الوقت- تصدّر تصريح جنرالٍ صهيونيٍّ بارز المشهد الإعلامي مؤخرًا بعدما أقرّ بأنّ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استعادت قدراتها العسكرية والتنظيمية منذ وقف إطلاق النار، وجنّدت أكثر من خمسة آلاف مقاتل جديد، وتمتلك اليوم ما يزيد على سبعة آلاف صاروخٍ بمدياتٍ مختلفة، هذا الاعتراف العلنيّ من داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية ليس تفصيلًا عابرًا، بل يعكس انهيارًا في ثقة قادة الاحتلال باستراتيجيتهم التي بُنيت على هدف "استئصال المقاومة من غزة"، فبدلًا من القضاء على حماس، خرجت الحركة من الحرب أكثر تنظيمًا وصلابة، فيما غرق جيش الاحتلال في أزماته الداخلية وتآكلت عقيدته القتالية، المقال التالي يقدّم قراءة تحليلية من زوايا عسكرية وسياسية ونفسية، توضّح كيف تحوّل الانتصار المزعوم إلى هزيمة استراتيجية عميقة، تكشف فشل المشروع الصهيوني في تحقيق أيٍّ من أهدافه في قطاع غزة أو ما بعده.
اعتراف رسميّ بفشل استراتيجية القضاء على حماس
حين يقرّ جنرال صهيوني بأن حماس أعادت بناء قوتها بعد الحرب، فذلك يعني سقوط جوهر الاستراتيجية الصهيونية التي بُنيت على شعار "القضاء الكامل على المقاومة"، فالحرب التي استمرت شهورًا، وأُنفقت فيها مليارات الدولارات، لم تفلح في كسر إرادة المقاتلين ولا في تفكيك البنية العسكرية للحركة، بل على العكس، أتاحت فترة ما بعد الحرب لحماس فرصةً لإعادة التموضع، وترميم قدراتها البشرية والتقنية، بدعمٍ من بيئةٍ شعبيةٍ ترى في المقاومة عنوان الكرامة الوطنية، هذا الاعتراف ليس مجرد تقييمٍ داخلي، بل شهادة من قلب المؤسسة الصهيونية على فشلها في تحقيق أهمّ أهدافها العسكرية، فكلّما حاول الاحتلال كسر المقاومة، ولّدت الحروب مزيدًا من الصلابة والخبرة لديها، ومن هنا، يُصبح تصريح الجنرال دليلًا موثّقًا على عجز الكيان الصهيوني عن فرض معادلة الردع القديمة، وتحوّل المواجهة من معركة عسكرية إلى صراع إراداتٍ طويل الأمد تميل كفّته بوضوح لمصلحة المقاومة.
المقاومة بين إعادة البناء وتعزيز القدرات
استفادت حركة حماس من وقف إطلاق النار لإعادة بناء منظومتها العسكرية والتنظيمية بصورةٍ أكثر انضباطًا وتنوّعًا، فالتقارير تؤكد أنّ الحركة جنّدت آلاف المقاتلين الجدد، وأعادت تفعيل خطوط الإمداد والتصنيع المحلي، وطوّرت منظومة صواريخها بما يوسّع نطاق المدى والفعالية، لكن الأهم من ذلك هو إعادة ترميم الروح المعنوية للمجتمع الغزّيّ الذي تحوّل إلى بيئةٍ حاضنةٍ للمقاومة رغم الدمار والحصار، هذه العودة السريعة تعبّر عن قدرة حماس على تحويل الانكسارات إلى فرصٍ للنهوض، مستفيدةً من فشل الاحتلال في تحقيق أيٍّ من وعوده الميدانية، وتؤكد المعطيات أنّ الحركة باتت تملك قدراتٍ هجوميةٍ ودفاعيةٍ جديدة تجعلها أكثر استعدادًا لأيّ مواجهة قادمة، بينما ينشغل الكيان الصهيوني بأزماته الداخلية وتفكّك جبهته السياسية، تمضي حماس في طريقها لتثبيت معادلة الردع من جديد، وهو ما يجعل التحذير الصهيوني من “عودة الحركة أقوى من أيّ وقتٍ مضى” قراءة واقعية وليست مجرّد مخاوف عابرة.
الشقاق داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية
من أخطر ما تكشفه تصريحات الجنرال الصهيوني هو عمق الانقسام داخل المؤسسة العسكرية حول تقييم نتائج الحرب، فبينما يتحدث قادةٌ سياسيون عن “نصرٍ جزئي”، يعترف الضباط الميدانيون بأنّ غياب الاستراتيجية وضعف القيادة السياسية أدّيا إلى نتائج كارثية على الأرض، كثيرٌ من الجنود والضباط يشعرون اليوم بأنّ تضحياتهم كانت بلا معنى، وأنّ القيادة غرقت في حربٍ بلا أهدافٍ واضحةٍ سوى الاستعراض الإعلامي، وقد ظهرت بوادر هذا الانقسام منذ الأسابيع الأولى بعد الحرب، حين خرجت أصواتٌ في الكنيست تحمّل قيادة الجيش المسؤولية عن الفشل في تحقيق الردع، ومع مرور الوقت، تحوّل هذا الخلاف إلى أزمةٍ مؤسسية تهدّد تماسك بنية جيش الاحتلال الصهيوني، وتُضعف معنويات جنوده، فبين الهزائم النفسية وتزايد حالات الانتحار داخل صفوفهم، تتكشّف صورة جيشٍ فقد القدرة على المبادرة والسيطرة، وبات يعاني أعراض التآكل الداخلي والانقسام البنيوي الذي يسبق عادةً الانهيارات الكبرى في الجيوش المتعبة.
