تراجع سعر صرف العملة الروسية الروبل إلى أدنى مستویاته على الإطلاق مقابل الدولار كما تراجع بشكل ملحوظ أمام اليورو وذلك بعد أيام قليلة من فرض الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي عقوبات صارمة على مصارف وشركات روسية. ومع ذلک لا يزال بوتين يعتبر ان العقوبات علی روسيا غير مثمرة بل و يعتبرها حماقة من دورها ان تؤثر علی الاستقرار الدولي ولکن هل حصلت الادارة الامیریکیة علی ما کانت تخطط له ؟ هل استطاع الامريکيون قلب الطاولة في الداخل الروسي ؟ ام ان موسکو استطاعت المحافظة علی رونقها و لا تزال صامدة في وجه کل هذه التحديات؟ هل يقوم الاميرکيون برفع العقوبات التي لم تجد نفعا في منع روسيا من السير في قراراتها تحت الضغط الاوروبي ؟ ام ان الوضع يبقی علی ما هو عليه؟
يعتقد مسؤول روسي ان حرب العقوبات عززت التجارة الروسية فيقول" ان حرب العقوبات والتدابير التقييدية المتبادلة بين روسيا والولايات المتحدة قد أعطت دفعة قوية للتجارة الثنائية بين البلدين، بحيث ارتفعت بنسبة 20% في النصف الأول من العام الحالي. وفي تعليقات على الأسباب الكامنة وراء هذه الزيادة، ذكرت وكالة أنباء "إيتار- تاس" الروسية أن شتادنيك الممثل التجاري الروسي لدى الولايات المتحدة لم يستبعد تأمين الشركات علی نفسها، من خلال اتخاذ قرار بشراء المنتجات، التي يجوز فرض عقوبات عليها لضمان سير أنشطتها بصورة طبيعية في المستقبل،ولذلک فمن الممكن أن يحدث انخفاض في التجارة، ولكن على المدى البعيد. وأضاف المسؤول "في الوقت نفسه، بلغ حجم التجارة نحو 15 مليار دولار في النصف الأول من العام. مشيرًا إلى نمو واردات الولايات المتحدة من روسيا بمقدار الثلث، أي ما يقارب 30% وارتفعت صادرات الولايات المتحدة إلى روسيا بنسبة 26،7% سنة تلو الأخرى، وأكد شتادنيك أنه إذا استمر ذلك، يمكن أن يقترب حجم التجارة من 30 مليار دولار بحلول نهاية العام، مضيفًا أنه من الصعب التكهن حول وجود اتجاه إيجابي للمستقبل في ظل هذه العقوبات، والتي يتم تحديثها باستمرار.
ويضيف آخر:لدی سؤاله عما اذا کانت هذه العقوبات سوف تنهک القطار الروسي و تجعله يتوقف قائلا: أبداً على الإطلاق بالتأكيد نرى بأن العملة الروسية الروبل تتراجع ولكنها كانت تتراجع للسنوات السبع الماضية وإذا قمنا بمقارنة وضع الروبل حالياً كما كانت عليه في 2008 سنرى أنها خسرت قرابة ثلث قيمتها إن لم يكن أكثر من ذلك وبالتالي هذا الأمر يشير إلى تواصل نفس الاتجاه بتغير طفيف"و يردف قائلا :" ما يؤثر على الوضع بشكل كبير وجذري هو تراجع أسعار النفط وإذا تراجعت هذه الأسعار على السوق العالمية فإن ذلك يؤثر على الاقتصاد الروسي والحكومة الروسية على المدى القصير أكثر من أي تأثير لهذه العقوبات، بشكل عام أعتقد أن العقوبات حتى الساعة لم يكن لها أي تأثير حقيقي على الاقتصاد الروسي لكنها أثرت بشكل كبير على السياسة الروسية لأنها خلقت مزاجاً عاماً يمكن أن يوصف بأنه مناهض للغرب، وحتى الآن هناك شرائح كبيرة من النخبة والصفوة الروسية تود أن تتنازل وذلك سيكون صعباً عليها لأن وجهات النظر العامة في روسيا مضادة لذلك التوجه".
