الوقت- لم يحظ الشعب الأمريكي يوماً بإدارةٍ نظيفة، بل كانت دائماً تحكمه إداراتٌ فاسدة. هكذا يمكن اختصار المشهد الإداري والسياسي والقانوني لأمريكا على الصعيد الداخلي. ولعل إثارة هذا الموضوع أمرٌ جديدٌ في وقتٍ تعوَّد فيه العالم على وضع إسم أمريكا كمثالٍ للحضارة والديمقراطية. لكن العارف لحقائق التاريخ السياسي الداخلي الأمريكي، يدرك حجم النفاق الموجود، في تقديم أمريكا كبلدٍ نموذجي. فكيف يمكن وصف معالم الفساد المرتبطة بأمريكا وبالتحديد بأسماء عددٍ من رؤسائها؟ ولماذا لا يمكن اعتبار أمريكا بلداً نموذجياً؟
أولاً: الفساد السياسي والمالي:
إن أمريكا هي الدولة الأكثر فساداً في العالم، بحسب تقارير وإحصاءاتٍ لمؤسسات رقابية. ففي الوقت الذي تلقي فيه واشنطن اللوم على الدول وتحاسبهم على ملفات وقضايا فساد، يعتبر الفساد المتفشي في النظام الداخلي الأمريكي أمراً خطيراً. ولعل الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن، كان نموذجاً يحتذى به، للرئيس الذي بنى واقع الفساد السياسي والمالي الداخلي في أمريكا. ففي كتاب "الحياة السرية لرؤساء أمريكا " يذكر المؤلفان كورماك اوبراين ومونيكا سوتيسكى أن انتخابات عام 2000 التى تنافس فيها المرشح الجمهورى جورج بوش الإبن مع غريمه الديمقراطى آل جور، كانت مهزلة بكل المقاييس فلم يكن أى من المرشحين جديراً بهذا المنصب الخطير بينما اتسمت البرامج التى تقدم بها كل من المرشحين بالخفة وانعدام الموضوعية وجاءت نتيجة هذه الإنتخابات بمثابة مهزلة أخرى. فقد أوشك كل من بوش وآل جور على الفوز ولكن تم ترجيح كفة بوش بعد قيام الجهة المشرفة على الاقتراع بتعداد أصوات الناخبين فى فلوريدا بطريقة يدوية طبقا للقرار الصادر عن المحكمة الدستورية العليا. ولعل حكم بوش إشتهر حينها، بفضائح لا حصر لها ومن أهم هذه الفضائح التي تدل على مستوى الفساد الداخلي للنظام الأمريكي، كان: فضائح الحريات كالتنصت على المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي ومسلمي أمريكا، الى جانب فضيحة سجن أبو غريب في العراق والسجون السرية التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خارج البلاد. وهناك أيضا الفضائح الاقتصادية مثل تورطه في فضيحة إينرون وتورط نائبه ديك تشيني في فضيحة هالبيترون. وهنا يأتي الحديث عن الفساد الإقتصادي والمالي المستشري. فنائب الرئيس الأمريكي السابق، ديك تشيني يعتبر أحد أهم الأمثلة في هذا الموضوع. فهو الذي كان رئيساً تنفيذيا لشركة هاليبرتون (شركة الخدمات النفطية العملاقة) على مدى خمس سنوات، والتي خضعت مؤخراً للتحقيق من قبل هيئة الأوراق المالية والسندات حول إدارة حساباتها أثناء رئاسة تشيني لها.
