الوقت- مع فشل الانقلاب في تركيا وبقاء رجب طيب اردوغان في سدة الحكم هناك سؤال يتم طرحه بقوة وهو لماذا نجح انقلاب يوليو 2013 في مصر لكن انقلاب يوليو في تركيا كان فاشلا في وقت كان هناك تشابه كبير بين المؤسستين العسكريتين في مصر وتركيا وتشابه كبير ايضا بين توجهات الرئيسين المصري محمد مرسي والتركي رجب طيب اردوغان اللذين ينتميان الى تيار الاخوان المسلمين.
ان مرسي كان رئيسا منتخبا في مصر وهو اول رئيس مدني فاز في انتخابات تنافسية وحرة لكن السيسي استطاع ازاحته عن الحكم لكن في تركيا نجا اردوغان من انقلاب لم يستمر سوى 10 ساعات ولم يلق مصير صديقه المصري.
ومن اوجه الاختلاف الاخرى وجود الجنرال عبدالفتاح السيسي في قضية الانقلاب في مصر لكننا لانجد وجود اسم بارز في قضية الانقلاب في تركيا يمكن تسميته بزعيم الانقلاب، ومن جهة اخرى شهد الانقلاب العسكري في مصر توجيه تحذير من الجيش نحو مرسي قبل 48 ساعة من موعد الانقلاب وقد اعلنت المؤسسة العسكرية المصرية بأكملها موقفها المعادي لمرسي واستطاعت كسب جزء من التأييد الشعبي خلال هذه الساعات الـ 48.
واضافة الى ذلك لم يشارك نصف الشعب المصري اساسا في الانتخابات وقد صوت نصف المشاركين في الانتخابات فقط لمرسي وفي احسن الاحوال يمكن القول انه كان ممثلا لـ 25 بالمئة من الشعب، وبالمقابل في تركيا لم يشارك جميع العسكريين في الانقلاب بل ان جزءا صغيرا منهم دبر الانقلاب ومن هذا المنطلق يقول البعض ان اردوغان كان على علم مسبق بتحركات هؤلاء لكنه سمح لهم بتنفيذ خطتهم لكي يستطيع قمعهم وقمع الآخرين، أو ان اردوغان علم بالانقلاب العسكري في وقت لم يعد ممكنا منع وقوعه.
ومن المفارقات ان الشعب المصري كان قلقا على الأمن ووحدة البلاد ولذلك رضخ للانقلاب العسكري وقبل به اما في تركيا فإن الشعب لم يرضخ للانقلاب ولم يقبل به لأنه كان قلقا على أمن البلاد ووحدتها.
اما النقطة الاساسية هي ان مصر وتركيا كان فيهما لاعبان رئيسيان هما الاخوان المسلمون والجيش وازاح احدهما الآخر في حين افتقرت مصر الى وجود مجتمع مدني يمكن ان ينزل الى الساحات وذلك بسبب السنين المتمادية من حكم حسني مبارك الاستبدادي لكن في تركيا كان المجتمع المدني موجودا ولذلك نجد حتى قادة الاحزاب المعارضة والمنافسة لاردوغان يشجبون الانقلاب ويدينونه، وهنا يجب التأكيد ان عماد الديمقراطية وديموميتها تتوقف على وجود المجتمع المدني الذي تنشط فيه الاحزاب ووسائل الاعلام والنقابات.
لقد استطاع السيسي ازاحة مرسي في مصر لأن المجتمع المدني في هذا البلد لم يكن قويا اما في تركيا لم يستطع الجيش او قسم منه ازاحة تركيا لأن هناك احزاب موجودة في هذا البلد، واضافة الى ذلك كانت تركيا تضع التجربة المصرية نصب عينها وكانت مستعدة لمثل هذا السيناريو.
ان الدور الهام للمجتمع المدني في تركيا لايمكن تجاهله او التقليل من اهميته حتى اذا كان المجتمع المدني التركي والاحزاب في هذا البلد ضعيفة قياسا مع الدول الغربية.
في مصر اراد شعب كان منشغلا ومنهمكا بالعمل من اجل لقمة العيش لسنوات طويلة ان ينجز عملا سياسيا وكان يظن ان تواجده في ميدان التحرير كاف لوحده لكنه لم يستطع انجاز ما كان يطمح اليه، اما في تركيا فقد توجه الشعب الى ميدان التقسيم لكن امكانية التغيير السياسي عن طريق المجتمع المدني والرأي العام اصبحت متوفرة.
وحتى اذا سلمنا جدلا بأن اردوغان كان على علم مسبق بالانقلاب او انه هو من دبره كما يقول البعض، فإن العمل السياسي والمجتمع المدني الذي اثبت نفسه ووجوده وفاعليته يعتبر امرا ايجابيا، واذا كان الانقلاب امرا مقبوحا فسبب ذلك هو تعطيله للحياة السياسية.