الوقت- كانت علاقات روسيا بالاتحاد الأوروبي مشوبة على الدوام بالحذر وسوء الظن، رغم حاجة كل طرف إلى الطرف الآخر في العديد من القضايا الاستراتيجية وفي شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية. و يعتقد المراقبون بأن روسيا والاتحاد الأوروبي لا يمكنهما التخلي عن بعضهما البعض لوجود قواسم مشتركة ومصالح إستراتيجية يمكن الإشارة إلى أهمها بما يلي:
- تسعى كل من روسيا والاتحاد الأوروبي إلى إنهاء التوتر في الشرق الأوسط لإبعاد المخاطر الأمنية التي تهدد أراضيهما بسبب وجود الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة، والتي تسببت أيضاً بتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الدول الأوروبية. وهذا الأمر يتطلب التنسيق الكامل بين الطرفين لإيجاد حلول للأزمات الإقليمية وفي مقدمتها الأزمة السورية.
- تعتبر روسيا شريكاً إقتصادياً وتجارياً مهماً للاتحاد الأوروبي. وتأتي في المرتبة الثالثة بعد أمريكا والصين في هذا المجال.
- تعتبر روسيا أهم مورد للطاقة إلى الاتحاد الأوروبي حيث تؤمن ما نسبته 44 بالمئة من احتياج الاتحاد للغاز السائل، ومعدل هذا الاحتياج آخذ بالازدياد، حيث توقعت المفوضية الأوروبية أن يصل إلى حدود 50% خلال الأعوام القادمة، أي ما يعادل 67 بالمئة من مجموع الصادرات الروسية إلى كافة دول العالم في هذا المجال.
- سفارة روسيا في بروكسل "مقر الاتحاد الأوروبي" هي الأكبر بين سفارات هذا البلد في مختلف أنحاء العالم، وهناك الآن أكثر من 40 فريق عمل روسي بشتى المجالات في مختلف دول الاتحاد الأوروبي.
- تسعى روسيا إلى تأمين الكثير من احتياجاتها الاقتصادية والتقنية من دول الاتحاد الأوروبي دون الخضوع لقيم ومعايير الاتحاد في هذه الميادين.
- يدرك الاتحاد الأوروبي أهمية روسيا في التصدي للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط والذي تجلى بشكل واضح في ضرب مقرات ومواقع هذه الجماعات في سوريا منذ 30 أيلول/سبتمبر 2015، ولهذا تسعى دول الاتحاد إلى تنسيق مواقفها مع موسكو في هذا المضمار.
في هذا السياق دعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "فيدريكا موغيريني" إلى العمل المشترك مع روسيا للتوصل إلى حل للأزمة السورية سياسياً وعسكرياً، مؤكدة أن الخطوات المتخذة في هذا المجال يجب أن تكون موجهة ضد تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية. كما دعت وزيرة خارجية السويد "مارغوت فالستروم" روسيا للعب دور سياسي أكبر لحل هذه الأزمة.
ولكن رغم المصالح المشتركة لازالت علاقات روسيا مع الاتحاد الأوروبي تواجه عقبات كثيرة تحول دون تطويرها. ويمكن الإشارة إلى أبرز هذه العقبات بما يلي:
- تخشى الدول الأوروبية من تحول روسيا إلى منافس قوي واستعادة هيبتها مرة أخرى كقوة دولية كبرى في شتى المجالات، لكنها لا تتمكن في الوقت نفسه من الضغط عليها لحاجتها إليها في مجالات عدّة لاسيّما في تأمين احتياجاتها من الطاقة. ولهذا تسعى هذه الدول إلى تحويل روسيا إلى شريك يمكن الوثوق به والاعتماد عليه ويكون في الوقت ذاته منسجماً مع القيم الغربية.
- ينظر الاتحاد الأوروبي إلى علاقاته مع روسيا بتوجس وقلق بسبب التأثيرات السلبية لأزمة الطاقة على دول الاتحاد وقدرة موسكو على توظيف هذه الأزمة لصالحها متى ما شاءت.
- ترغب أمريكا بوجود خلافات بين روسيا وأوروبا لأن مصلحتها تكمن في تكريس هذه الخلافات كي تستغلها لتحقيق مآربها السياسية والاقتصادية والعسكرية سواء في الشرق الأوسط أو في أي منطقة أخرى من العالم.
- تسعى واشنطن الحليف التقليدي للاتحاد الأوروبي إلى إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة في حين ترفض روسيا هذا الأمر. وبالتأكيد فإن هذا الوضع لايصب في صالح دول الاتحاد، وتبقى أمريكا هي المستفيد الوحيد من إستمرار التوتر في سوريا.
- تسببت الخلافات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بشأن الأزمة الأوكرانية و "شبه جزيرة القرم" بتوتر العلاقات بين الجانبين خصوصاً بعد فرض الاتحاد عقوبات اقتصادية على موسكو لإرغامها على تغيير مواقفها في هذا المجال، الأمر الذي واجهته روسيا بقطع أو تقليص صادراتها من الطاقة إلى عدد من دول الاتحاد الأوروبي.
- سعت أمريكا بكل جهدها إلى توظيف الأزمة بين روسيا والاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا لزيادة نفوذها في أوروبا ومواصلة هيمنتها على القرار الأوروبي من جهة، وإلى ضبط الإيقاع الروسي من جهة أخرى.
- قيام الاتحاد الأوروبي وبالتنسيق مع أمريكا بنشر منظومات صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية الروسية في عدد من دول شرق أوروبا التي تضم بولندا ورومانيا وبلغاريا ودول البلطيق، الأمر الذي أثار حفيظة موسكو وجعل الرئيس "فلاديمير بوتين" يهدد بضرب هذه المنظومات كونها تهدد الأمن القومي الروسي.
وقد حذر وزير الدفاع الروسي "سيرغي شويغو" من أن زيادة نشاط حلف شمال الأطلسي (الناتو) على حدود روسيا سيقوض الاستقرار في أوروبا ويؤدي إلى اتخاذ إجراءات مضادة. وأكد شويغو أن الناتو يواصل تحديث المنشآت العسكرية وتكييفها مع مواصفات الحلف، معرباً عن قلقه من نشر عناصر من الدرع الصاروخية الأمريكية في شرق أوروبا، وحذر من أن هذا النشاط يدفع روسيا لاتخاذ فعاليات من أجل الردع الاستراتيجي.
أخيراً ينبغي التأكيد على أنه ليس من مصلحة أوروبا بأي حال من الأحوال أن تتوتر علاقاتها مع روسيا بسبب الترابط الاقتصادي العميق بين الجانبين والاحتياج المتقابل في مجال الطاقة وضرورة التنسيق لتسوية الجوانب المتعلقة بأوروبا الشرقية التي تعد من بين أكثر القضايا تعقيداً وتشابكاً في النظام الدولي والتي كانت على الدوام مبعث قلق لدى هاتين القدرتين واللاعبين الأساسيين في توازن القوى على الصعيد العالمي. ومن أجل التوصل إلى شراكة متكافئة ومثمرة بين روسيا والاتحاد الأوروبي لابدّ أن يكون الأخير أكثر استقلالية في اتخاذ القرارات التي تهم الجانبين وأن لا تتحول إرادته إلى رهينة بيد الإدارة الأمريكية التي تسعى لتوظيف الأزمات لصالحها على حساب روسيا والبلدان الأوروبية وباقي دول العالم.