الوقت- فُتح الملف القطري على مصراعيه، خليجياً وأمريكيا على حدّ سواء. فبعد التصريحات المنسوبة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ليلة الثلاثاء الماضي، باتت الإجابة على جملة من الأسئلة أكثر إلحاحاً: ماذا عن السياسة الخارجيّة المرتقبة لقطر؟ ماذا عن علاقتها مع الإخوان؟ وكيف ستتأثر علاقاتها مع أمريكا والدول الخليجية؟
تعي قطر جيّداً ضرورة الحماية الأمريكية لها، والتي حاولت في الآونة الأخيرة إبقائها إلى جانب الحماية التركية بعد القاعدة العسكريّة للأخيرة، والتي لا تبعد كثيراً عن نظيرتها الأمريكية. إلا أنّه في الوقت عينه تعد جماعة الإخوان المسلمين أحد أعمدة السياسة الخارجيّة القطريّة منذ سنوات، وبالتالي فإن أي موقف أو إجراء قطري يراعي هاتين النقطتين: أمريكا وجماعة الإخوان المسلمين.
ولرسم صورة أوضح عن مواقف قطر التي تأزمت علاقتها مع السعودية، بسبب سعيها لزعامة الدول الخليجية وسلب هذه الدول أي موقف خارجي لا يتناسب مع رؤيتها، والإمارات بسبب عدائها التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين، لا بد من الإشارة إلى ما قاله أحد مستشاري أوباما في منطقة غرب آسيا "دانيس راس". فقد كتب في مقال له قبل أيّام في"USATODAY" أن قطر تريد بقاء القاعدة العسكريّة الأمريكية في قطر، تماماً كما تريد حماية الإخوان المسلمين.
ولكن السؤال الجديد الذي يطرح نفسه: لماذا تريد قطر أمريكا والأخوان سويّةً، فإذا عُرف السبب بطل العجب، كما يقول العرب.
الإخوان المسلمين
تسبب الدعم القطري لجامعة الإخوان المسلمين بمشاكل كثيرة للدوحة إضافةً إلى تكلفة ماليّة باهظة، إلا أن قطر قرّرت بالمضي في سياسة دعم الإخوان والدفاع عنهم.
قطر التي قطعت علاقاتها مع مصر، وفي مرحلة سابقة مع بعض دول مجلس التعاون كالسعودية والإمارات والكويت (الأخيرة بالتبعية)، كما ساءت علاقاتها مع العديد من الدول الغربيّة.
ولكن هل هذه التكلفة دون سبب ونتيجة، بالطبع لا. يقول وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت غيتس، "أن دولة قطر تحاول أن تلعب دورًا دوليًا أكبر من حجمها، في وقت تعتقد فيه العائلة الحاكمة أن الاستمرار في سياسة التناقضات قد يطيل عمر النظام في قطر".
يضيف "غيتس" خلال ندوة في واشنطن، نظمتها المؤسسة الأمريكية البحثية للدفاع عن الديمقراطيات تحت عنوان "قطر والإخوان المسلمين" أن دولة قطر تريد أن يكون لها موقع مهم على المسرح العالمي، وتريد أن تكون لها مكانة مهمة في المنطقة، وأن تحتفظ بعلاقة جيدة مع إيران، وفي نفس الوقت أن تكون لها علاقة جيدة مع دول مجلس التعاون وأمريكا، وهو ما تحاول من خلاله أن تكون لها علاقة جيدة مع الجميع وبذاك تستطيع المناورة.
العلاقة مع أمريكا
لطالما اعتمدت الأنظمة الخليجية على الدعم الأمريكي، إلا أن ترامب سيعمل اليوم على إجراء دراسة لحلفاء أمريكا، الذين سيطالبهم بدفع الجزية، تماماً كما فعلت السعوديّة.
أمريكا تحدّثت مؤخراً عن نقل قاعدة العديد العسكرية من قطر، أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في العالم، فقد أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي أد رويس، أن أمريكا قد تنقل قاعدتها العسكرية بقطر إلى بلد آخر إذا لم تغير الدوحة من تصرفاتها الداعمة لجماعات متشددة، وذلك بعد تصريحات أمير قطر التي اعتبر فيها أن القاعدة العسكرية أنها تمثل الفرصة الوحيدة لأمريكا لامتلاك النفوذ العسكري في المنطقة، كما تضمّنت تصريحاته التأكيد على أن القاعدة الأمريكية تحميه من أطماع دول جوار، في إشارة للسعودية.
الدولة البديلة قد تكون الإمارات الأقرب خليجياً في نظرنا إلى أمريكا، رغم أن الأمر مستبعد على أرض الواقع حتى كتابة هذه السطور، إلا أن قطر في حال أرادت غضّ طرف أمريكي عن دعمها للإخوان، لا بدّ لها من دفع جزية أكبر لترامب الرئيس التاجر، هذا هو الاعتقاد السائد.
نذهب إلى أبعد من ذلك، ونرى أن الدعم القطري للإخوان تحديداً، تتضمّنه قطبة مخفيّة قد تفسّرها الاستخبارات الأمريكية في محاولتها لإدارة هذه الجماعات بصورة غير مباشرة، والإطلاع على كافّة التفاصيل عبر الحليف القطري. نستذكر هنا وثيقة حماس الجديدة التي لم تكن بعيدةً عن قطر مقرّ رئاسة المكتب السياسي، وكذلك كلام نائب رئيس الوزراء التركي في أمريكا حول ضغوط تركية على الحركة لخلع سلاحها.
اللافت أن قطر هذه التي تدعم حماس وجماعة الإخوان المسلمين، تربطها علاقات مع الكيان الإسرائيلي في إطارة سياسة جمع التناقضات. هذا ما كتبته وسائل الإعلام السعوديّة مؤخراً حيث جاء في صحيفة الحياة في مقال تحت عنوان " تطابق تصريحات أمير قطر مع سياسة بلاده ينفي نظرية الاختراق" أن التاريخ القطري مرتبط بعلاقة قوية وعلنية مع إسرائيل خلال السنوات الماضية.
نتيجة
يبدو واضحاً أن البرغماتيّة التركيّة التي لمسناها من أردوغان في سياسته الخارجية خلال السنوات الماضيّة، تسري أيضاً على الحليف القطري الذي يعتقد أن سياسة جمع التناقضات ستطيل عمر نظامه الحالي الذي لا يستند إلى النظام العائلي لا الشعبي، كما كافّة دول مجلس التعاون.
وباعتقادنا أن الاعتقاد القطري هذا يعود لسعيها بلعب دور يفوق حجمها بأضعاف مضاعفة، ولعل هذه النقطة ستكون مقتل قطر على الصعيد الاستراتيجي وإن بدت مفيدة، نوعاً ما، على الصعيد التكتيكي.
باختصار قطر تريد أن تكون جسراً بين الإسلاميين والغرب من جهة، والفلسطينيين والكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، ولكن المرحلة القائمة قد لا تسمح لأحد بإمساك العصا من الوسط، وبالتالي قد تكون الخاسر الأكبر.