الوقت- انتهت الحرب علی غزة في آب 2014، الحرب الدمویة التي قامت بها حکومة نتنیاهو المستقیلة لاخضاع المقاومة الفلسطینیة. انتهت الحرب مع الفصائل الفلسطینیة التي اطلق علیها من الجانب الفلسطیني حرب "العصف الماکول" فکانت بالفعل عاصفة قضت علی الاخضر و الیابس في حکومة نتنیاهو. فکان الصدی الاول لها زعزعة لاستقرار القرار السیاسي و معارک سیاسیة لم تنتهي حتی الیوم. و البارز الاکبر في المعرکة الدائرة في الافق الاسرائیلي معرکة بین "الیهودیة المعتدلة لیفني" و "الیهودي المتطرف نتنیاهو". فاین اصبحت المعرکة الیوم؟ و من سیکون الفائز؟
بدات المعرکة السیاسیة بین "لیفني" و "نتنیاهو" على خلفية صراع حول الاستیطان، في ظل خلاف حول المیزانیة بعدما تاکد أن الاقتصاد الإسرائیلي سجل في الأشهر الأخیرة نموا سلبيا. و تؤکد مصادر وزارة المالیة الصهیونیة ان سبب التراجع الاقتصاي یعود إلى آثار حرب «الجرف الصامد» على غزة، والتي تمثلت في تراجع النشاط العقاري وتباطؤ فتح أشغال جدیدة أو توسیع الأشغال القائمة وتراجع الأرباح من التصدیر. وهذا هو الفصل الثاني على التوالي الذي یشهد فيه الاقتصاد الإسرائیلي تراجعاً في النمو بالنسبة للأفراد، بعد أن بلغ النمو في الفصل الاول 1.5 في المئة فقط أي أقل من نسبة النمو الطبیعي للمستوطنین.
وبعد فترة وجیزة دخل الائتلاف الحکومي الإسرائیلي في أزمة جدیدة إثر رفض وزیرة العدل المقالة "تسیبي لیفني" لاجتماع اللجنة التشریعیة في الحکومة، أثناء مناقشة «قانون القومیة الیهودیة» الیمیني الذي سعى رئیس حکومة تصریف الاعمال الصهیونیة "بنیامین نتنیاهو" إلى إقراره. و اعتبر المقربون من لیفني أن هذا القانون الذي یمنح الأولویة لـ"یهودیة الدولة" على دیمقراطیتها، إعلان حرب، وتطورت المعارک السیاسیة لیهدد وزیر الاقتصاد الیمیني "نفتالي بینت" بعدم تأيید أي مشروع قانون تقدمه لیفني قبل تمریر "قانون القومیة الیهودیة".
بعد هذا "التطاول السیاسي" اذا صح التعبیر، اعتبرت لیفني مناقشة هذا المشروع في الحکومة أمرا خطیرا، من الأفضل إزاحته عن طاولة النقاش، معتبرة ان الدولة الاسرائیلیة "دولة دیموقراطیة للشعب الیهودي". ولکن فور إعلان لیفني قرارها أصدر نتنیاهو بیانا قال فيه إن "دولة إسرائیل هي الدولة القومیة للشعب الیهودي، وهذا موضوع مبدئي ومهم لمستقبل الشعب الیهودي في دولة إسرائیل".
الازمة الجدیدة لم ترق لنتنیاهو الذي یحاول جاهدا جر الحکومة الصهیونیة الی الطرف الیمیني المتطرف، فوعد باستخدام صلاحیاته لتمریر القانون، باعتباره حقا من حقوق الیهود في العالم، وبالفعل قام نتنیاهو باقالة وزیرة العدل "تسیبي لیفني" و وزیر المالیة "یائیر لابید" بعدما تلقاه من انتقادات لاذعة لسیاساته الفاشلة قائلا:"لن اتقبل معارضا في حکومتي". ولم یمضي وقت طویل حتی دعا نتنیاهو الی حل البرلمان الاسرائیلي و اقامة انتخابات مبکرة.
