الوقت- في ضوء الأحداث الأخيرة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، بات من الصعب تجاهل الأثر السلبي لسياسة القمع التي تمارسها أجهزة السلطة الفلسطينية تجاه أبناء الضفة الغربية، بينما كان من المفترض أن تكون هذه الأجهزة في صف الشعب الفلسطيني المقاوم، إلا أنها اختارت طريقًا مختلفًا، لتصبح مسلطة على أبناء فلسطين في خدمة المصالح الصهيونية، يبدو أن أجهزة الأمن الفلسطينية قد نسجت شراكات مع الكيان الصهيوني، ما يجعلها سيفًا مسلطًا يستخدم ضد أبناء الشعب الفلسطيني، هذا التحالف بين الطرفين يمثل قمة الخزي والعار، حيث إن دور هذه الأجهزة كان يجب أن يكون حماية للشعب الفلسطيني، وليس أداة لقمعه وتقييد حريته.
ومع معاناة أبناء الضفة الغربية من ممارسات قمعية من قبل هذه الأجهزة، هل تفيق هذه الأجهزة التابعة للسلطة الفلسطينية من غفلتها؟ وهل تدرك أن ممارساتها تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني وتعرقل التحرير؟، هذه الأسئلة تظل معلقة، في حين أن الواقع يشهد على استمرار هذه الممارسات القمعية التي تزيد من الألم والمعاناة، إن هذا السلوك المشين يمثل خيانة عظمى للقضية الفلسطينية، ويؤكد أن هذه الأجهزة قد ضلّت طريقها وانحرفت عن أهداف شعبنا، إن معاناة أبناء الضفة من جراء قمع أجهزتهم الأمنية باتت لا تطاق، فهل من مجيب؟
حملة القمع في جنين... هل تخدم السلطة مصالح الاحتلال؟
شهد مخيم جنين في الضفة الغربية حملة قمع واسعة نفذتها قوات الأمن الفلسطينية، ما أثار موجة من الغضب والاستياء، وتتهم تقارير دولية ومحلية السلطة بممارسة انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، بما في ذلك القتل، والتشريد، وحصار المخيم، وتزعم السلطة الفلسطينية أن هدفها هو استعادة الأمن ومكافحة الخارجين عن القانون، إلا أن سكان المخيم يرون في هذه الحملة محاولة لخدمة مصالح الاحتلال الإسرائيلي وقمع المقاومة الفلسطينية.
ونقلت صحيفة "آي نيوز" البريطانية عن شهود عيان وتقارير دولية تفاصيل مروعة عن الحملة، بما في ذلك مقتل مدنيين أبرياء، وتدمير الممتلكات، وتشريد الآلاف من سكان المخيم، وأكدت تقارير أن الخدمات الأساسية في المخيم قد انقطعت بشكل شبه كامل، ما زاد من معاناة السكان، وفي المقابل، تدافع السلطة الفلسطينية عن إجراءاتها، مدعية أنها تسعى إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار ومنع تصعيد الوضع، ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذه الحملة تزيد من حدة التوتر وتعمق الانقسام الفلسطيني، وتخدم في النهاية مصالح الاحتلال الإسرائيلي.
من جهةٍ أخرى شهدت مدن الضفة الغربية، ولا سيما جنين ونابلس، تصعيدًا خطيراً في العدوان الإسرائيلي، حيث نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي سلسلة من الاقتحامات والعمليات العسكرية، وأفادت مصادر محلية بأن قوات خاصة إسرائيلية نفذت، فجر اليوم، اقتحامًا واسعًا لبلدة قباطية جنوب جنين، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة مع المقاومة الفلسطينية، كما شهد حاجز الجلمة شمال مدينة جنين اشتباكات مسلحة بين المقاومة وقوات الاحتلال، في حين اقتحمت قوات الاحتلال محيط مخيم بلاطة شرق نابلس.
يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي المتواصل في الضفة الغربية بالتزامن مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من 16 شهرًا، ما أسفر عن استشهاد المئات وإصابة الآلاف من الفلسطينيين.
ووثقت الهيئات الفلسطينية استشهاد أكثر من 840 فلسطينياً وإصابة أكثر من 6700 آخرين في الضفة الغربية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
خيانة عظمى وتآمر على القضية الفلسطينية
شهد مخيم جنين جريمة بشعة تكشف عن حقيقة النظام السياسي الفلسطيني، حيث تحولت أجهزة الأمن التي كانت من المفترض أن تحمي الشعب إلى أداة قمع في يد الاحتلال، هذه الحملة الوحشية التي شنتها السلطة الفلسطينية على أبناء شعبها في مخيم جنين ليست سوى فصل جديد من فصول طويلة من الخيانة والتآمر على القضية الفلسطينية.
