الوقت- عقب الاعتداء الذي اقدم عليه تنظيم داعش الارهابي, لوحت مصادر مصرية, بأن الجيش المصري سيشن حملة عسكرية برية واسعة داخل الحدود الليبية, وسط استعدادات لوجستية وتموضعات ينفذها الجيش المصري توحي بأن هذه التصريحات ستتخذ في القريب ترجمة عملية لها.
ما يعني بشكل رسمي أن الجيش المصري سيجتاح الحدود الليبية ويدخل في صراع حتمي مع داعش الارهابي وحركات تكفيرية اخرى تتجمع في تلك المنطقة.
العمل الوحشي الذي قام به تنظيم داعش الارهابي, والذي بدأ يتكرر في الجغرافيا المصرية, سيتمكن من تحقيق اهدافه قريبا عبر جر الجيش المصري نحو اتون معركة صعبة جدا, ليس اقلها أنها ستضع الجيش المصري الكلاسيكي أمام جغرافيا واسعة يواجه فيها عدوا يعتمد على حرب العصابات وتكتيك الميليشيات, فضلا عن عديد كبير جدا يمكن لداعش حشده عبر التعبئة العامة التي يستفيد منها التنظيم عبر استهداف الشباب الليبي الذي اكتسب خبرات قتالية واسعة ضد الجيش الليبي زمن معمر القذافي ..
الغوص في رمال الصحاري الليبية المتحركة اولى الاخطاء التي يرتكبها النظام المصري, فبغض النظر عن الاعتداء المدان وبقوة الذي تعرض له ابناء الجمهورية المصرية, لا يبرر شهادة 21 مواطنا مظلوما, القيام بعمل ليس محسوب النتائج تقدم عليه حكومة السيسي التي يبدو انها تهتم كثيرا بالجيش وصداه داخل الشارع المصري, طمعا باستعادة تجربة امجاد الراحل جمال عبد الناصر ومرحلة عز عاشها الجيش المصري اعطت الاخير شعبية واسعة جدا.
الرئيس السيسي الذي يريد أن يظهر بهيئة من اعاد للجيش المصري دوره, يتخذ من الجيش واجهة لاكتساب الشرعية واستقطاب شعبية واسعة داخل المجتمع المصري, عبر التسويق بأنه اعاد امجاد مصر القادرة على حماية حدودها وشعبها والتي تمتلك جيشا قويا يشكل فخرا للجمهورية المصرية ويلعب دورا مهما وفاعلا في المنطقة, وهذا ما يظهر من خلال الحملات العسكرية التي يساق اليها الجيش المصري شرقا وغربا.
لكن يبدو ان رغبة الرئيس السيسي في التألق سياسيا وشعبيا, غفلت عن شيئ خطير جدا, الا وهو ان العملية البرية خارج الحدود المصرية لن تكون نزهة لرفع الاعلام على سواتر العدو واخذ صور اعلامية, انما سيتوجه الجيش المصري الى البلد الذي تهرب من العمل البري فيه حلف الاطلسي وامريكا يوم كانت المعارضة الليبية تشن حربها على نظام معمر القذافي لتكتفي هذه الدول بالضربات الجوية بدلا من الغوص في الرمال المتحركة الليبية.
اليوم الجيش المصري يجر الى تلك المعركة, في مؤامرة تغيب عن حسابات الرئيس السيسي المتحمس لامجاد الماضي, فبعد زج الجيش العراقي في حربه مع داعش, سبقها توريط الجيش السوري ايضا, كان الجيش المصري الجيش الوحيد المتبقي في المنطقة الذي يشكل خطرا على امن الكيان الصهيوني.
فلا بد من اقحامه هو ايضا في حرب تستنزفه وتضعفه ليرتاح الكيان الاسرائيلي ويطمئن بأن الجيوش المزعجة التي تشكل خطرا عليها باتت تغرق في حروب وكيلة إن نجحت في الخروج منها ستكون حتما ضعيفة متعبة.
فالجيش المصري الحالي, وسط تقلبات سياسية تعصف بالبلاد, يشكل قلقا وخطرا على الكيان الصهيوني, فيأتي سيناريو داعش الارهابي الحليف الاستراتيجي للكيان الاسرائيلي, ليجر الجيش المصري الى حرب استنزاف لاضعافه فلا بأس بعدها بحكومة مصرية مهما كان لونها في ظل وجود جيش هزيل ضعيف غير قادر على حماية بلاده, وبهذا يأمن الكيان الاسرائيلي من هذا الخطر المحدق به, لتكتمل صورة الشرق الاوسط الجديد الذي تغرق فيه كل الدول المجاورة للكيان الاسرائيلي بحروب مدمرة, بينما تسود الدولة المصطنعة الصهيونية في جزيرة آمنة تتحالف فيها مع سرطان الامة العربية الجديد داعش الإرهابي ليحقق لها ما عجزت عنه هي الأصيلة.
