الوقت - بين إشكالية التحرك الغربي في البحر الأسود، الأمر الذي يُخالف معاهدة مونتيرو، وسعي روسيا لتعزيز قوتها في محيطها الإستراتيجي، يُمكن قراءة الواقع الدولي من منطلق كونه واقعاً يُنذر بربيعٍ ساخن. ولعل الأمور تحتاج لفهم الواقع الجيوعسكري الذي بات يُحيط بالمنطقة والعالم. ففي وقتٍ تسعى فيه موسكو للولوج بالأزمة الليبية وفتح الطريق لنفوذها نحو شمال أفريقيا وجنوب البحر المتوسط، جاءت الخطوة الأمريكية كرد فعلٍ في محاولة لتعزيز التقارب مع الدول الأوروبية وإحياء الأزمة الروسية الأوكرانية. من هنا، ماذا في الإستنفار الروسي في القرم؟ وكيف شكَّلت مناورة الأطلسي في البحر الأسود مخالفة قانونية لمعاهدة مونتيرو؟ وكيف يمكن تحليل التحرك الأمريكي الروسي؟
الإستنفار الروسي في القرم
أعلنت روسيا بدء فعاليات مراكز القيادة مع الرمي بالذخيرة الحية، وفقا لخطة التدريب القتالي لقوات الإنزال الجوي وبمشاركة أسطول البحر الأسود والقوة الجوية الفضائية الروسية. وأضاف القائد العام للمناورات الإثنين أن ما يجري يحصل للمرة الأولى في تاريخ الجيش الروسي حيث تستنفر في نفس الوقت وفي إطار تدريبات قوات الإنزال ثلاث تشكيلات يتم نقلها جزئياً إلى القرم مع عتادها الكامل وتقنياتها. يُشار إلى أن روسيا، أجرت خلال الآونة الأخيرة سلسلة من المناورات والإختبارات على الجاهزية القتالية لقواتها المسلحة بالتزامن مع خطط حلف الناتو للتوسع شرقاً بالقرب من الحدود الروسية.
حضور الناتو في البحر الأسود
يُعزز الناتو وبدعم من أوكرانيا، من وجوده العسكري في البحر الأسود. حيث وصلت إلى ميناء أوديسا أربع سفن حربية للحلف الأطلسي من مجموعة (SNMCG2)، وذلك بهدف إجراء مناورات مشتركة مع القوات البحرية الأوكرانية. وتضم المجموعة سفناً لكل من بولندا وإسبانيا وألمانيا وتركيا. كما سيُشارك نحو 1200 جندي روماني مع مُشاة البحرية الأمريكية في مُستهل تدريب عسكري مُشترك يستمر لمدة سبعة أيام ضمن مناورات سمِّيت "عاصفة الربيع 17" التي يجريها حلف شمال الأطلسي.
معاهدة مونتيرو وإشكالية الحضور الغربي في البحر الأسود ودور تركيا في ذلك!
تطرقت مجلة "نيسافيزيمايا غازيتا" إلى إشكالية مشاركة دول خارج حوض البحر الأسود في المناورات التي يُجريها الناتو، وفق معاهدة مونتيرو. ومعاهدة مونتيرو، هي التي تُنظم حركة السفن التجارية والحربية عبر مضيقي البوسفور والدردنيل. وتسمح المعاهدة للسفن الحربية التابعة لدول حوض البحر الأسود بحرية الحركة دون قيد أو شرط. فيما تُفرض على السفن الحربية التابعة لدول تقع خارج حوض البحر الأسود، عدة شروط، حيث يجب أن تكون سفناً سطحية وخفيفة بحيث لا يزيد عددها في المجموعة عن تسع سفن مارة عبر المضيق في آن واحد وبحمولة إجمالية لا تتجاوز 15 ألف طن، على ألا تزيد فترة وجودها في البحر الأسود عن ثلاثة أسابيع. وفي حال بقاء أي سفينة فترة أطول من ذلك، فسوف تتحمل الدولة، التي سمحت بمرورها، مسؤولية هذا الانتهاك لبنود المعاهدة. وهو ما ينطبق على تركيا التي ستُسهل عملية العبور.
حقائق ودلالات التحرك الروسي الأمريكي
يمكن تحليل ما يجري من خلال التالي:
أولاً: على الصعيد القانوني، يُعتبر ما يجري من قِبل الناتو، محاولة للالتفاف على معاهدة مونتيرو لتعزيز وجود الناتو في المنطقة. حيث لا يمكن إلا للسفينة التركية البقاء في البحر الأسود مدة تزيد عن ثلاثة أسابيع كونها تقع ضمن حوض البحر الأسود. من هنا يجري الحديث عن أن واشنطن ستقوم بتسليم السفن الأمريكية إلى القوات البحرية الأوكرانية مما يعني إمكانية ظهور سفن حربية أمريكية وأخرى تابعة لدول الناتو في البحر الأسود تحت العلم الأوكراني، وتبقى مدة تزيد عن ثلاثة أسابيع.
ثانياً: من ناحية واشنطن، يبدو أن إدارة ترامب الجديدة قررت ترتيب وضع تحالفاتها من جديد مع حلف الأطلسي، وإعادة صياغة المشهد الاستراتيجي ومحاصرة روسيا في البحر الأسود. وهو ما يُعتبر نقلة نوعية في لعبة الشطرنج بين موسكو وواشنطن. فيما تبقى نتائج ما يجري رهن التطورات التي تحكم سلوك الطرفين.
ثالثاً: يبدو واضحاً أن موسكو لا تكتفي بترسيخ وجودها في الشرق الأوسط سورياً، بل تسعى لرسم خطٍ استراتيجي على الطريق نحو البحر الأسود، من خلال التمركز على الساحل الليبي جنوب البحر المتوسط مروراً بمصر وغيرها من الدول العربية. وهو ما يعني سعيها للدخول على خط الأزمة الليبية، وزيادة الإهتمام من الشرق الأوسط الى شمال أفريقيا. الأمر الذي قد تكون جاءت الخطوة الأمريكية كرد عليه.
إذن، لا يمكن فصل ما يجري عن محاولات الأطراف الدولية موسكو وواشنطن، فرض معادلاتٍ جديدة تدخل في خانة الردع المُتبادل. كل ذلك يبقى محمولاً طالماً أنه ضمن التوازن الدولي. لكن ما يجري يُنبئ بأن المستقبل يحمل مخاطر انفجار الأوضاع، في ظل استخدامٍ للقوة، ما يزال تحت عناوين تدريبية.