الوقت - في الماضي، أي عندما كان الإتحاد السوفييتي قائماً، كان التفكير أو الهمس باسم النبي الأكرم محمد ابن عبد الله (ص) ضرباً من الجنون، وكان أمراً غاية في الصعوبة، فكيف بالمواطن الروسي يجلس أمام الشاشة العملاقة في السينما المركزية في موسكو ليشاهد فيلماً يتحدث عن حياة خاتم الأنبياء محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة السلام.
استقبلت سينما اكتيابر في موسكو الحشود الكبيرة بين مسلمٍ ومسيحي، الذين أتوا في شوقٍ وحرارة شديدين للقاء نبي الرحمة، الأمر الذي أدى إلى إيجاد علاقات ثقافية وتاريخية جيدة بين كل من موسكو وطهران.
عرضت السينما الرئيسية في موسكو فيلم "محمد رسول الله (ص)" من إخراج المخرج الإيراني "مجيد مجيدي" لتستقبل بالإضافة للمسلمين محبي نبي الرحمة الذين توافدوا من كل المدن الروسية لمشاهدة هذا الفيلم. العمل السينمائي الذي استطاع بأن يُجري دموع المخرجة الروسية الكبيرة "نيكيتا ميخائيل كوف" ونائب مجمع الإفتاء للإتحاد الروسي "دمير محي الدين".
وقبل أن يعرض الفيلم على شاشة السينما العملاقة، أكد مجيدي بأنه سعى إلى الأخذ بجميع آراء علماء المذهب الشيعي وآراء علماء أهل السنة الكرام في صنع هذا الفيلم. وقال للصحفيين "للأسف نحن اليوم نعيش في عالمٍ يملك تصورات قبيحة جداً عن الإسلام والمسلمين، تصورات وإعتقادات لا تمت للإسلام العزيز بأي صلة، ويجب علينا القول بأن الإرهاب والعنف والقتل والإجرام ليست من صفات الإسلام، وتمت سرقة اسم الإسلام لنسب هذه الصفات وهذه الجرائم الوحشية التي ترتكب بإسم الإسلام للإسلام، وروسيا أيضاً هي ضحية هذه النظرة الخاطئة التي تقوم بترويجها المجموعات المتشددة في العالم، واليوم إيران وروسيا متحدتان في خندق واحد ضد العنف والإرهاب، وأتمنى بأن نستطيع رسم الوجه الواقعي والحقيقي للإسلام المحمدي الأصيل وأن نجعل العالم يتعرف على هذا الإسلام الأصيل من خلال الأعمال الثقافية والفنية التي يقوم بها الشرفاء في هذا العالم. أردت بصنع هذا الفيلم أن أفتح نافذة جديدة على الغرب وأن أعرض الإسلام الصحيح على الشعوب الغربية المسلمة منها والمسيحية".
وفي جواب مجيدي على أحد أسئلة الصحفيين المتعلق بعدم عرض الفيلم في بعض الدول العربية قال: "تم منع عرض هذا الفيلم من قبل بعض الدول التي لم تشاهده أصلاً والتي لا تعلم ما محتواه، وأنا دعوت الجميع عدة مرات إلى مشاهدة الفيلم بالحد الأدنى مرة واحدة وبشكل كامل وعندها انتقدوه واحكموا عليه وامنعوه، أنا أعتقد بأن الهدف من منع عرض الفيلم في بعض الدول العربية هو سياسي بحت لأن الفيلم تمت صناعته في إيران".
ويؤكد المخرج الروسي البارز "ميخائيل كوف" الذي يدير البرنامج التلفزيوني "أنا لست تشارلي" بقوله "أنا أعلم بأن الكثيرين يستغلون اسم الإسلام للتغطية على جرائمهم وسياساتهم الحقيقية، وأنا أفهم بأنه لا ينبغي علينا قتل البشر، لأنه إذا أردنا بأن نتعامل معهم لابد لنا بأن نتوافق معهم لا أن نصوب عليهم".
وانتقد ميخائيل كوف منع عرض فيلم "محمد رسول الله (ص)" في كل من مصر والسعودية نتيجة الفتاوى المتحجرة التى أطلقها مفتو كلا البلدين، وأضاف "أنا سعيد جداً بأن الفيلم يتحدث عن طفولة النبي محمد (ص)، لأن الكثيرين ممن يعيشون في روسيا ليست لديهم أي معلومات لا عن حياة الرسول الأكرم ولا عن الإسلام، وهذا الفيلم استطاع بأن يضع هذه المعلومات القيمة والصحيحة في متناول أيديهم".
وفي نهاية كلام المخرج الروسي الشهير أشار بيده إلى المخرج الإيراني مجيدي وقال: "إنه يقف اليوم مكان المخرجين الكبار، الفن والثقافة يصدرها القلب الكبير، يجب أن نحس ونحترم، لأن الإحترام والحب والأحاسيس العاطفية هي التي تمنعنا من أن نحمل أسلحتنا ونصوبها إلى صدور البعض".
وقد تأثر ميخائيل كوف كثيراً بعد أن تم عرض الفيلم، وأكد للصحافيين "الآن خطر على بالي بأن أصنع فيلماً يجسد حياة السيد المسيح (ع)". ليس ميخائيل كوف وحده من تأثر بالفيلم وحتى نظرة المسيحيين لنبي الإسلام محمد (ص) بعد عرض الفيلم كانت مختلفة تماماً عما كانت قبله، حيث اعتبروا وجود النبي الأكرم محمد(ص) بأنه بركة ورحمة، وأكدوا بأن "النبي محمد هو كما المسيح هدفهم واحد ألا وهو الدعوة إلى السلام والمحبة والتآخي".
وفي الحديث الذي جرى مع نائب رئيس مجمع الإفتاء الروسي "دمير محي الدين" تم سؤاله عن سبب بكائه لدى مشاهدته الفيلم، فقال: "العقيدة والفكر الحسن ينبعان عن الذات الحسنة، لديهم الكثير من الأفكار الجيدة ولكنها لا تنبع عن ذات جيدة، لا يشاهد الإرهابيون هذا الفيلم, في حين أن هدف هذا الفيلم هو السلام وإيجاد المحبة والعيش المشترك إلى جانب بعضنا البعض".