فهل يبقى من شك ان داعش ليس الا المولود المستنسخ في مختبرات الاستخبارات الاسرائيلية ؟؟
اذن, ان سياسة الرئيس السيسي, تهتم بالحراك شرقا وغربا والعمليات البطولية التي تستهدف استثمار المؤسسة العسكرية التي تحظى باحترام الشعب المصري عامة لاستجرار مشروعية وشعبية لنظام السيسي, كما تهدف الى التغطية على الاحداث الداخلية والازمة التي يعاني منها النظام الحالي, عبر استعداء فئة واسعة من الشعب المصري يمثلها تيار الاخوان المسلمين الذي يتعرض لتضييقات حادة ومحاربة من قبل نظام السيسي تزيد من احتدام الصراع الداخلي اكثر فاكثر وتدفع الساحة المصرية لمزيد من الصدامات الداخلية وتكشف أمن البلاد امام العابثين والماكرين كما حصل مؤخرا في سيناء وليبيا.
إن قصد تعزيز مكانة الرئيس السيسي في الداخل المصري ومع الخارج, عبر الاستعراض الذي يهدف الى اعطاء صورة حول فعالية النظام الحالي وقدرته على مواجهة الارهاب ولعب دور في المنطقة بقوة وحضور, عبر مشاركة ما يسمى التحالف الدولي لمكافحة الارهاب, وكذلك المشاركة في حل الازمة الليبية لتغطية فشل الثورة التي شجعتها امريكا والدول الغربية التي شاركت في اسقاط نظام القذافي دون أن تملك اي فكرة عن البدل ودون ان تضع خطة تؤمن بقاء ليبيا مستقرة بعد فوضى السلاح التي حصلت اثناء ما سمي ثورة ليبية, فها هو الرئيس السيسي يعتقد انه سيشارك في القضاء على الارهاب في ليبيا عبر حملة عسكرية برية يقوم بها الجيش المصري وتحقيق استقرار البلاد.
إن الحسابات الخاطئة والمتسرعة ستكلف الجيش المصري خسائر كبيرة جدا وسيتيه الجيش ويغرق في معارك استنزاف قاسية, وسيدخل مصر في مواجهات من الجهة الغربية, كان يمكن للبلد الذي يعاني من ازمة داخلية أن يتفاداها فيبتعد عن فتح جبهات هو في غنى عنها وسط هذا الصراع والتجاذب الذي يهدد الداخل المصري من الداخل, فكيف في ظل جبهات خارجية جديدة ستحمل تداعيات على المجتمع المصري ايضا ؟؟
ان مرحلة الرئيس السيسي فتحت البلاد المصرية على مشكلات كبيرة تحاصر الدولة من جميع الجهات. فجنوبا الحكومة السودانية التي لا تملك علاقات ودية مع السيسي انما تعتبر من معارضة لنظام السيسي, فبهذا تكون العلاقات المصرية جنوبا شبه معلقة مقفلة.
شرقا حيث العلاقات مع غزة التي وضع الرئيس السيسي التيار السياسي البارز فيها حركة حماس ضمن خانة العداء الاول, فضلا عن وجود مختلق لحركات تكفيرية جرت الجيش الى صراع لم تتوضح معالمه ونتائجه بعد, لكنه يبدو انه سيطول.
أما غربا فإن حملة الرئيس السيسي البرية ستقوم ايضا بتحويل حدود مصر الغربية الى جبهة عسكرية معادية تماما بعد الانجرار المتسرع وراء استدراج داعش الاسرائيلي الممنهج.
وبهذا تصبح مصر محاطة من جميع الجهات وما لهذا من انعكاس كبير على الاقتصاد والتجارة فضلا عن ان اقفال الجنوب والغرب يجعل مصر معزولة تمام عن القارة الافريقية ويحرمها من تفرد يعطيها اياه الموقع الجغرافي الذي يجعلها بوابة قارة اسيا على القارة الافريقية.
