الوقت ـ عَرف حسنين هيكل الثورة الإسلامية الإيرانية وزعيمها ومؤسسها الكبير الإمام الخميني (رض) قبل إنتصارها، وتحدث مباشرة مع الإمام الخميني عن هذه الثورة عبر لقاء جمعه معه بباريس بحوالي ثلاثة شهور قبل إنتصارها، وكتب كتابين أحدهما بالعربية عام 1951 عن إيران قبل إنتصار ثورتها والثاني بالإنجليزية عن الثورة الإسلامية بعد إنتصارها عام 1979. وفي جملة شهيرة يقول هيكل عن إيران: «إيران بالنسبة اليّ جزء من شبابي» وكان ذلك في لقاء صحفي مع أحد القنوات.
واستمر هيكل يكتب عن إيران منذ ذلك التاريخ حتی آخر أيام حياته حول مختلف القضايا الإيرانية ولعل ما كان قد تحدث عنه هيكل حول إيران، هو الإتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع السداسية الدولية قبل أشهر.
الكثير من الكتاب العرب انتهجوا مسيرا معاديا لإيران بسبب الاغراءات التي حصلوا علیها من قبل السعودية وباتوا يهاجمهون إيران ليل نهار، بغير حق، في كبريات الصحف العربية المقربة من السعودية او المملوكة لها. لكن بالنسبة لهيكل فان إيران بقيت باعتبارها دولة أساسية ليس لمصر فقط، بل لكافة الدول العربية الاخری ولا یمكن الاستغناء عنها، وظل يدافع عن إعادة العلاقات المصرية الإيرانية طيلة حياته. إذن لماذا يدافع هيكل عن إيران ويدعو العرب لتحسين علاقاتهم معها؟
حيث كان يعتبر هيكل اي علاقات لمصر مع إيران هي في الاساس مصدر قوة لمصر قبل أن تكون مصلحة لإيران وهذا ما كان يعتقده ايضا في ما يخص اي اقتراب من قبل العرب، تجاه إيران. حيث يقول بجملة واضحة باللهجة المصرية العامية، أن «مصر ما تنفعش بدون إيران». وفي مكان آخر يقول «أنا أدافع عن علاقات مصرية ايرانية بشراسة ليس بشراسة لكن بأسباب منطقية». لابد أن نسأل لماذا كان يصر هيكل علی بناء علاقات حميمة وقوية بين مصر وإيران وكذلك بين العرب وطهران؟ إننا نتصور أن هيكل عرف المؤامرة الكبيرة التي بات العالم الإسلامي يتعرض لها من قبل الغرب وخاصة أمريكا. ومن وجهة نظر هيكل (حسب ما نفهم)، فان الغرب يسعی الی التخلص من العالم الإسلامي من خلال زجه بالصراع مع بعضه البعض. ولهذا كان يدعوا هيكل الی أن تصطف الدول الكبری في العالم الإسلامي وخاصة مصر وإيران وتركيا الــــــــــــی بعضها البعض حتــــــــی تفشل هذا المخطط الغربي.
كثيرا ما تُتَهم إيران من قبل أعداءها بانها تسعی الی تصدير ثورتها الإسلامية لدول المنطقة. طبعا الهدف من هذا الكلام هو أن إيران تريد زعزعة الامن والاستقرار في المنطقة من خلال تصدير الثورة، لكن في مقابل ذلك ينفي هيكل أن تكون إيران تسعی الی تصدير ثورتها، حيث يقول: «لايوجد شيء أسمه تصدير الثورة الاسلامية». وطبعا كان يقصد المعنی السلبي في تصدير الثورة، أي أن هيكل كان ينفي أن تكون إيران تريد زعزعة أمن واستقرار المنطقة عبر مساعيها لكي تستفيد الشعوب الاخری من نموذجها الثوري للتخلص من الهيمنة الاجنبية، خاصة الهيمنة الامريكية.
بالاضافة الی ذلك فقد كان يعتبر حسنين هيكل، إيران علی أنها دولة «موجودة في قلب الوطن العربى» ولابد من العلاقة الجيدة بين مصر والدول العربية معها. وهذا علی عكس ما تعتقده بعض الدول العربية الاخری. حيث نری أن السعودية والدول الخليجية الاخری بدل الاستعانة بإيران لتوفير الأمن في الخيلج الفارسي، فانها تستعين بامريكا لهذا الغرض، وهذا ما يراه هيكل خطأ فادحا، ولهذا نراه يدعو مصر والدول العربية لكي تكون لها علاقات إستراتيجية مع جارتهم إيران. وفي مايخص الحقبة الجديدة من الحكم في مصر التي يتولی قيادتها عبدالفتاح السيسي ومساعي مصر لإعادة علاقاتها مع إيران، يقول هيكل، بانه هنالك مساعي في هذا السياق «ولكن هناك محاولات لكي لا يحصل التقارب او الانفتاح» من قبل مصر تجاه إيران.
وكثيرا ما نسمع مديح هيكل لإيران وحركات المقاومة بسبب دفاعهم عن فلسطين، وعلی عكس إنتقاد الكثير من الدول العربية، التي تنتقد إيران وحزب الله بسبب دعمهما لسوريا، فان الاستاذ حسنين هيكل طالما اعتبر مشاركة حزب الله في الحرب علی الإرهاب في سوريا هو لغرض الدفاع عن النفس ويقول في هذا السياق: « قتال "حزب الله" في سوريا هو للدفاع عن نفسه، وليس في معركة إثبات نفوذ»، كما جاء في حديثه مع صحيفة السفير. وفي سياق غير بعيد، فقد إنحاز هيكل الی سياسة إيران الداعمة للشعب الیمني ضد العدوان السعودي، حيث يعتبر بان حرب السعودية على الیمن دمرت ما أنجزه الیمنيون في 100 عام.
إذن فان دعم هيكل للسياسة الإيرانية في المنطقة والعالم العربي والإسلامي يستند الی أدلة وبراهين موضوعية. حيث يعتبر أن التعاون المصري الإيراني وكذلك أي علاقة عربية اخری مع إيران، أنها في الإساس تخدم مصالح مصر والدول العربية والمنطقة باسرها. كما لم يتهم هيكل في يوم من الأيام إيران بانها تسعی للتغلغل في الدول العربية او أنها تسعی الی تغيير المذهب السني في تلك الدول، لاحلال المذهب الشيعي. وختاما نستطيع القول أن مواقف هيكل من الثورة الإسلامية في إيران وتجاه حلفائها وعلی رأسهم سوريا والعراق وحزب الله، ظلت دائما مواقف منصفة وموضوعية وبعيدة كل البعد عن الإنحياز المذهبي والطائفي. ولهذا من المأمول أن تغير بعض دول المنطقة سياساتها العدائية تجاه إيران وحلفائها، وفقا للنظرة التي كان يتحلی بها الكاتب والمحلل السياسي الكبير، المرحوم حسنين هيكل.