الوقت- فجّرت القائمة السوداء التي وضعتها السعودية في الآونة الأخيرة وضمّت 11 دولة منها الجزائر، أزمة دبلوماسية مع الاخيرة حيث أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي الجزائري "رمضان لعمامرة"، أن بلاده في مقدمة الدول الرائدة في مكافحة الإرهاب، واصفاً اتهامات الخارجية السعودية بالتقصير في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب بـ"زوبعة في فنجان".
يبدو أن بذور الخلاف السعودي الجزائري زُرِعت منذ بدء العدوان السعودي على الشعب اليمني، وأتت هذه القائمة لتعمق هوة الخلاف بين الجانبين. فقد رفضت الجزائر المشاركة في التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد أنصار الله والجيش اليمني، والذي ترتب عنه "عدم رضى" لدى القيادة السعودية على الموقف الجزائري.
إتهامات وردود
في تفاصيل القائمة السوداء نقلت جريدة "مكة" السعودية، عن مصادرها الاثنين الماضي، أن الخارجية السعودية خاطبت الجهات الرسمية المحلية لأخذ الحيطة والحذر في التعاملات المالية مع 11 دولة عربية وإقليمية وأجنبية، وذلك خشية الوقوع في عمليات مشبوهة تندرج ضمن غسيل أموال أو تمويل إرهاب، ومن بين البلدان التي ورد في خطاب الخارجية السعودية، الجزائر، إذ قال عنها إنها لم تلتزم بخطة قافي(مجموعة الحركة المالية، هيئة دولية حكومية اسست سنة 1989 خلال قمة مجموعة الـ7 بباريس وتعني بمكافحة تبييض الأموال على المستوى الدولي) وهذا إلى جانب ميانمار والإكوادور وباكستان واندونيسيا وإثيوبيا وسوريا وتركيا واليمن، فيما صنفت إيران وكوريا الشمالية أنهما دولتان لم تكافحا غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
الاتهامات السعودية للجارة الشرقية بأنها تغض الطرف عن مكافحة تمويل الإرهاب، لاقت رداً سريعاً على لسان وزير الخارجية الجزائرية، رمطان لعمامرة، الذي صرح بأن الاتهامات الموجهة لبلاده، دون أن يذكر السعودية بالاسم، هي مجرد "زوبعة في فنجان، وليس لها أي أساس"، مبرزاً أن الجزائر قامت بتحديث قوانينها لمحاربة تمويل الجماعات الإرهابية". كذلك نفى متحدث باسم وزارة الخارجية الجزائرية عبد العزيز بن علي شريف ما جاء على لسان الصحيفة السعودية، وقال: "رداً على ما تناولته بعض وسائل الإعلام بكثير من المبالغة وعدم الدقة، بل والمغالطة أحياناً حول تكفل الهيئات والمؤسسات الجزائرية المختصة بملف الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إن الجزائر تبوأت منذ البداية الريادة في التصدي للإرهاب ومكافحته، وواصلت جهودها على المستوى الدولي لبناء منظومة قانونية للحد من انتشار هذه الظاهرة، وكان من الطبيعي أن تكون سباقة ضمن مجموعة من 36 دولة مهمتها تضييق الخناق على الإرهاب والإرهابيين من خلال تجفيف منابع تمويله".
يبدو أن الإدعاءات السعودية تجاه الجزائر لا تستند إلى دلائل واقعية ما يدفعنا إلى البحث عن الأسباب الحقيقية لهجوم الرياض على الجزائر.
القائمة السوداء وعاصفة الحزم
لم يسكت الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على الإتهامات المهينة من قبل السلطات السعودية، بل أكّد بعد يوم واحد على الإتهامات السعودية هشاشة العلاقة مع الأخيرة في بيانه الأخير الذي أعلن من خلاله دعم بلاده للشعب اليمني في إرساء أسس الديمقراطية وحماية التراب الوطني، وقال: "يحدوني اليقين بأن الشعب اليمني له من الحكمة والتبصر ما يؤهله لتجاوز الأزمة الراهنة عبر حوار سياسي شامل وجامع يحفظ للبلاد سيادتها واستقرارها ووحدة ترابها ويحقق لشعبها الأبي ما يتطلع إليه من سلام وطمأنينة".
الأحزاب السياسية الجزائرية تحدّثت هي الأخري عن القضية نفسها، إذ وصفت الأمينة العامة لحزب "العمال"، لويزة حنون، السعودية بأنها "زائدة دودية تدعم فلول الإرهاب وتشجعه في العالم"، مشيرة إلى أن الحديث السعودي بشأن بلادها هو "تدخل المباشر في الشأن الداخلي، وموقف أملته المواقف المعادية للحرب التي تقودها السعودية وحلفاؤها ضد اليمن".
لم يمنع الردّ الرسمي صحيفة الوطن الجزائرية الناطقة بالفرنسية، من الإدلاء بدلوها في الموضوع، لتتناول هذه القائمة من جانب "الخلاف السعودي الجزائري حول عاصفة الحزم والتدخل في اليمن". وعادت الصحيفة للتعرض إلى ملف الطائرة الجزائرية التي لم تتمكن من النزول في مطار صنعاء لإجلاء مواطنين جزائريين مع بداية الضربات الجوية ضد أنصار الله، مشيرةً إلى أن القائمة السوداء التي نشرتها صحيفة مكة، خير دليل على استمرار الخلاف بين البلدين.
اذاً، التوتر الجديد بين السعودية والجزائر أتى ليزكي الأزمة الدبلوماسية الصامتة بين البلدين في الفترة السابقة، خاصة بعد ما جرى من تداعيات بشأن رفض الجزائر المشاركة في "عاصفة الحزم"، أزمة تعمّقت أكثر فأكثر لحظة قررت الجزائر إجلاء مواطنيها من اليمن، بينهم سفيرها بصنعاء.
تُدخل الخطوة السعودية الأخيرة مستقبل علاقاتها مع الدول المذكورة في القائمة السوداء والتي تضم دولاً عربية وإقليمية وازنة بنفق مظلم، ويبدو أن الفشل السعودي لن يقتصر على عدم تحقيق اهداف عاصفة الحزم بل ربّما ينتقل إلى خلاف حقيقي في العلاقات مع بقيّة البلدان التي خالفت أو لم تستجب لطلب المشاركة في العاصفة.