الوقت- بينما كانت "إسرائيل" تعتبر لعقود عديدة "المدمرة الحربية الأمريكية المتمركزة في الشرق الأوسط" ويشار إليها على أنها "ذخر استراتيجي" لواشنطن في منطقة غرب آسيا، فقد أصبحت هذه الفكرة الآن موضع تساؤل جدي داخل الولايات المتحدة.
وفي الأيام الأخيرة، تزامنا مع التشكيل العسكري والاستعداد العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط برمتها، بسبب القلق من الرد الإيراني على العمل الخبيث والجبان الذي قام به الكيان الصهيوني باغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ترددت همسات في الأجواء السياسية والتحليلية الداخلية للولايات المتحدة، وخاصة في أوساط مراكز الأبحاث، بشأن رفع تكلفة دعم الكيان الصهيوني، وهو أمر يعتبر غير مسبوق في ذروة التوترات في منطقة غرب آسيا.
وبينما كانت "إسرائيل" تعتبر لعقود عديدة "المدمرة الحربية الأمريكية المتمركزة في الشرق الأوسط" ويشار إليها على أنها "ذخر استراتيجي" لواشنطن في منطقة غرب آسيا، فإن هذه الفكرة أصبحت الآن موضع تساؤل داخل الولايات المتحدة. ومؤخراً، أكدت «فورين بوليسي» في تقرير أشارت فيه إلى التحركات العسكرية الأمريكية الشهر الماضي، ومن بينها خروج السفينة تيودور روزفلت من البحر الأحمر ووصول السفينة أبراهام لنكولن إلى الخليج الفارسي، أن التطورات الأخيرة في المنطقة تسببت في استنزاف القوة العسكرية الأمريكية.
كما أشار مارك مونتغمري، المحلل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، إلى نقل طائرات مقاتلة من طراز إف-22 وغواصات تابعة للجيش الأمريكي إلى منطقة الشرق الأوسط للدفاع عن "إسرائيل"، واعترف بأن الجيش الأمريكي ليس مستعد للقتال على ثلاث جبهات (شرق آسيا وأوكرانيا وغرب آسيا)، وكثفت الولايات المتحدة خلال الشهر الماضي عملياتها العسكرية في المنطقة تنفيذا لاستراتيجية الزوارق الحربية بهدف إحداث اضطراب في إدراك جبهة المقاومة ومنعها من الرد.
رغم كل ذلك، يبدو أن استراتيجية تأخير الرد ذات التوجه المقاوم أدت إلى زيادة تكاليف الطرف المعادي وتكاليف الاستعداد المستمر للدفاع الشامل، وربما تسببت في مشاكل للرد الأمريكي.
إلا أن هذه التحركات العسكرية التي تزامنت مع موعد الانتخابات الأمريكية أثارت تساؤلات وشكوكا جدية حول استمرار التكلفة المادية والنفسية لدعم "إسرائيل" بالنسبة للمواطنين الأمريكيين، ورغم أن عمق العلاقات العسكرية والأمنية بين الكيانين لا يمكن إنكاره، إلا أنه يبدو أنه استناداً إلى منطق الربح والخسارة، كان لتصرفات "إسرائيل" تأثير سلبي على الاستراتيجيات الكلية الأمريكية، وخاصة تلك التي توجهها واشنطن نحو آسيا، ومن ناحية أخرى، يتوقع البيت الأبيض أن يتصرف الكيان الصهيوني في إطار خطة واشنطن في خضم معركة الناتو مع روسيا، وأن يظهر المزيد من التنسيق ويتجنب اتخاذ المزيد من الإجراءات المغامرة في المنطقة.
وفي السنوات الماضية، تحدث مفكرون في العلاقات الدولية مثل "جون ميرشايمر" و"ستيفن والت" أيضًا عن التكاليف غير التقليدية وغير العقلانية لدعم الكيان الصهيوني؛ لكن هذه القضية ظلت في الغالب على مستوى مناقشات النخبة وكانت أقل تبلورًا في وسائل الإعلام الأمريكية. ولكن يبدو أنه في ظل المعركة الأخيرة في غزة والسياسات الإرهابية الإسرائيلية في المنطقة، حظي هذا التوجه أيضاً باهتمام وتأييد في الرأي العام الأمريكي.
استطلاع: 53% من الأمريكيين يطالبون بتقييد الدعم العسكري لـ"إسرائيل"
أظهر استطلاع للرأي أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية أن أكثر من نصف الأمريكيين يرون ضرورة تقييد المساعدات العسكرية المقدمة لـ"إسرائيل" بحيث لا تستخدم ضد المدنيين الفلسطينيين، وذكر المجلس، الذي يعد أحد المراكز الفكرية البارزة في الولايات المتحدة، في عرضه لنتائج الاستطلاع الخميس أن الأمريكيين -رغم تأييد كثير منهم للدعم العسكري ل"إسرائيل"- يهتمون بأمر الفلسطينيين، ولا سيما المدنيين، وحسب نتائج الاستطلاع، فإن 53% من المشاركين يرون أن على الولايات المتحدة أن تقيد مساعداتها العسكرية ل"إسرائيل" حتى لا تتمكن من استخدامها في عمليات عسكرية ضد الفلسطينيين.