إن هذا الانغلاق يجعل مصر متقوقعة ضمن حدودها ويعرض امنها لتحديات كبرى, وسط سؤال يطرح, هل يعتبر من الحكمة معاداة الجار القريب واقفال الحدود كافة مع الدول المحيطة والسعي وراء علاقات تنسج وراء البحار تسوق لها مصر مع الدول الغربية وروسيا وغيرها ؟؟
فهل هي سياسة متبعة من الرئيس السيسي, لمعاداة الجوار دون تردد مقابل ابقاء الوجهة الوحيدة المفتوحة على مصر اقتصادا وجغرافيا, الكيان الاسرائيلي الجار المؤقت الوحيد المتبقي الذي تربطه بمصر الرئيس السيسي ومن قبله علاقات استخباراتية وتجارية مميزة ؟؟!!
أم أن الكيان الاسرائيلي عبر الوكيل الداعشي, يجر مصر عبر هذه العمليات الارهابية, الى ردات فعل تجلت باقفال الحدود ومعاداة حماس واهل غزة وحرب سيناء تحت حجة الارهاب المدسوس فيها, والثأر لعملية دموية اجرامية في ليبيا, هدفت الى الايحاء لمصر وشعبها بان العداء محيط بها, الا أن الأمن والسلام الوحيد هو الكيان الاسرائيلي الجار المتعاون و المتطور والقائد, وأن تطوير العلاقات معه والانفتاح بشكل اوسع وتطوير ما يسمى بتطبيع العلاقات هو الحل الوحيد امام مصر وشعبها وهذا يدفع الشعب المصري والحكومة والجيش نحو توجه يعتبر الهدف الاول من كل ما يصيب مصر اليوم تحت ستار الحجة الجاهزة الارهاب ؟؟!!
وسط هذه السيناريوهات المشخصة ما يزال نظام الرئيس السيسي, يستمر في الانجرار دون ادنى تردد وراء فتح جبهات تجعله كالساعي بلهفة الى سمعة, لكنه يغفل أنه فعلا يسعى بلهفة لارضاء من سيذبحه ويأكل لحمه والارتماء في احضان الكيان الاسرائيلي التي تجذبه ضعيفاعبر داعش الوكيل!!
في خلاصة المشهد, مصر تكوى بنارين, نار مكر داعش الاسرائيلي, ونار سياسة تجر الجيش والبلد الى المجهول وتقوده من عداء الى عداء, عبر الاعتماد على الجيش والحرب كبوابة ترويج واستقطاب في الخارج والداخل.
لكن من يعتمد على العسكر ليجني في السياسة, عليه ان يحسب حسابات ادق واشمل, ففي ميدان ساحات القتال الحرب ليست نزهة وفيها البدايات معروفة ومحددة ولكن لا سقف لنهاياتها ومجرياتها ولا زمن محدد لتوقفها!!
العملية البرية ليست الا مؤامرة كبرى تقفل على مصر الحدود, وتبقي وجهة واحدة مشرعة هي الكيان الاسرائيلي, الذي تفح منه رائحة الدسائس وتهب من اراضيه رياح المؤامرات على مصر بكل تفاصيلها, وسط انجرار سياسة الحكومة المصرية تماما عمدا او جهلا وراء مخططات تصب في مصلحة الجميع الا مصر الجمهورية العربية.
ما بين العمل البري وسياسة اللعب على خط الحياد المشبوه, وسياسة حكومة عطشى للانجازات لتثبيت اوتدة الحكم, لكنها لا تعرف أن تثبيت الوتد فوق الصخر محال, فما بين الطموح والواقع, من يريد الثأر ل 21 مصريا قتلوا ظلما, سيضع مصير اكثر من 500 مواطن مصري يتواجدون في ليبيا, ومصالح شعوب مشتركة متبادلة وجغرافيا واسعة متجاورة في مهب نيران الحرب وفعالها.
لن تكون ليبيا اخر الحدود في القارة الافريقية, وفتنة داعش فيها الا حلقة اخرى من فصول الارهاب المشبوه الذي تحركه اصابع الكيان الاسرائيلي, لتقفل اخر بوابات الجيرة المصرية, وتضع مصر امام خيار واحد هو مزيد من الانفتاح على الكيان الاسرائيلي, وهذه المرة عبر توجيه الشارع المصري الى تقبل هذا الانفتاح القسري لانه الملاذ الوحيد ولأن كل من حوله يستهدف امن ام الدنيا الا الحليف المخلص الكيان الاسرائيلي!! فمن يعي ويستفيق من حملات بطولية ليست الا قفزات في فم التنين!!