تداعيات الاعتراف على الأمن الإقليمي
الاعتراف الصهيوني بعودة حماس أقوى من السابق لا ينعكس داخل غزة فحسب، بل يمتدّ إلى الجبهات الإقليمية كافة. فالمؤسسة الأمنية الصهيونية تدرك أنّ أي مواجهةٍ مقبلةٍ ستكون أشدّ تعقيدًا، لأنّ المقاومة لم تعد محصورةً في غزة، بل أصبحت جزءًا من محورٍ إقليميٍّ متماسك يمتدّ من لبنان إلى اليمن، هذا التحوّل الإستراتيجي يعني أنّ الكيان الصهيوني بات يعيش تحت ضغط الجبهات المتعددة، في وقتٍ تتآكل فيه قدرته على المبادرة والردع، كما أنّ فشل الحرب على غزة شكّل دفعة معنوية هائلة للمقاومة في الضفة والقدس، وأعاد إلى الشارع العربي والإسلامي الثقة بجدوى خيار المقاومة المسلحة، من جهةٍ أخرى، زادت حالة القلق داخل الكيان من احتمالية توسّع رقعة المواجهة، بعد أن أثبتت حماس قدرتها على استعادة قوتها بسرعةٍ لافتة، وهكذا، يتحوّل اعتراف الجنرال إلى دليلٍ على عجز الاحتلال عن إدارة التوازن الأمني في محيطٍ إقليميٍّ متغيّرٍ بشدّة.
تآكل الردع وانكشاف الكيان الصهيوني
لم تعد مشكلات الكيان الصهيوني محصورة في الميدان العسكري، بل تجاوزتها إلى عمق بنيته السياسية والمجتمعية، فكلّ حربٍ يخوضها الاحتلال تترك وراءها جروحًا داخليةً عميقةً تُضعف تماسكه وتفضح هشاشة أسطورته، اعتراف الجنرال الأخير يُضاف إلى سلسلةٍ من الإشارات التي تكشف الانهيار التدريجي لهيبة الجيش، الذي كان يُقدَّم على أنه الأقوى في الشرق الأوسط، ومع تراكم الهزائم النفسية والعمليات الفاشلة في غزة ولبنان والضفة، يتضح أنّ الكيان الصهيوني يعيش مرحلة تآكلٍ إستراتيجيٍّ خطير قد يعيد رسم موازين القوى في المنطقة، فحماس، التي كان يُراد القضاء عليها، أصبحت رمزًا لصمود الإرادة، بينما الكيان الذي شنّ الحرب خرج منها مثقلًا بالأزمات، غارقًا في فقدان الثقة بين القيادة والشعب، وبذلك، يتكرّس واقعٌ جديدٌ يؤكد أنّ المشروع الصهيوني يواجه أخطر مراحله منذ تأسيسه، وأنّ المقاومة – رغم كل الحصار – نجحت في تحويل الهزيمة العسكرية إلى نصرٍ في الوعي والواقع معًا.
في النهاية، إنّ الاعتراف الصهيوني بتعافي حماس ليس مجرّد تصريحٍ عابر، بل وثيقة سياسية وعسكرية تُكرّس سقوط العقيدة الأمنية للاحتلال الصهيوني بعد حرب غزة، فكلّ ما سعى إليه الكيان خلال العقود الماضية من “ردعٍ دائمٍ” و”سيطرةٍ مطلقةٍ” تهاوى أمام واقعٍ جديدٍ تُديره المقاومة بعقلٍ أكثر تنظيمًا وإرادةٍ أشدّ صلابة.
الحرب التي كان يُراد بها استئصال حماس، انتهت بتعزيز حضورها، وولادة جيلٍ جديدٍ من المقاتلين المؤمنين بعدالة قضيتهم، في المقابل، يعيش جيش الاحتلال حالةً من الانقسام النفسي والتعب البنيوي، بينما تتآكل هيبة الدولة أمام جمهورها، إنّ المشهد الراهن يُثبت أنّ القوة العسكرية، مهما بلغت، لا تستطيع كسر فكرةٍ تتغذّى من الإيمان والمظلومية والحقّ، وهكذا يتحوّل اعتراف جنرالٍ واحدٍ إلى رمزٍ لهزيمةٍ جماعيةٍ، ونافذةٍ تكشف أنّ زمن الهيمنة الصهيونية يتراجع، فيما يتقدّم زمن المقاومة كحقيقةٍ لا يمكن محوها لا بالحصار ولا بالنار.