وأشار مجلس شيكاغو للشؤون العالمية إلى أن الدعوات المتصاعدة لتقييد تلك المساعدات ببعض الشروط لم تمنع وزارة الخارجية الأمريكية من الإعلان مؤخرا عن تمويل عسكري لتل أبيب بقيمة 3.5 مليارات دولار، وذلك رغم أن حصيلة القتلى المدنيين جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة تجاوزت 40 ألفا بكثير، وفقا لما جاء في تقرير الموقع، لكن على الرغم من الانتقادات المحلية والدولية، فإن 61% من الأمريكيين يرون أن بلادهم تقوم بدور "بناء وإيجابي" في الشرق الأوسط، وفقا للاستطلاع.
وكذلك، أعرب 60% عن تأييدهم استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية ل"إسرائيل" حتى يتم إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، من ناحية أخرى، رأى 30% من المشاركين أن الولايات المتحدة تدعم "إسرائيل" بشكل مفرط، كما يقول 3 من كل 10 أمريكيين إن بلادهم لا تقدم عونا إنسانيا كافيا لسكان غزة، ويواصل الاحتلال الحرب على غزة بدعم أمريكي منذ نحو 11 شهرا، وقد وصفها خبراء دوليون بالإبادة الجماعية إذ استشهد وأصيب وفقد عشرات الآلاف، معظمهم أطفال ونساء، ومحيت عائلات بأكملها من السجل المدني، ودمرت قرابة 70% من البنية التحتية المدنية من منازل ومدارس ومستشفيات.
مسؤول جمهورى يهاجم إدارة بايدن لاستمرار دعم "إسرائيل"
هاجم مسؤول جمهوري في الكونجرس الأمريكي إدارة الرئيس جو بايدن لاستمرارها في دعم "إسرائيل" بالأسلحة، مشيراً في تصريحات نشرتها صحيفة وول ستريت إلى أن "منح النفوذ" وقت الحرب هو أسوأ قرار تقدم عليه واشنطن مع تل أبيب، وتابع المسؤول الذي لم تنشر وول ستريت اسمه قائلاً: "محاولة الحصول على النفوذ في وقت الحرب هي أسوأ وقت، لأن الشريك يكون أقل عرضة للخضوع لتوجيهات الإدارة، ولن تحد الدول من حربها، لأن الولايات المتحدة تحاول خوض الحرب من واشنطن، هذا أسوأ نوع من الإدارة الجزئية".
وتطرقت الصحيفة الأمريكية في تقرير لها إلى أسباب فشل واشنطن في إثناء "إسرائيل" عن مواصلة العدوان على غزة ، مشيرة إلى أن إدارة بايدن كانت تتوقع أن يكون دعم تل أبيب بالأسلحة مبرراً كافيا لطمأنة "إسرائيل" ـ الحليف الأول لأمريكا ـ وإقناعها بقبول وقف إطلاق النار، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
ووفقا للتقرير، كانت الأسلحة عنصرا أساسيا لعقود من الزمان في العلاقة بين الولايات المتحدة وتل أبيب، وتتلقى الأخيرة أكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية السنوية، ومعظم مشترياتها من الأسلحة تتم بتمويل من الحكومة الامريكية ومنذ 7 أكتوبر الماضي، سارعت الإدارة الامريكية، لإرسال الأسلحة إلى "إسرائيل".
القرار الذي اتخذته إدارة بايدن، الأسبوع الماضي، بالمضي في صفقات أسلحة بقيمة 20 مليار دولار ل"إسرائيل"، بعد أشهر من تأخيرها، قبل رحلة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط الأخيرة، وصفه محللون على أنه بمثابة "محاولة أخيرة" للتوصل إلى اتفاق يوقف حرب غزة.
وتشمل المبيعات التي أعلنتها الإدارة الامريكية، الأسبوع الماضي، أسطولاً من طائرات حربية من طراز F-15 ومركبات عسكرية وقذائف هاون وذخيرة دبابات وصواريخ، قالت وزارة الخارجية إن تسليم معظم الأسلحة لن يبدأ حتى عام 2026، وليس حتى عام 2029 في حالة الطائرات ويتساءل بعض المراقبين عما إذا كان الاحتفاظ بالأسلحة له تأثير كبير حقاً على "إسرائيل"، وقال دانييل ليفي، وهو مسؤول حكومي إسرائيلي سابق، إن إدارة بايدن "ربما كانت تنوي تشجيع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تبني اتفاق وقف إطلاق النار، لكن هذا النهج قد يأتي بنتائج عكسية في النهاية، لأنه عندما تقدم واشنطن الأسلحة، يشعر نتنياهو أنه فاز".
وزعم مسؤول في الخارجية الامريكية بالقول: "أعلم أن سياستنا لم تتغير فيما يتعلق بالتعاون الأمني مع "إسرائيل"، إذا كان هناك أي شيء، فإننا ندرك أن التهديدات أكثر حدة، ونثير في ذات الوقت قضايا الأذى المدني مع "إسرائيل" على أعلى المستويات"، وأضاف: "الحد من مبيعات الأسلحة ل"إسرائيل" أمر صعب سياسياً أيضاً، لأن نتنياهو أثبت مهارته في التحدث مباشرة إلى المشرعين، وتسريع المساعدات العسكرية يمكن أن يعجل بشكل كبير إنهاء الحرب على غزة ويساعد في منع حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط".