الوقت- بعد 5 سنوات من الحرب السورية، يبدو أكثر من أي وقت مضى أن موسكو و أمريكا هما القادرتان فقط على فرض اتفاقات وقف لاطلاق النار، أو الدفع نحو اتفاق سياسي. هذا الاتفاق علق التقدم صوب حلب و طرح بدائل في الرقة و دير الزور و غيرهما. في حين لا تزال موسكو تكرر التأكيد على دعمها للدولة السورية و المؤسسات و محاربة الارهاب و هي مع واشطن شددتا غير مرة في الفترة الأخيرة على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا. هذا مطمئن للدولة السورية و حلفائها و لكن أيضاً هو مطمئن لتركية لجهة منع قيام دولة كردية في الشمال السوري و عند الحدود التركية.
واشنطن لن تتخلى عن طلب رحيل الرئيس "بشار الأسد"، حتى لو تراجعت وتيرة هذا الطلب مؤخراً. موسكو تقول أنها لا تدعم "بشار الأسد" في سوريا، و انما الدولة السورية و تدعم محاربة الارهاب لأجل مصالحها و مصالح العالم أجمع. الصورة في الواقع ضبابية، و أبرز الأسئلة المطروحة هي التالية: هل نحن فعلاً أمام مجرد تمرير المرحلة المتبقية من ولاية الرئيس باراك أوباما؟ و هل موسكو و واشنطن هما اللاعبان الوحيدين في سوريا؟
لنتوقف اولاً أمام التطورات الآتية:
تبين من التصعيد الدموي العنيف في حلب و المدن السورية خلال الأشهر الماضية، أن ثمة أطرافاً إقليمية ودولية ترفض أن تحتكر موسكو وواشنطن الحل السوري. لذلك تعمّد وزير الخارجية الأمريكي تحميل جزء من مسؤولية التدهور للمعارضة (وهو يقصد من يدعمها أيضا). قال "جون كيري"؛ "إن الحرب في سوريا باتت خارجة عن السيطرة، وإن النظام والمعارضة يتحملان مسؤولية انتشار الفوضى". لم يكن هذا تصريحا عابرا، ذلك أن المتحدث باسم البيت الأبيض "جوش إيرنست" قال أيضا: "إن النظام والمعارضة المسلحة ساهما في تدهور الأمن في المناطق السورية" مع ذلك فإن "كيري" سعى، كالمعتاد، للعب على الحبلين، فهو اذ اتهم المعارضة المسلحة بأن قصف حلب جاء من مناطقها، جدد المقولة الأمريكية بأن الحرب لن تنتهي إلا برحيل الأسد. لكن هنا أيضا كان تصريح لافت من البيت الأبيض متوجهاً مباشرة هذه المرة الى الأسد ليطلب منه تنفيذ التزاماته في ما يتعلق باتفاق الهدنة وقال: "نود أن نرى الروس يستخدمون نفوذهم على نظام الأسد لحمله على ذلك"، ثم رمى جزرة لموسكو بإضافة جملة تقول إن "أوباما": "لا يرى أن إنشاء مناطق آمنة في سوريا هو بديل عملي حاليا".
قابلت موسكو المؤشرات الإيجابية الأمريكية، بموقف لافت أطلقه وزير خارجيتها حيال الأسد. قال "سيرغي لافروف": "إن الأسد ليس حليفاً لموسكو كما تركيا حليفة للولايات المتحدة". صحيح أن في التصريح ما ينتقد أمريكا التي لا تضغط على أنقرة والرياض، لكن "لافروف" كان يستطيع أن يقول ذلك من دون التذكير المريب بموقف موسكو من الأسد. إن لم يكن هذا الأخير حليفا فماذا تفعل روسيا في سوريا؟ هل كل ما تقوم به من قاعدة عسكرية ووجود مسلح ودور سياسي يحصل من دون رضا الرئيس؟ هل في الأمر مناورة من بوتين ام استعداد لشيء آخر؟
و يضاف الى التقارب الروسي الأمريكي دخول الطرفين في معركة الرقة، فواشنطن تدعم الأكراد في سوريا من أجل تحرير الرقة و من جهة أخرى أعلن الجيش السوري و حلفائهم بدء معركة الرقة في اليومين الماضيين.
أمام الغزل الروسي الأمريكي المستمر وسط استمرار سفك الدم السوري، دخلت الأطراف الأخرى على الخط: رفعت السعودية وتركيا مستوى القتال عبر حلفائهما. اخترقت الطائرات التركية مجدداً سماء سوريا بذريعة ضرب "داعش". ارتفعت حدة الاتهامات بين الهيئة العليا للتفاوض من جهة ودمشق وموسكو من جهة ثانية.
في مقابل هذا الغزل، فإن من يدقق بالكلمة المتلفزة للأمين العام لـ"حزب الله" سماحة السيد "حسن نصرالله"، يرى المعركة الكبرى في سوريا ومنطقتها و خصوصاً حلب قادمة لا محالة. قال السید نصرالله: "لا ينخدعن أحد، ولا يضعنَّ أحد توقعات هي أوهام، حتى لا يغفل أحد عن المواجهة الحقيقة، كلا هناك شهور صعبة. يدفع السعودي مزيداً من المال، والمزيد من القوات... ربما تأتي إدارة أميركية جديدة تماشي السعودية بحروبها التدميرية... اذاً يوجد تقطيع وقت..". و دعا السید "نصرالله" بالمقابل الى: "المزيد من الحضور في الميادين والساحات؛ الساحات العسكرية، والساحات الأمنية، والساحات السياسية"... حين يتحدث الأمين العام عن ساحات بالجمع، فهو يؤكد المؤكد من أن الجبهات مترابطة من حلب الى اليمن والعراق...
من هنا لا مغالاة في القول، إن سوريا على شفا أخطر الحروب، فهي لن تحدد فقط مصير سوريا، ولكن أيضا ستقرر مآلات الحرب بين إيران والسعودية في المنطقة، ومستقبل التوازن الدولي الروسي الأمريكي. وربما مستقبل العلاقة الروسية الإيرانية. و الى أن ينقشع ضباب المرحلة و غبار القتال فان الشعب السوري، سوف ينزف أكثر، مع الأسف.