كما أن فضيحة "سنودن" الكبرى التي هزت العالم السياسي الدبلوماسي، والتي أتهمت فيه أغلب الدول أمريكا بالخيانة الكبرى، كانت من أهم مظاهر الفساد السياسي الأمريكي. ولقد كان العام 2013 عام فضائح التجسس بامتياز، لما أحدثته تلك التسريبات التي قادها العميل السابق للإستخبارات الأميركية "سنودن"، من شرخ في علاقات أمريكا مع جميع حلفائها في العالم. خصوصاً عندما كشفت وثيقة سرية لصحيفة "الغارديان" البريطانية في 25 من أكتوبر (تشرين الاول) 2013، سربها المحلل الإستخباراتي الأميركي السابق إدوارد سنودن، تشير إلى أن وكالة الأمن القومي الأمریكية تجسست على المحادثات الهاتفية لخمسة وثلاثين من زعماء العالم. قد يصفه البعض بالبطل فيما قد يصفه الآخرون بالخائن، لكن سنودن كان دائماً يركز على وصف نفسه بأنه "أمريكي". وهو ما يعبر عن حالة السخط الشعبي على السياسات الداخلية. ولعل سنودن يعتبر مثلاً حياً عن المواطن الرافض لسياسات بلده أمريكا. فهو الذي قال: "كنت أنوي أن أشارك في القتال بالعراق، لأنني شعرت بمسؤوليتي الإنسانية التي حتمت علي مساعدة تحرير الناس من العيش تحت الاضطهاد." في يونيو 2013 سرب سنودن مواد مصنفة على أنها سرية للغاية من وكالة الأمن القومي، منها برنامج "بريسم" إلى صحيفة الغارديان وصحيفة الواشنطن بوست. وفي 21 يونيو 2013 وجه له القضاء الأمريكي رسميا تهمة التجسس وسرقة ممتلكات حكومية ونقل معلومات تتعلق بالدفاع الوطني دون إذن والنقل المتعمد لمعلومات مخابرات سرية لشخص غير مسموح له بالاطلاع عليها.
ثانياً: الفساد الإجتماعي والقضائي:
كما أن من أهم مظاهر الفساد الداخلي في أمريكا هو ملف الفساد الإجتماعي المتعلق بإضطهاد السود. فقد قتلت الشرطة الأمريكية رجلاً أسود بدا يهرب من ضابط شرطة في ساوث كارولاينا، حيث صوب ضابط الشرطة سلاحه نحو الرجل الأسود، وأطلق عليه النار، ما أدى إلى مقتله على الفور. وقالت وزارة العدل الأمريكية، الثلاثاء الماضي: إن مكتب التحقيقات الاتحادي ودائرة الحقوق المدنية بالوزارة فتحا تحقيقاً في قتل ضابط شرطة أبيض، من ساوث كارولاينا، لرجل أسود بالرصاص، مضيفة في بيان لها: "ستعمل دائرة الحقوق المدنية بالوزارة، ومكتب المدعي العام في ساوث كارولاينا، مع مكتب التحقيقات الاتحادي في مباشرة التحقيق، وسوف تتخذ وزارة العدل الإجراءات المناسبة في ضوء الأدلة وتطورات القضية".
وبحسب تقارير وخبراء، فإن ظاهرة العنف أصبحت من أخطر المشكلات المتنامية التي يعاني منها المجتمع الأمريكي، والتي تهدد أمنه واستقراره، بسبب استمرار سياسة التمييز العنصري، وازدياد اضطهاد رجال الأمن تجاه السود. وتشير التقارير إلى أن جهاز الشرطة المتهم الأول في أغلب حوادث العنف، لاستخدامه القوة المفرطة وبطريقة غير دستورية ضد أشخاص ينتمون إلى بعض المجموعات العرقية والعنصرية، وهو ما أسهم بخلق حالة عداء دائم وأثار موجة من العنف المضاد. وتتهم جهات حقوقية السلطات الأمريكية بأنها لا تفتح تحقيقاً، أو دعاوى قضائية في عمليات القتل بحق المواطنين السود، باستثناء حالات نادرة، إلا بعد أن تحولت هذه القضايا إلى رأي عام، وحركت الشارع "الأسود" ضد ظلم "الأبيض"، إذ أشارت دراسة أعدتها جامعة "بولينغ غرين ستيت"، أن الشرطة قتلت تحت أسباب "مبررة" 2718 شخصاً بين الأعوام 2005 – 2011، مبينةً أن 41 دعوى قضائية فقط رفعت، من أصل ذلك العدد الكبير، بتهمة ارتكاب جريمة قتل أو التسبب بالموت.
لم تعد أمريكا دولة قوية إن على الصعيد الخارجي، أو على الصعيد الداخلي. ولذلك تتجه الأنظار اليوم الى أمريكا على انها دولةٌ أصبحت تعاني كباقي الدول وبالتحديد العربية، من أزمة إثبات الذات خارجياُ، ومن أزمة النظام الفاسد داخلياً. وهنا يأتي الحديث عن أهمية النظر لأمريكا بواقعية. فهل تعرف القيادة الأمريكية، أن حال أمريكا اليوم، هو نفسه حال الدول التي تدخل أزمة الإنهيار الداخلي؟؟!!