وكان يوم التاسع من مايو موعد الاحتفال بذكرى الانتصار على ألمانيا النازية، أما يوم الثاني عشر منه فشهد لقاءا مفاجئا بين وزير الخارجية الامريكي جون كيري والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية. فهل تريد امريكا فعلا الاقتراب من روسيا في هذه المرحلة وما هي الأسباب ؟
ابتعد الروس هذا العام عن احتفالات الغربيين بالانتصار على المانيا النازية بسبب تداعيات الازمة الاوكرانية لكن لم تمض ايام على الاحتفالات حتى سارع جون كيري الى لقاء بوتين في وقت كان المسؤولون الامريكيون يحجمون عن السفر الى روسيا للقاء المسؤولين الروس، والسؤال الذي يشغل بال الخبراء هو عن طبيعة المتغيرات التي دفعت الامريكيين الى تخطي الخطوط الحمر والتقارب من روسيا وهو امر أثار استغراب حتى حلفاء امريكا.
وللوقوف على اسباب هذا التقارب يمكن دراسة المواضيع التي كانت على جدول اعمال لقاء كيري وبوتين فقد اعلن الجانبان الامريكي والروسي ان جدول اللقاء شمل دراسة تطورات الاوضاع في اوكرانيا وايران وروسيا والعراق واليمن، لكن هناك زوايا خفية في هذا اللقاء تناولها المحللون والخبراء ايضا وهي امور تتعلق بعدة تحركات استراتيجية تجري على الساحة الدولية، وهنا نأتي على ذكر بعض أسباب ذهاب الامريكيين نحو التقارب من روسيا:
1. حضور الرئيس الصيني في الاحتفال بذكرى الانتصار على النازية في التاسع من مايو في موسكو والتوقيع على اكثر من 30 اتفاقية مع روسيا وبناء جزر صناعية في منطقة نانشا في بحر الصين الجنوبي من قبل الصينيين والمناورات الروسية الصينية المشتركة في البحر الابيض المتوسط وفي منطقة نفوذ حلف الناتو، قد أخل بالتوازن لصالح المحور الروسي الصيني في جنوب شرق آسيا.
2. ان استمرار تحليق طائرات التجسس الروسية والمناورات المفاجئة الروسية في القطب الشمالي وبحر البلطيق والبحر الاسود واستقرار منصات الصواريخ النووية في شبه جزيرة القرم وتهديد دول اوروبا الشرقية والمركزية وحلف الناتو وامريكا قد زاد من حدة التوتر بين الشرق والغرب.
3. التقدم الميداني لتنظيم داعش في شرق وشمال سوريا وغرب العراق وتغيير ميزان القوى لصالح تنظيم داعش أثار القلق لدي القوى الكبرى.
4. الحاجة الامريكية الى روسيا في الضغط على ايران في خضم المفاوضات النووية الصعبة بين ايران والدول الست وكذلك حاجة الغرب لكي تؤخر موسكو تسليم انظمة صواريخ اس 300 الى ايران ارضاء للوبي اليهودي في امريكا.
وفيما يمكن القول بانه من المبكر تقييم نتائج هذا اللقاء المفاجئ بين جون كيري وبوتين، ينبغي الاشارة بأن هناك عدة اهداف امريكية أخرى من الاستدارة نحو روسيا ومنها:
- ارتفاع كلفة ادارة الأزمات الدولية من قبل الامريكيين دون الاستفادة من امكانيات الجانب الروسي، وهنا يجب القول بأن امريكا لا تريد تقاسم النفوذ في العالم مع الروس كما حصل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لكنها تسعى الى ابعاد روسيا عن بناء تحالفات مع القوى العالمية المؤثرة مثل الصين والهند وايران ولذلك لا ترى امريكا بداً من التحاور مع روسيا لتعديل مواقف موسكو والاستفادة من المواقف الروسية على الساحة الدولية.
- الرغبة الامريكية الروسية في التوصل الى تفاهم حول ملفي اوكرانيا وسوريا في اطار معاهدة مينسك وفي اطار المشاركة في ايجاد حل للأزمة السورية، وقد سارع الامريكيون الى عقد جلسات على مستوى الخبراء مع الجانب الروسي في موسكو بعد زيارة كيري الى روسيا.
- المحاولات الامريكية للحد من حدة التوترات في اوروبا وآسيا بغية منع روسيا من التقارب اكثر من الصين والهند وبناء التحالفات معهما.
- سعي الامريكيين لحل ملفي ايران وكوبا في اطار استراتيجية الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي يسعى الى عدم توريث هذين الملفين لخلفه، ومن اجل ذلك لا يجد الامريكيون مفرا من الاحتفاظ بمواقف مشتركة ومنسقة مع روسيا لتدارك آثار رفع العقوبات عن ايران وتسليمها انظمة صواريخ اس 300 المتطورة.
ويعمد الروس من جهتهم الى ترتيب سلم اولوياتهم حسب مصالحهم، فموسكو ترغب في المساهمة مع امريكا لحل الازمات في اوكرانيا وسوريا وحتى الملف النووي الايراني، لكن يبقى الهدف الرئيسي للروس هو الحفاظ على مصالحهم القومية والأمنية والاقتصادية وهم يطالبون ايضا بالغاء العقوبات الغربية المفروضة عليهم، وفي المقابل لا يتنازل الامريكيون ايضا عن دعم حلفائهم ولذلك يبدو ان الخروج من اجواء المعاداة بين روسيا وامريكا يبدو امرا بعيد المنال خاصة اذا أخذنا بعين الاعتبار قيام روسيا بقطع امدادات قوات الناتو في افغانستان عن طريق الاجواء الروسية في وقت اعتقد الامريكيون بانهم يتجهون نحو التقارب مع روسيا وهذا يدل علي أن الروس لم تعجبهم هذه اللعبة الدبلوماسية الامريكية.