الوقت - تعد الساحة الأردنية واحدة من أكثر البيئات السياسية تعقيدًا في المنطقة، وخاصة في ظل التوترات المستمرة بين القضايا الداخلية والخارجية، فعقب عملية البحر الميت، التي أسفرت عن إصابة عسكريين إسرائيليين، تصاعدت النقاشات حول موقف جماعة الإخوان المسلمين والحكومة الأردنية.
بينما وصفت الجماعة العملية بأنها "عمل بطولي فردي"، حذرت الحكومة من أي تحريض قد يؤدي إلى زعزعة الأمن الداخلي، وتعكس هذه الأحداث التوتر بين دعم المقاومة الفلسطينية والحفاظ على الاستقرار الوطني، ما يثير تساؤلات حول كيفية التعامل مع هذه الديناميكيات.
حيث قال رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان السبت: إن "التحريض ضد الوطن وسلامته يختلف تمامًا عن التعبير عن التضامن مع فلسطين"، مؤكدًا أن بلاده لن تكون "مسرحًا للفوضى والعبث".
ويعتبر تصريح حسان خلال جلسة مجلس الوزراء أول رد حكومي على الأحداث التي تلت "هجوم البحر الميت"، الذي أسفر عن إصابة جنديين إسرائيليين، حيث أصدرت "الحركة الإسلامية" بيانات تشير إلى انتماء منفذي الهجوم إليها، دون أن تعلن مسؤوليتها عنه.
وأفادت رئاسة الوزراء عبر حساباتها الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي بأن حسان قال في الجلسة: "لم يقف أحد كما وقف جلالة الملك شخصيًا مع إخواننا في فلسطين، ولم تقف دولة كما فعل الأردن في دعم حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني عبر العقود الماضية".
وأضاف: "نحن دولة متماسكة بشعبها ومؤسساتها، ولن نسمح بأي تجاوز للقانون أو استغلال عواطف الناس من قبل أي جهة، سواء كانت داخلية أو خارجية، في هذه المرحلة العصيبة لأهداف سياسية، والمتاجرة بحياة الناس دون أدنى مسؤولية".
وأشار إلى أن "التعبير عن الدعم والتضامن مع أهلنا في فلسطين هو موقف جميع الأردنيين دون استثناء، لكن التحريض الذي يهدد أمن الوطن وسلامة المواطنين هو موضوع مختلف تمامًا، ولن نقبل به بأي شكل من الأشكال ومن أي جهة كانت".
واستطرد قائلاً: "أمن الأردن واستقراره وسلامة شعبه فوق كل اعتبار، ومصلحتنا الوطنية هي الأولوية الأولى التي لا يعلو عليها شيء، وقوة هذا البلد ومنعته تعزز صمود أهلنا في فلسطين".
ورغم إصدار جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بيانًا توضيحيًا بشأن منفذي عملية البحر الميت، الشهيدين عامر قواس وحسام أبو غزالة، إلا أن الجدل لم ينتهِ، واستمرت المطالبات من بعض الكتاب والصحفيين المقربين من الحكومة للحركة الإسلامية بتوضيح موقفها من العملية التي أدت إلى إصابة عسكريين إسرائيليين.
وقد وصفت جماعة الإخوان المسلمين عملية البحر الميت في تصريح صحفي بأنها "عمل بطولي، لكنه فردي"، مشيرة إلى أنها جاءت كرد فعل من شباب أردني لم يتحملوا مشاهد الوحشية الصهيونية، كما أكد البيان أن هذا الفعل ليس جديدًا على الشعب الأردني، ويأتي في سياق مسيرة بدأت مع شهداء مثل كايد العبيدات وماهر الجازي، مشددًا على أن الجماعة ستبقى دائمًا في خندق الوطن، تحرص على وحدته وأمنه.
ومع ذلك، في الوقت الذي اعتبرت فيه الجماعة العملية "فردية"، يرى معارضوها أن إعلان الإسلاميين عن انتماء منفذي العملية لهم يعد بمثابة تبنٍ للهجوم، وهو ما رفضته الحركة الإسلامية.
بدوره، أوضح المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، المهندس مراد العضايلة، أن بيان الجماعة حول عملية البحر الميت كان له دور في توضيح ما التبس في بيان حزب جبهة العمل الإسلامي، مؤكدًا أن الحركة لطالما دعمت كل عمل مقاوم ضد الكيان الصهيوني، وأن دعم المقاومة يمثل مصلحة وطنية عليا.
ووصف العضايلة المرحلة الحالية بأنها "حرجة" وتستدعي تكاتف الجهود لمواجهة "الاندفاعية الصهيونية" التي تهدف لتوسيع المعركة في الساحات العربية، مشيرًا إلى أن الأردن قد يكون أحد الأهداف الصهيونية في المرحلة المقبلة.
وفي المقابل، انتقد وزير الإعلام الأردني الأسبق فيصل الشبول البيان الأول للحركة الإسلامية، معتبرًا أن العقلية التي سمحت بصدوره لم تكن معروفة في الأردن، وأكد أن جماعة الإخوان مستقرة منذ 80 عامًا، وليس هناك إقصاء لها، مشددًا على أهمية أن يكون خطاب الحركة الإسلامية راشدًا، لأن مصلحة الجميع تكمن في الاستقرار والوحدة لمواجهة التحديات.
هل ما حدث لمصلحة المقاومة؟
هذا التداخل بين مواقف الحكومة ومواقف الحركة الإسلامية يعكس التوترات الداخلية، حيث يسعى الجميع للحفاظ على أمن الوطن واستقراره في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة.
إن بعض الأوساط في الأردن ترى أن التعبير عن الدعم لفلسطين والمقاومة يمكن أن يكون إيجابيًا، إذ يعكس تضامن الشعب الأردني مع القضية الفلسطينية، لكن، في الوقت نفسه، هناك مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات الداخلية والفوضى.
بينما الحكومة تخشى من أن أي تحركات قد تؤدي إلى فوضى داخلية، وخاصة في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة، التحريض أو التصريحات التي قد تُفسر على أنها دعم مباشر للدخول في الحرب يمكن أن تُعتبر تهديدًا للأمن الوطني.
كما يبدو أن هناك دعوة للحفاظ على توازن بين دعم القضية الفلسطينية والحفاظ على استقرار الأردن، الحكومة تحاول التأكيد على أن التعبير عن التضامن يجب أن يكون ضمن إطار قانوني وآمن، بعيدًا عن أي تحريض قد يؤدي إلى الفوضى، وبالتالي، يجسد هذا الوضع تعقيد العلاقة بين الدعم الشعبي لفلسطين وضرورة الحفاظ على الأمن الداخلي في الأردن.
في الختام.. يمكن القول إن الأحداث الأخيرة في الأردن، وخاصة بعد عملية البحر الميت، تبرز أهمية التفاهم بين مختلف الأطراف السياسية في البلاد، بينما يعبر الشعب الأردني عن تضامنه العميق مع القضية الفلسطينية، فإن الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي يجب أن يكون أولوية مشتركة.
يتطلب الوضع الراهن حوارًا بناءً بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، بهدف تعزيز الوحدة الوطنية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني دون المساس بالأمن الوطني، إن التفاهم والتعاون بين جميع الفئات يمكن أن يسهم في بناء جبهة قوية تدعم القضية الفلسطينية، ما يعكس التزام الأردن التاريخي بمساندة الشعب الفلسطيني في سعيه نحو الحرية والعدالة.