الوقت- يبدو أن تركيا الدولة التي كان لها التأثير في الكثير من السياسات الإقليمية، لن تسلم من تغييرٍ جذريٍ قد يطيح بالعديد من السياسات التي كانت قائمة. ولعل هذه المسألة أصبحت طبيعية اليوم في ظل التغييرات التي تحصل على الصعيد العالمي، والتي يبدو أنها ستشكل واقعاً سياسياً جديداً في العالم والمنطقة أيضاً. ويكمن السر في هذا التغيير التركي، بالطرف العلوي الذي كان مهمشاً لسنواتٍ عديدة والذي يقترب من دخول البرلمان التركي بنسبةٍ قد تساوي نسبته من إجمالي عدد سكان البلاد. فكيف يمكن وصف الاستحقاق الجديد للعلويين في تركيا؟ وما هي تحدياتهم؟
أولاً: الإنتخابات التركية، استحقاق للعلويين:
يقترب العلويون وللمرة الأولى في تاريخ الإنتخابات التركية، من دخول البرلمان بنسبة تمثل نسبتهم من إجمالي عدد سكان البلاد. وهو ما سيكون له وقع على المشهد السياسي التركي لكونهم من أشد المعارضين لحزب العدالة والتنمية. ففي تقرير له، أشار مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن سونر جاغابتاي، الى أن العلويين يشكلون 10- 15% من سكان تركيا البالغ عددهم 77 مليون نسمة. بينما يشكل الأتراك من أصل علوي مجتمعاً أصغر بكثير يقدر بأقل من مليون نسمة. ويبدو أن جميع العلويين على اختلاف أصولهم، متحدون سياسياً في تركيا في معارضتهم لحزب العدالة والتنمية، بحيث تنتهج كلتا الجماعتين نهجاً علمانياً قوياً في تحركاتهما السياسية، وتعبران عن ذلك من خلال التصويت بأعداد هائلة لصالح "حزب الشعب الجمهوري" وأحزاب يسارية أخرى.
لذلك يرجح أن العلويون يستعدون إلى دخول البرلمان عبر بوابة حزب الشعب الجمهوري الذي أجرى هذا العام انتخابات تمهيدية داخلية لقواعده، لاختيار من يترشح للإنتخابات بهدف السماح لمرشحين جدد بالبروز من الأوساط الشعبية. وحشد العلويون أعدادا كبيرة على وجه التحديد للتصويت في الإنتخابات التمهيدية لحزب "الشعب الجمهوري"، حيث أشار الصحفي التركي حسن كنبلاط مؤخراً في إحدى مقالاته، إلى أن ما لا يقل عن ثمانية وستين من المرشحين العلويين الفائزين في الإنتخابات التمهيدية يحتمل أن يفوزوا بمقاعد في البرلمان المقبل. بالإضافة إلى ذلك، فإنه ربما يتم انتخاب عشرة علويين آخرين من قائمة حزب "ديمقراطية الشعوب" القومي الكردي، وهذا من شأنه أن يرفع نظرياً نسبة العلويين في المجلس التشريعي إلى ما يبلغ 10- 15 في المائة. وإذا ما حدث ذلك، فسيكون تمثيلهم البرلماني مناسباً تقريباً لنسبتهم في عدد السكان وسيكون ذلك للمرة الأولى في التاريخ التركي الحديث.
وعلى الرغم من أن حزب "ديمقراطية الشعوب" لم يجر انتخابات تمهيدية، فإنه أدرج في النهاية عدداً غير مسبوق من العلويين في قوائمه، حيث اختار حوالي عشرة مرشحين علويين. وإذا تمكن الحزب من تخطي العتبة الانتخابية المقدرة بـ 10% المطلوبة لدخول الأحزاب للبرلمان، فسيتم انتخاب أغلب هؤلاء المرشحين. فربما سيضم البرلمان القادم ما بين ستين إلى سبعين نائباً علوياً، أو ما بين خمسين إلى ستين إذا لم ينجح حزب "ديمقراطية الشعوب" في الوفاء بالنسبة المطلوبة للعتبة الانتخابية. وبالتالي، فإن تجمعاً علوياً غير رسمي على أعتاب الظهور في المجلس التشريعي.
