الوقت- صرفت الأزمة الخليجية الأنظار عن الشمال السوري. إلا أنّها لم تلهي الطرفين الكردي والتركي، ومن خلفهم الأمريكي، عن هذا الأمر. ولعلّ عبارة "هدوء ما قبل العاصفة" هي العبارة الوحيدة التي تلخص الواقع الميداني في الشمال السوري.
لست أتحدث عما تنتظره مدينة الرقة السورية بعد اقفال كافة المنافذ على تنظيم داعش الإرهابي من قبل القوات الكردية، قوات سوريا الديموقراطيّة، والمواجهات الدائرة هناك، بل عن المواجهة التي باتت مسألة وقت لا أكثر بين الأتراك والأكراد في الشمال السوري.
المشهد الشمالي على نار حامية يتخّلله تهديد ووعيد، وردّ بالمثل، من قبل تركيا والقوّات الكرديّة المدعومة أمريكياً. أردوغان، الذي كان متريّثاً قليلاً في مرحلة ما قبل الاستفتاء الدستوري، أعلن استعداد بلاده لإجراء عملية عسكرية جديدة شمال سوريا لمنع قيام "دولة كردية" هناك، في حين أن صحيفة "قرار" التركية، ذكرت أن الجيش التركي أمر وحداته العسكرية وفصائل الجيش السوري الحر في المنطقة بالتأهب لعملية عسكرية وشيكة، من المنتظر أن تسمى بـ "سيف الفرات".
وبعد التهديد التركي والامتعاض القائم، بسبب التسليح الأمريكي لهذه القوّات، نبهت قوات سوريا الديمقراطية ، إلى إمكانية اندلاع مواجهات ضارية مع الجيش التركي في شمال غرب سوريا، إذا ما هاجم المناطق الخاضعة لسيطرتها، وقد أكّد ناصر حاج منصور، مستشار قوات سوريا الديموقراطيّة أنّها اتخذت قراراً بمواجهة الجيش التركي إذا حاول "تجاوز الخطوط المعروفة في منطقة عفرين.
قوّات سوريا الديموقراطيّة التي استقام عودها خلال سنوات المواجهة مع التنظيم الإرهابي، قالت وبصراحة "قوّاتنا مجهزة ومحضرة وقررت المواجهة"، كما أنّ مجلس سوريا الديمقراطية ، أوضح أمس السبت أنّ أي اعتداء تركي على مدينة عفرين سيكون بمثابة إعلان حرب ونفير عام .
الخشية الكرديّة التي يرافقها قلق غامض أمريكي تأتي بعد نشر أنقرة مؤخرا قوات إضافية في المنطقة، وهو ما أثار قلق قوات سوريا الديمقراطية من احتمال وجود خطة تركية لمهاجمة مناطق قريبة خاضعة لسيطرتها.
الأطراف الخاسرة كثيرة في حال اندلاع هذه المعركة التي ستحمل تبعات إقليمية هامّة، إلا أنّها ستكون في صالح تنظيم داعش الإرهابي باعتبار أنّها ستقوّض الهجوم على "داعش" في عاصمة الخلافة المزعومة.
إن المواجهة هي مسألة وقت لا أكثر، خاصّة أن واشنطن تبدو غير قادرة على كبح الجماح التركي وترويضها للأكراد بما يرضي أردوغان، وهنا تجدر الإشارة إلى جملة من النقاط:
أوّلاً: إن الإصرار الأمريكي على تسليح الأكراد، وبأسلحة نوعية في نظر أنقرة، إضافةً إلى إعلان هذه القوّات عن مشاريع انفصالية أثار الحفيظة التركية التي ترى في هذه القوّات تهديداً لأمنها القومي، خاصّة أن قوات سوريا الديمقراطية تتألف من جماعات عدة، تتقدمها وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا في تركيا منذ ثلاثة عقود. ولكن،يخطئ الأكراد إذا ما اعتقدوا أن واشنطن ستساندهم عسكرياً أمام الجيش التركي. أبداً، هذه القوّات ستكون لوحدها في مواجهة الجيش التركي والجماعات المسلّحة التابعة له.
ثانياً: يبدو أن الجانب التركي يريد كسر الخطوط الحمراء التي تجنّبها سابقاً، فبعد انسحاب القوّات الكرديّة من منبج لصالح الجيش السوري، ما فوّت على أنقرة مواجهة واسعة مع الأكراد، تتحدّث وسائل إعلام تركية عن إكمال استعدادات الجيش التركي لشن عملية برية جديدة داخل الأراضي السورية، ستركز على تطهير منطقة عفرين من وجود حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب. أيّ أن المواجهة ستكون في معقل الأكراد الرئيسي في شمال حلب، الأمر الذي ينذر بمواجهة شرسة وطويلة الأمد. نائب الوزراء التركي فايسي قايناق أكّد لصحيفة ديلي نيوز أنه قد حان الوقت لتطهيرِ عفرين في ريفِ حلب الشمالي من الإرهاب وتحقيق الاستقرار في المنطقة حسب وصفه.
ثالثاً: يعي الأكراد جيّداً صعوبة المواجهة مع الجيش التركي، أحد الجيوش الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، لذلك حاولت القوّات الكرديّة التقارب بشكل كبير مع واشنطن من الناحيتين السياسيّة والعسكرية لتكون حطان الطروادة الأمريكي. عسكرياً وضعت قوّات سوريا الديموقراطيّة مطار عسكري قرب مدينة الطبقة السورية تحت تصرّف واشنطن، الأمر الذي يكبّل أي هجوم تركي.
رابعاً: ما يعزّز فرضيّة المواجهة القريبة هي الأنباء التي تواردت حول انسحاب رتل عسكري من القوات الروسية من معسكر قرية "كفر جنة" شرق مدينة عفرين التي تسيطر عليها "الوحدات" الكردية، بالتزامن مع رصد ناشطين تحرك تعزيزات عسكرية تركية مدرعات ودبابات من ولاية هاتاي التركية إلى الحدود السورية، ما دفع بالأكراد للتصريح وعلى نحو متزايد بضرورة تدخّل الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه لحماية مصالح الشعب الكردي من العدوان الخارجي.
باختصار، المشهد السوري اليوم قاب قوسين أو أدني من مواجهة جديدة ستعقّد المشهد الميداني كثيراً، وربّما تكون مقدّمة لمواجهة شاملة يسعى فيها كل طرف للاصطياد في الماء العكر. واللافت أن التركي الذي ارتأى سابقاً استخدام "درع الفرات" في دلالة دفاعية، استلّ اليوم "سيف الفرات" في دلالة هجوميّة واضحة.