و کما كان متوقعا بعد "الانقلاب" الذي قام به نتنياهو على حلفائه بالحكومة، جاءت جلسة الكنيست لمناقشة الأزمة المحتدمة و تحديد موعد الانتخابات المبكرة. وقد صادقت الهيئة العامة للكنيست على مشروع قانون حل الكنيست و تقديم موعد للانتخابات المقبلة، في جلسة " الاثنين 8/12/2014". وقد حاول رئيس حكومة تصریف الاعمال "بنیامین نتنیاهو" تشكيل حكومة ائتلافية جديدة قبل موعد الحسم بالكنيست، لكن جهوده کعادتها باءت بالفشل. و مع انطلاق السباق الحزبي نحو بناء تكتلات وازنة تحوز أكبر نسبة من عدد مقاعد الكنيست العشرين، بدأ نتنياهو حملته الانتخابية داخل حزب "الليكود" لمحاولة الحصول علی الرئاسة من جدید، بعدوان جوي استهدف مواقع في دمشق، في محاولة مكشوفة للتعويض عن فشله في تحقيق أهداف عدوانه الوحشي على غزة، واخفاقاته المتتالية في اسکات التحركات الجماهيرية في مدينة القدس والضفة المحتلتين. فبدا فاشلا من جدید و لم تحقق محاولاته ما کان یعتقد انه سبیل لایصاله لکرسي الرئاسة من جدید.
لکن المعرکة السیاسیة الاسرائیلیة ضد نتنیاهو لم تنتهي هنا، فقد اتت الضربة القاضیة علی ید زعيم حزب العمل "اسحق هيرتزوغ" الذي اعلن تحالفه مع خصم نتنیاهو "اللدود" وزيرة العدل المقالة تسيبي ليفني لخوض الانتخابات العامة في اذار المقبل. و في مؤتمره الصحافي المتلفز بدا هیرتزوغ "واثق الخطوة یمشي ملکا" للقضاء علی نتنیاهو، قائلا "عندما نتسلم الصلاحيات سأتولى منصب رئيس الوزراء لاول عامين، ثم تتولى "تسيبي ليفني" رئاسة الوزراء للنصف الثاني من الولاية التي مدتها اربع سنوات". ولم تکن ضربة "هیرتزوغ" القاضیة یتیمة، فالقشة التي ستقسم ظهر البعیر لا بد تاتي من حلیف الماضي و عدو الحاضر و المستقبل "لیفني" التي اعتبرت نتنیاهو "حثالة سیاسیة" ستسعی من خلال تحالفها مع "هیرتزوغ" رمایتها خارج الحکومة. وتعبر "تسیبي لیفني" عن تحالفها مع حزب العمل بالقول "رئیسین للوزراء اقویاء خیر من رئیس ضعیف".
التحالف السیاسي الجدید کان متوقعا، فالمعرکة انتقلت من سجال سیاسي، وتمحورت في الشخصيات القيادية للأحزاب والخصومات الشخصية بينها، و الواضح انها ستنحصر بين من يريد رؤية زعيم حزب "ليكود" رئيس حكومة تصریف الاعمال "نتانياهو" يواصل تربعه على كرسيه، وبين من يدعم إطاحته بغض النظر عن هوية من يحل محله، سواء زعيم «العمل» اسحق هرتسوغ، أو حتى زعيم "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، أو زعيم "يش عتيد" يئير لبيد، او زعیمة حزب "الحركة" تسيبي ليفني، او غیرهم. في ظل استطلاعات للرأي تؤكد أن 60 بالمئة من الصهاینة لا يرغبون في رؤية نتانياهو رئيسا للحكومة الجدیدة.
اقل ما یمکن قوله عن قرارات نتنیاهو انها "انتحار سیاسي" بکل ما تملکه الکلمة من معنی. انتحار یضاف الی سجل الفشل الذي وقعه نتنیاهو باسمه منذ 20 شهرا من الائتلاف الحکومي. فهل یجر الانتحار السیاسي للیمین المتطرف انعزالا سیاسیا لنتنیاهو و سیاساته الفاشلة؟ سؤال يرسم الانتخابات الجدیدة...