ثانياً: التداعيات على مشهد السياسة التركية:
لا شك أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، يضمر باتجاه العلويين عكس ما يظهر. وهو الذي يحاول دوماً الظهور بمظهر الديمقراطي القادر على استيعاب كافة الأطراف السياسية. وتشير سياساته وكذلك تاريخه السياسي عكس ذلك تماماً، بل تؤكد أنه يجمح دوماً لتقوية النفس العثماني، والسعي الى إعادة بناء السلطنة العثمانية. وهنا يجب إيضاح التالي:
- قبل إجراء الإنتخابات الرئاسية في آب 2014، كان رئيس الوزراء آنذاك، رجب طيب أردوغان، قد وصف حزب الشعب الجمهوري، بأنه حركة علوية رغم حقيقة أن مرشحه، أكمل الدين إحسان أوغلو هو سني متدين. وهو الأمر الذي من المرجح أن يستغله حزب "العدالة والتنمية"، أي القيام بتشكيل جبهة علوية من خلال إطلاق توصيف الحركة العلوية على حزب "الشعب الجمهوري". وهو ما يمكن أن يشكل التحدي الذي سيواجه الحزب. فإطلاق هذا التوصيف عليه يهدف بحسب المحللين الى تهميش الحزب وجعله أقلية. لكن قدرة الحزب على توسيع شعبيته من خلال الترويج لحقوق العلويين، وجعلهم شركاء في البرنامج السياسي، هو الأمر الذي سيحدد قدرتهم على مواجهة خطط أردوغان.
- وهنا تشير التحاليل الى إمكانية الحزب استغلال الحالة الداخلية التي تواجه أردوغان. أي القيام باللعب على وتر الإستياء الداخلي من سياسات حزب العدالة والتنمية التي لم يعد يستسيغها الشعب التركي. وهو ما قد يشكل نقطة قوة للعلويين في حال عرفوا كيف يستفيدون من نطاق الضعف الموجودة لدى أردوغان وحزبه.
- فعلى الرغم من أن أردوغان أعلن من خلال حكومته أن أنقرة مستعدة لمعالجة مظالم الطائفة العلوية، يدرك الكثيرون أن خطوة الرئيس التركي هذه تصب في محاولته التقليل من شراسة الطرف العلوي وبالتالي التخفيف من حدة شعور العلويين بالتهميش. فقد اتّخذت حكومة أردوغان قراراً هاماً فيما يتعلق بوضع المؤسسات العلوية، حيث تمّ تبني قرار يقبل مؤسسة هاجي بكتاش ولي الثقافية الأناضولية (المعروفة بأنّها أحد أكبر المنظمات العلوية)، باعتبارها منظمة تعمل من أجل الصّالح العام. وهو الأمر الذي أشاد به الزعماء العلويون، حيث يتوقع أن يكون له أثر إيجابي على الوضع الرسمي للمنظمات والمؤسسات العلوية. الى جانب قيام الحكومة في السنوات الأخيرة بخطوات عديدة للإستجابة لاحتياجات الأقليات العرقية والدينية داخل تركيا. لكن ما يدركه وعن قناعة أغلب الأطراف أن سياسات أردوغان لم تكن إلا لمصالحه، وبالتالي فإن عدم القناعة بحقوق الآخرين يجعل هذه الأطراف غير مرتاحة لتصرفات أردوغان، وهذا ما قد يصب في صالح العلويين.
كما أن لأردوغان تحدياتٍ عديدة ستواجه حزبه على الصعيد الداخلي، ويعتبر العلويون بحد ذاتهم تحدياً يضاف الى تلك الصعوبات. فعلي أردوغان أن يستعيد ثقة الداخل، وهو الذي قد يحاول الظهور بمظهر المتفهم للأقليات، لكن الإنتخابات هي التي ستحدد النتائج.