الوقت - كثيرة هي التحليلات والتوقعات حول المستقبل السعودي في المنطقة. وفي حين تعاني الرياض من ويلات الخارج سواءً في اليمن، سوريا وأمريكا بعد إقرار المشرّعين الأمريكيين في 28 أيلول الفائت قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب – جاستا"، لم يعد وضعها الداخلي على حاله حيث كشفت سياسة التقشّف التي بدأها الملك سلمان بأوامر ملكية بطعم "العجز"، لاقاها مجلس الوزراء السعودي في منتصف الطريق الأمر الذي شكّل حالةً من الصدمة للمجتمع السعودي.
ويبدو أن السنين العجاف قد حلّت على النظام السعودي التي شملت سياسته التقشّفية مختلف القطاعات، فإضافةً إلى جملة من القرارات الملكية كـ" تخفيض راتب الوزير ومن في مرتبته بنسبة 20%" و"تخفيض الإعانة السنوية التي تصرف لكل عضو من أعضاء مجلس الشورى لأغراض السكن والتأثيث بنسبة 15%، وتخفيض المبلغ المقطوع الذي يصرف لعضو مجلس الشورى بنسبة 15%، والذي يشمل قيمة السيارة التي تؤمن للعضو وما تتطلبه من قيادة وصيانة ومحروقات خلال فترة العضوية المحددة بأربع سنوات"، وكذلك "إيقاف تأمين السيارات لكبار مسؤولي الدولة إلى نهاية السنة المالية"، و"تحمّل الوزير ومن في مرتبته ــ أو ما يعادلها ــ المستحقات المترتبة على تأمين الهواتف الثابتة والمتنقلة المخصصة له من الدولة"، طالت القرارات كافّة القطاعات عبر فرض ضرائب جديدة على رسوم الكهرباء والمياه والصرف الصحي وجمع النفايات المنزلية التي صاغها ولي ولي العهد محمد بن سلمان قبل أشهر تحت شعار "2030" والتي تدخل حيّز التنفيذ أواخر العام الجاري، أو مطلع العام 2017.
حتى الحج إلى بيت الله الحرام لم يسلم من سياسة سلمان التقشفيّة، إلا أن العسكر المشاركين "فعلياً في المعارك والأعمال العسكرية عند الحدود مع اليمن"، يستثنون من القرار بانتظار لجنة خاصة تقوم بوضع الضوابط اللازمة لتحديد العسكريين المشمولين بالاستثناء. خشية النظام من ردّة فعل العسكري تقف خلف هذا الاستثناء، حتى لا تتكرّر مشاهد الإضرابات العمالية التي بدأها عمال شركات المقاولات كـ"مجموعة بن لادن" و"سعودي أوجيه"، وموظفو مستشفيي "سعد التخصصي"و "فخري والراجحي" بلباس عسكري.
وتتوالى فصول السنين العجاف مع الزمن حيث من المتوقّع أن تعلو الصرخة الشعبية مع فرض ضريبة القيمة المضافة على السلع أواخر العام الحالي أو بداية 2017 وفق ما أعلن الأمير محمد بن سلمان.
الخيارات السعودية
عندما تختلط السياسة بالاقتصاد، تُفرض على الرياض معادلات جديدة كانت في حلّ منها، فإما ان يكون الحكم للسياسة أو للاقتصاد أو ما بينهما. وفي حين يبقى الخيار النهائي للملك السعودي، أو ولي ولي العهد، تتولّى الأبواق السعودية الدفاع عن القرارات الملكية، كان آخرها ما قاله مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، يتعلّق بالخيارات السعودية التي تحول دول أكل السنين العجاف للسنين السمان. وفي هذا السياق يرى محللون غير سعوديين حسب ما نقلت قناة الـ"بي بي سي" البريطانية، "أنّ الدوافع وراء إجراءات التقشف المتتالية، من قبل الحكومة السعودية، لا تعود فقط إلى انخفاض الإيرادات بفعل التراجع الواضح في أسعار النفط فقط، بل تعود في جانب كبير منها أيضاً إلى تورط السعودية في جبهات قتال إقليمية في المنطقة. ويرى هؤلاء أنّ تكاليف العملية العسكرية التي تقودها المملكة، ضمن تحالفها في اليمن، والمستمرة منذ ما يزيد على عام، إضافة إلى تورطها في الصراع الدائر في سوريا، كل ذلك يرهق الميزانية السعودية كثيراً عبر مزيد من صفقات السلاح التي تبرمها المملكة".
اذا ومن خلال فهم الأسباب يمكن وضع الخيارات المتاحة، حيث يمكننا القول إن النظام السعودي يقبع بين خيارين رئيسيين، إما إيقاف العدوان على اليمن والتدخّل في سوريا وإبرام الصفقات العسكرية وإنهاء حالة استنزاف الخزينة، أو خيار الاستمرار في العدوان وإبرام الصفقات وتعويض العجز المالي من خلال التضييق على الداخل السعودي. حتى الساعة يبدو أن الملك سلمان وابنه محمّد يرجحان الخيار الثاني، الأمر الذي سيؤدي إلى سلب المجتمع السعودي رفاهيّته الاقتصادية التي لطالما تغنّى بها أمام الشعوب العربية.
الورطة السعودية ليست بالسهّلة، فبعد قانون "جاستا" الأمريكي الذي يحرم الرياض من موجوداتها المتداولة والثابتة في أمريكا( تقدّر بحوالي 750 مليار دولار)، باتت الرياض أمام واقع جديد يفرض عليها إعادة جدولة للاقتصاد السعودي برمّته حيث هوت الاحتياطات الأجنبية السعودية إلى حوالي 560 مليار دولار، من ضمنه الثلثان بالعملة الأمريكية. فالرياض التي تعاني من عجز اقتصادي سنوي يزيد على مئة مليار دولار لا يوجد بيدها حيلة أمام قانون "جاستا" الظالم، بصرف النظر عن سياسة السعودية العدوانية، الأمر الذي يفسّر صبّ الرياض لجام غضبها العسكري على اليمنيين، والاقتصادي على السعوديين.
رغم التأخر السعودي إلا أن القطار لم يفتها بعد، وكما أظهرت ليونية اقتصادية في اجتماع أوبك الأخير في الجزائر، تستطيع الرياض تفادي السنين العجاف عبر خطوات ذكرناها سابقاً، وفي مقدّمتها وقف العدوان على اليمن، وخفض ميزانيّتها العسكرية التي أثقلت كاهل الشعب.