بدوره، يشعر المواطن الروسي بالقلق من أن تصبح رفوف المحلات التجارية فارغة من السلع، وأن ترتفع الأسعار، أما المشاركون في الأسواق فواثقون من أن الأعمال التجارية لن تتأذى، وأن هناك إمكانيات لتخطي عقوبات الشركاء الأجانب.
بينما يستبعد الخبراء أن يتم تنظيم الانتاج المحلي بسرعة، ويرجحّون أن تضطر روسيا للبحث عن مُصدّرين جدد، ويقول سيرغي سكوبين رئيس قسم الاقتصاد الإقليمي والجغرافيا الاقتصادية في مدرسة الاقتصاد العليا بموسكو إن روسيا " لن تتمكن من التعويض الفوري عن الفجوة التي ظهرت في إنتاجها المحلي، أما في حال تنفيذ سياسة حكومية صحيحة فإنه يمكن خلال سنة تعويض نسبة 15 – 20% من السلع المدرَجة في لائحة العقوبات بسلع من إنتاج محلي، ولكن روسيا ما زالت مضطرة للتوجه نحو الموردين الأجانب " . و يعتقد سكوبين أن " رفوف المحلات التجارية الروسية لن تفرغ بالتأكيد، ذلك أن تركيا وبلدان أمريكا اللاتينية مستعدة لردم الهوة " الأوروبية" كاملةً، لكن المشكلة الوحيدة تكمن في تكاليف النقل التي سوف تضاف إلى الأسعار، كما أن السلع الجديدة يمكن أن تكون أقل جودة من السلع الأوروبية"، وبرأيه، فإن ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية سوف يتراوح ما بين 5و10 % "
يقول الکاتب و المحلل الروسي ايغور ايفانوف:" منذ انتهاء الحرب الباردة، لم تنحدر العلاقات الروسية ـ الأمريكية إلى هذا المستوى المتدني كما هي اليوم. ويمكن الجدل مطولاً، وبحماسة، حول مَن وكيف ولماذا وصلت العلاقات بين قوتين عظميين إلى هذه الحالة. ولكن الأهم اليوم إدراك ما الذي ستحمله هذه الحالة من العلاقات الروسية ـ الأمريكية للبلدين، بل للعالم أجمع.."
و هذا ما تؤکده المخابرات الفيدرالية الالمانية و التي بدورها تری ان روسيا تمتلک مخزونا ماليا کبيرا يجعلها تصمد امام العقوبات المفروضة عليها لسنوات طويلة و تضيف في دراسة لها ان المخزون الروسي يستطيع الصمود لمدة اربعة سنوات علی الاقل من دون ان تظهر اي مشکله علی الاقتصاد الروسي.
نعم، فبالعودة الی کل ما ذکر سابقا يبقی الهاجس الاوروبي واقفا عند مفترق لا يعلم الی اين يسير ، فمن جهة کان يـأمل ان یخرج المجتمع الروسي عن صمته للوصول الی اهدافه من هذه العقوبات و هذا لم يحصللان استطلاعات الراي التي قام به مرکز ليوادا للدراسات يؤکد ان فقط حوالي 7% من المجتمع الروسي یؤیدون القيام بالمظاهرات لتغيير السياسة التي تعتمدها بلدهم کما و تظهر هذه الدراسات ان حوالي15% فقط يعتبرون ان اوضاع بلادهم غير مستقرة .لذلک و بالاتفات الی الحضور الضخم للسوق الروسية في الاقتصاد العالمي عموما و الاوربي خصوصا اندفع بعضهم للتفکير برفع العقوبات عن روسيا والبعض الاخر يخالف هذا الراي معتبرا ان الاوضاع لا تزال غير آمنة و غير مستقرة و لا يزال الوضع الاوکراني غير واضح مما يجعل مسالة رفع العقوبات عن روسية تصل الی طريق مسدود.