الوقت- قبل الحرب على العراق كانت كل دول العالم تتعامل مع امريكا على أنها "دولة عظمى"، وخاصة بعد احداث الحادي عشر من ايلول، حيث أعادت ترتيب حلف شمال الأطلسي بقيادتها، واضافت إليه دولا اخرى في العالم، لتسير بهم جميعا نحو تحقيق مشروع استراتيجي سمي بـ"الشرق الأوسط الجديد"، إلا أنه وبعد الحرب على العراق والاخفاقات التي طالت الجنود الامريكيين فيها اصبحت بعض دول المنطقة وعلى راسها ايران تتعامل مع امريكا على انها دولة اقليمية يهدد وجودها في المنطقة مصالح الشعوب كافة.
وكانت الجمهورية الاسلامية الايرانية تدرك بان أمريكا ستقع بفخ الوصول للمنطقة العربية وما حولها وبالفعل حضرت أمريكا، وبذات الوقت اعلنت إيران عن مشروعها النووي، وعن شراكة احلاف مع سوريا، العدو الاساسي لأمريكا بالمنطقة، ولم يقف الموضوع عند هذا الحد، بل أن العلاقات التجارية الروسية الإيرانية، والصينية الإيرانية، وكذلك دور إيران في دعم حركات المقاومة في لبنان و فلسطين جعلت الموقف الامريكي في المنطقة مأساوي يحاول بكل طاقاته العودة الى الزمن الذهبي الذي كانت تعتبر فيه امريكا القوة الوحيدة في المنطقة.
امريكا تختار السعودية جيشا نظاميا لحربها المقبلة
بعيد حربها على العراق اكتشفت امريكا ان المعارك المفتوحة بجيشها النظامي للمرة الثالثة بعد فيتنام، وكوبا، هي حرب خاسرة، فقررت هذه المرة ان تخوض الحرب ضد ايران بغير جيشها. فاختارت السعودية بديلا للجيش الامريكي النظامي، خاصة وأن السعودية تعتبر من أفضل اللاعبين للقيام بهذه المهمة، فمن ناحية الميزانية تدخل على السعودية سنويا مليارات الدولارات من عائدات الحج، والنفط، وغيرها من الموارد. ومن ناحية القدرة، تعتبر السعودية حليفا بدأ يقوى في المنطقة، وهذا يزعج امريكا، كما ازعجها من قبل حلفاؤها "صدام وطالبان"، او خشية من ان يظهر رجل يسير بهذه القوة لغير ما تشاء الرياح الامريكية.
فبحثت عن طريقة يتحقق فيها مبدا العصافير بحجر واحد، فهي من ناحية ستوجه ضربة قاصمة لإيران عبر السعودية، ومن ناحية أخرى تضعف من القوى السعودية التي بدأت تبني فيها في الوقت الحالي، ومن ناحية ثالثة تشعل المنطقة.
وبعد وقوع الاختيار الامريكي على السعودية كقوة ضاربة تستغلها لمحاربة الجمهورية الاسلامية و ضرب كل مخالف للمصالح الامريكية بدات مرحلة الاعداد فبدات امريكا تشجع السعودية على شراء الاسلحة و تساعدها في عقد الصفقات التسليحية مع الدول المصنعة كافة.
تسليح منظم، مراقبة امريكية وموافقة سعودية عمياء
بالنظر الدقيق الى الوضع السياسي للمنطقة يظهر جليا دور امريكي منظم يتحكم بالقدرة السعودية لحماية مصالح خاصة اعتاد الامريكي المحافظة عليها بنفسه، ولكن اخفاقاته المتكررة في اماكن عدة بدءا من باكستان فالعراق و غيرها جعلت للمحافظة على ماء الوجه الامريكي اهمية تضاهي اهمية المصالح الامريكية في المنطقة وتتخطاها في العديد من المواقف، ولا شك ان الخسارات العسكرية و المادية كان لها دور فعال في القرار الامريكي الجديد. وتفاديا لخسارات مادية ومعنوية راح الامريكي يبحث عن وكيل يتحمل كافة التداعيات والنفقات و يعمل لصالح "الدولة العظمى" من دون مقابل يذكر، فوقع الخيار على السعودية.
وبنظرة اخرى لمواقف و تصريحات السياسيين السعوديين يظهر جليا ايضا قبول الدولة السعودية الوكالة، لتبدا الحرب بفتح جبهات متعددة سلاحها الخطابات و الكلمات الملقات في كل مكان، و لا احد يمكنه اخفاء الموقف السعودي من غالبية حركات الممانعة، بدءا من ايران فحزب الله و حماس انتهاءا بالبحرين و اليمن و غيرها. فبدات بذلك حركات التسلح تمهيدا لنقل الحرب من الكلمات الى الافعال العسكرية.
والواضح على مدى عشر سنوات مضت ان السعودية تعد ترسانة عسكرية ضخمة جداً تفوق قدرات دول الشرق الأوسط كافة، وذلك بمباركة أمريكية وتسهيلات عقد الصفقات، لتصبح السعودية الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تملك تجهيزات عسكرية يكاد الحليف الاول لامريكا المتمثل بالكيان الصهيوني لايملكها.
وفي نظرة خاطفة بالأرقام التي استهلكتها السعودية في تسلحها يظهر ما يلي:
عقدت السعودية، صفقة عسكرية كبيرة مع فرنسا، تبلغ حوالي (7.85 مليار دولار أمريكي) طال الحديث عنها في الاعوام السابقة، تتضمن شراء أسلحة متطورة منها 48 طائرة مقاتلة مع خيار شراء 48 طائرة أخرى، بالإضافة إلى أعمال الصيانة والخدمة والاستشارة وغيرها. وفي نفس اليوم، أبلغت وزارة الدفاع الأمريكية الكونغرس الامريكي، حول امكانية بيع السعودية أسلحة تصل قيمتها إلى 6 مليارات دولار، بعد ان حصلت الموافقة من قبل البيت الابيض عليها.
وفي تقرير نشرته مجلة "نيوزويك" الامريكية في شباط الماضي يظهر ان الوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)، ساعدت الجيش السعودي لتوقيع صفقة أسلحة صينية بينها صواريخ بالستية لاستخدامها ضد "اهداف ثمينة" في طهران.
وينقل التقرير عن مصدر عليم في الاستخبارت قوله إن السعودية اشترت صواريخ باليستية من الصين عام 2007 بصفقة لم يتم الإعلان عنها، بدعم سري من واشنطن، حيث اشترطت الأخيرة مراقبتها من قبل ضباط "سي أي إيه" للتاكد أن هذه الصواريخ ليست مصممة لتحميل رؤوس نووية.
ويعتبر هذا غيظ من فيض الصفقات التسليحية السرية التي جرت بين الامريكيين و السعوديين بهدف تقوية الجيش السعودي في المنطقة ما يؤكد النوايا الامريكية لجعل السعودية جيشا نظاميا تحركه كيفما تشاء لضرب اهداف هنا و هناك.