الوقت- أثارت الأوضاع الأمنية والسياسية والإقتصادية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط سؤالاً رئيسياً لدى كافّة الشعوب التي لا تزال تعاني من ويلات الإرهاب منذ إندلاع ما يسمى بـ"الربيع العربي". السؤال هو "كيف لنا أن نخرج من أزماتنا؟"، وعند الدخول في الإجابة على هذا السؤال أو التحدي تبرز إجابات عدّة تتلخص في عنوانين رئيسيين، إما رحيل الأنظمة الحالية بإعتبار أنها لم تنجح في حماية أوضاعها الداخلية، أو الإبقاء عليها مع وقف التدخل الخارجي بسبب غياب البديل الذي يمكن أو يؤمن بعضاً من الأمن والإستقرار.
قد يكون من الصعب تقريب وجهات نظر الأطراف المذكورة أعلاه بإعتبار أن كل طرف يرى رؤيته هي الحل الأوحد وليس هناك أي سبيل للتراجع، ما يدفعنا للبحث عن نوع آخر من سبل المواجهة مع الأزمات ربّما لم نعتد عليه في العالم العربي. السبيل الجديد يتلخّص في اللجوء إلى الخبراء والمفكرين للخروج من الأزمة التي تعصف بمنطقتنا بإعتبار أن كل من نعاني منه يأتي نتيجةً لجملة من المشاريع والمخططات التي أحيكت من قبل المفكّرين الغربيين في دوائر صنع القرار أو مراكز التفكير وبيت الخبرات التي يطلق عليها الـ"think tank".
العلوم الناعمة والخشنة
تنقسم العلوم إلى نوعين رئيسيين الناعم(soft) والخشن(hard)، وفي حین تعتمد المدرسة الأمريكية على النوع الأخير، تستخدم بريطانيا النوع الناعم الذي يسعى للتعاطي مع المسائل والأزمات وفق شروطها وتأثيرات وجوانبها الإنسانية، بخلاف المدسة الأمريكية التي تعتمد الأرقام أو الحصول على نتيجة رقمية أو إقتصادية. ولعله من أهم مميزات المدرسة البريطانية ذو العنوان الناعم أنها تسعى أولاً لفهم المسألة والبحث حولها قبل الدخول أصلاً في أي حديث عن الحلول الممكنة، بإعتبار أن فهم المسألة بمثابة نصف الحل.
قد يطول البحث في هذا السياق الذي يعد علماً مستقلاً بحد ذاته، إلا أن هذه المقدّمة القصيرة قد تكون كافيةً للولوج في المسألة المطروحة أعلاه، والإجابة على السؤال التالي: كيف لنا أن نخرج من أزماتنا؟
رغم كافّة نقاط الضعف التي نعاني منها في المنطقة العربية، إلا أن جميع الخبراء يؤكدون وجود جملة من نقاط القوة التي يمكن الإستناد عليه في البحث، أبرزها القضية الفلسطينية التي تعد البوصلة، بل القطب الذي يصحّح أخطاء "بواصل" الدول العربية. فلو أجمعنا على إستراتيجية القضية الفلسطينية كهدف أو رسالة لدول المنطقة، كما ترى الشعوب العربية لا حكوماتها، تتضح معالم وحدود المسألة.
لو فرضنا إجماعاً عربياًعلى "القضية الفلسطينية"، بصرف النظر عن الحكومات المطبّعة أو تلك التي تسعى حالياً لذلك، كيف لنا أن نطابقاها وأزمات المنطقة؟ سورياً، يعتبر الكيان الإسرائيلي أبرز المستفيدين من إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بإعتباره أحد أبرز حلقات محور المقاومة، وأول الدول العربية التي إحتضنت وحمت ودعمت المقاومة الفلسطينية في الحرب قبل السلم. ألا يعد الكيان الإسرائيلي اليوم، بعد تركيا التي تسعى لإستعادة خلافتها العمانية، أبرز الرابحين من تدمير سوريا ومؤوسساتها كما حذّر العديد من الخبراء والمفكرين وعلى رأسهم هيكل الإعلام العربي، الراحل الكبير محمد حسنين هيكل.
في الواقع، تؤدي الجماعات المسلحة غير التكفيرية في المنطقة دوراً في المشروع الأمريكي الذي يخدم، في نهاية المطاف، المصالح الإسرائيلية، وبالتالي يعدّ خلافاً للقضية المفروضة " إجماعاً عربياًعلى القضية الفلسطينية"، فكيف تدعم الدول العربية جماعات تخدم الكيان الإسرائيلي؟
بند آخر لا يقل أهمية عن تدمير سوريا ويصب في المصلحة الإسرائيلية هو مشورع التقسيم المعد للمنطقة، بدءاً من العراق وليس إنتهاءاً بسوريا التي برز الحديث الأمريكي عن تقسيمها في الأيام القليلة الماضية. من المستفيد من تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم واليمن إلى ستّة وفق المشروع الذي أعدّته السعودية وقدّمه الرئيس المسقيل عبد ره منصور هادي وكان بمثابة القنبلة التي فجّرت الوضع الداخلي اليمني؟ ألا يعد الكيان الإسرائيلي أبر المستفيدين من نار التقسيم التي ستصل إلى ثوب الرياض؟ في الواقع، تعتبر وحدة الدول العربية وتماسكها من أهم الاخطار الإستراتيجية على الكيان الإسرائيلي.
بين تدمير سوريا، وتقسيم المنطقة، هناك عامل رئيسي ومعذي لا يمكن تجاهله يعد الضلع الثالث في مثلث تدمير المنطقة يكمن في "الفتنة الطائفية" التي تعد وقوداً للمشاريع الأمريكية والإسرائيلية، فمن المستفيد الأكبر من أي فتنة طائفية؟ ألا يعد الكيان الإسرائيلي المستفيد الأكبر من ذلك؟ ألا تخدم الأصوات الطائفية، والدول الداعمة لها، المشاريع الإسرائيلية؟ هنا لا يمكن التغافل عن دور مصر الإستراتيجي حيث من المفترض أن تستعيد القاهرة دورها الريادي في العالم العربي كقطب جامع وعنوان رئيسي.
إن أضلع مثلث حماية الشعوب العربية والإسلامية المشار إليها أعلاه مستسقاه من أحايث جملة من النخب والمفكرين في العالمين العربي والإسلامي، فهل ستسمح الحكومات الإقليمية لهذه النخب في تأدية دورها الذي يساهم في حماية الشعوب والحكومات من أخطار إستراتيجية تنتظرها قريباً؟