ما حدث في جنين هو انتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان من القتل العمد والتشريد القسري وتدمير الممتلكات وحصار المدنيين كلها جرائم حرب يجب أن يحاسب مرتكبوها أمام المحاكم الدولية، ولا يمكن فصل هذه الحملة عن سياق الاحتلال الإسرائيلي المستمر لأرض فلسطين فمن الواضح أن هذه الحملة تخدم مصالح الاحتلال في إضعاف المقاومة الفلسطينية وتشتيت جهود الشعب الفلسطيني.
إن من يتعاون مع الاحتلال في قمع شعبه يرتكب خيانة عظمى للأمانة الوطنية فالأجهزة الأمنية الفلسطينية هي أمانة في عنق كل فلسطيني وهي مسؤولة عن حماية أمن الشعب الفلسطيني، هذه الحملة ستؤدي حتماً إلى تعميق الانقسام الفلسطيني وتقويض الوحدة الوطنية فالشعب الفلسطيني يرفض أي شكل من أشكال التعاون مع الاحتلال مهما كانت الدوافع.
تخشى السلطة الفلسطينية من قوة المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين فتسعى إلى إضعافها وقد تكون السلطة الفلسطينية قد تنازلت عن بعض ثوابتها الوطنية ما يجعلها تقبل بالتعاون مع الاحتلال وقد تكون السلطة الفلسطينية تخضع لضغوط شديدة من قبل الاحتلال ما يدفعها إلى تنفيذ هذه الأعمال.
هذه الحملة ستزيد من معاناة الشعب الفلسطيني وستزيد من حالة الغضب والاستياء الشعبي وستؤدي إلى تآكل الشرعية الدولية للسلطة الفلسطينية وستزيد من عزلتها في الساحة الدولية وعلى الرغم من هذه الجرائم فإن المقاومة الفلسطينية ستزداد قوة وإصراراً على مواصلة الكفاح.
يجب محاسبة جميع المتورطين في هذه الجريمة بدءاً من القادة ووصولاً إلى المنفذين الميدانيين ويجب على الشعب الفلسطيني أن يتضامن مع أهل جنين وأن يدعم صمودهم ويجب على الشعب الفلسطيني أن يضغط على السلطة الفلسطينية لوقف هذه الانتهاكات وأن يفرض عليها عقوبات ويجب على الشعب الفلسطيني أن يدعم المقاومة الفلسطينية بكل الوسائل المشروعة.
إن ما حدث في جنين هو جريمة بشعة لن تسقط بالتقادم وسيحاسب مرتكبوها عاجلاً أم آجلاً يجب على الشعب الفلسطيني أن يوحد صفوفه ويقاوم هذا الاحتلال الغاشم بكل الوسائل المشروعة كما يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته وأن يضغط على "إسرائيل" لوقف انتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني.
الاحتلال يراهن على القوة.. والشعب الفلسطيني يراهن على الصمود
"إسرائيل" تواصل جرائمها في الضفة الغربية التي تشهد يوميًا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي من اقتحامات للمدن والقرى واعتقالات تعسفية وتدمير للممتلكات وقتل للأبرياء وكلها باتت جزءًا من روتين الحياة اليومية للشعب الفلسطيني.
إن ما يحدث في جنين ونابلس وغيرهما من المدن والقرى الفلسطينية هو جريمة حرب بكل المقاييس تستهدف المدنيين العزل وتنتهك كل الأعراف والقوانين الدولية، إن الصمت الدولي على هذه الجرائم يشجع الاحتلال على ارتكاب المزيد من الفظائع ويمنحه الضوء الأخضر لتنفيذ مخططاته التوسعية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وإننا ندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته والضغط على "إسرائيل" لوقف عدوانها ورفع الحصار عن قطاع غزة وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، إننا ندعو جميع أحرار العالم إلى التضامن مع شعبنا الفلسطيني في نضاله العادل من أجل الحرية والاستقلال.
في النهاية، يبقى السؤال المطروح إلى متى سيستمر هذا الحال؟ إلى متى سيظل الشعب الفلسطيني يعاني من جور الاحتلال وخذلان السلطة؟ إن استمرار هذا الوضع لا يخدم سوى مصالح الاحتلال، ويؤكد على الحاجة الملحة إلى تغيير جذري في السياسات الفلسطينية، ويجب على القيادة الفلسطينية أن تدرك أن استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال هو طعنة غادرة في ظهر الشعب الفلسطيني، وأن عليها أن تختار بين مصالح الشعب ومصالح الاحتلال.