الوقت- الأسبوع الماضي، وبينما نقترب من الشهر العاشر للحرب الوحشية التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، حملت جبهة دعم غزة في محور المقاومة مفاجآت جديدة للصهاينة، ما أثار قلقهم بشكل كبير؛ فمن تهديدات السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، والتي وصفتها وسائل إعلام وأوساط عبرية بأنها غير مسبوقة ومقلقة للغاية، إلى العملية المفاجئة التي نفذها اليمنيون في قلب تل أبيب.
التنسيق اللافت لمواقف قيادات المقاومة الداعمة لغزة
أعلن السيد حسن نصر الله في أول خطاب له بعد بدء معركة الأقصى خلال التسعة أشهر الماضية أن: "جبهة الجنوب اللبناني في المعركة الحالية مع العدو الصهيوني تعمل وفق مسألتين، الأولى تتعلق بـ مستوى عدوان العدو الصهيوني على لبنان ورد حزب الله سيعطي المحتل نفس المعادلة والعين بالعين، والمسألة الثانية تتعلق بالدعم الذي تقدمه المقاومة اللبنانية لأهل غزة".
ومن ناحية أخرى، أعلن "عبد الملك الحوثي" زعيم حركة أنصار الله اليمنية، دعم اليمنيين اللامحدود لشعب غزة منذ الأسابيع الأولى لمعركة الأقصى، وأثبت اليمنيون هذا الموقف العملي لقائدهم في كل خطاباته التي أكد فيها كل أسبوع على استمرار العمليات في اليمن حتى توقف العدوان الصهيوني على غزة بشكل كامل ورفع الحصار عن هذا القطاع.
وفي كل البيانات الصادرة عن وسائل الإعلام العسكرية لمختلف فصائل المقاومة في المنطقة خلال هذه الفترة، تضمنت العبارات الأساسية موضوع دعم غزة ومقاومتها ومواصلة العمليات ضد العدو الصهيوني حتى الوقف الكامل للعدوان على غزة و رفع الحصار عن هذه المنطقة.
لقد اتخذ السيد حسن نصر الله والسيد عبد الملك الحوثي دائما مواقف الانسجام في خطاباتهما خلال المعركة الحالية مع العدو الصهيوني، وأهمها أن وحدة وتماسك محور المقاومة أصبحت اليوم أكثر من أي وقت مضى واتخذت شكلاً مختلفاً، وتقوم على آليات تتوحد بموجبها جبهات المقاومة كافة لدعم غزة.
هذه هي القضية التي أشار إليها الأمين العام لحزب الله وشدد عليها في كلمته الأخيرة في مراسم عاشوراء الحسيني، حيث قال: "نحن متماسكون ومنسقون تماماً مع بعضنا البعض في المقاومة واليوم دخلنا في معركة مختلفة لدعم غزة وفتحنا جبهة الدعم لعملية طوفان الأقصى؛ لأن هذه المعركة هي معركة الأمة الإسلامية جمعاء ضد العدو الصهيوني، والجبهات الأخرى الداعمة لغزة في اليمن والعراق وسوريا وإيران معنا وتدافع عن المظلومين".
انهيار "إسرائيل" واستراتيجية المقاومة الناجحة في دعم غزة
المقاومة في غزة، بعد أن أثبتت ثباتها وصمودها وكفاءتها، قدمت المعلومات الكافية عن أوضاعها لحلفائها في محور المقاومة، واليوم توصل قادة فصائل المقاومة إلى أن الأوضاع مواتية لدعم المقاومة الفلسطينية من ناحيتين: أولاً، إن جيش الكيان وعلى الرغم من الدعم اللامحدود من أمريكا والغرب، فإن الصهاينة الآن في المرحلة الأكثر انهيارا في الحرب وغير قادرة على الاستمرار فيها، والمسألة الثانية هي أن المقاومة الفلسطينية تتصرف من موقع قوة في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ولم تصل أي من الضغوط العسكرية والسياسية التي كانت أمريكا والكيان الصهيوني تعتزم ممارستها على حماس في المفاوضات إلى نتيجة ولم تؤتِ ثمارها.
لقد أظهرت تطورات الأسابيع الأخيرة أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا تبحث عن اتفاق لإنهاء الحرب، وقد رفض نتنياهو نفسه علناً وقف إطلاق النار وقال إن مثل هذا الاتفاق يعني تحقيق أهداف حماس، بعد ذلك، دخل نتنياهو في مناورة جديدة تتعلق في معظمها بالانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ حيث يعول على إقالة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وفوز دونالد ترامب.
المقاومة تنتصر لفلسطين وسط خيانة المطبعين
الحقيقة أن كل الدلائل تشير إلى أن نتنياهو يسعى إلى التهرب من أي اتفاق لوقف إطلاق النار حتى معرفة نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقد اعترف إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو، علناً بهذه القضية وأكد أن الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار هي بمثابة طعنة في ظهر ترامب، وفي هذه الأثناء تحاول منظمة التحرير الفلسطينية، التي زادت من سياساتها الغادرة، التعاون والتنسيق مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، للقضاء على قطاع غزة، وتكثيف الضغوط على حماس وهزيمة هذه الحركة البطلة.
إن كل هذه حقائق التي لا تعرفها فقط المقاومة الفلسطينية، بل كل فصائل المقاومة في المنطقة، قد حثت كل تلك الفصائل على تحديد استراتيجيتها لدعم غزة في ظل كل هذه التطورات، كما أن قادة فصائل المقاومة في المنطقة يتصرفون على أساس أنه لا يوجد توقع لأي تغيير في المواقف الرسمية للأنظمة العربية تجاه جرائم الكيان الصهيوني؛ بحيث يستمر النقاش حول تطبيع العلاقات بين السعودية وكيان الاحتلال، وتستمر أنظمة التسوية العربية الأخرى مثل الإمارات في دعم "إسرائيل" على مختلف المستويات في الحرب المدمرة التي يشنها هذا الكيان على غزة.
كما حذر مسؤولون يمنيون مؤخرا من دعم السعودية للاستراتيجية الأمريكية للضغط على اليمن بهدف وقف عمليات البلاد ضد الكيان الصهيوني، ودول عربية أخرى، مثل الأردن ومصر، رغم أنها تدعم غزة في خطابها السياسي وتدين جرائم "إسرائيل"؛ لكن في الواقع لديهم موقف مختلف، حيث يتعاون الأردن مع سلطات السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية التابعة لها في مخططات تآمرية لقمع المقاومة في الضفة الغربية، كما تنسق مصر مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" في البحث عن حكومة بديلة لحركة حماس في قطاع غزة، وبشكل عام فإن الشعب الفلسطيني مقتنع بأنه لا يمكنه الاعتماد على الدول العربية بأي شكل من الأشكال لإنقاذ نفسه من العدوان والمؤامرات الصهيونية.
العمليات المشتركة للعراق واليمن ضد الصهاينة
وبناء على ذلك فإن الجبهات الموالية لغزة في محور المقاومة غيرت تكتيكاتها واستراتيجيتها بالتزامن مع التطورات الميدانية وسارت مع هذه التطورات من دون التحرك نحو توسيع الحرب وفرضت معادلاتهم على العدو المحتل وأوصلوا رسائلهم إلى هذا الكيان وحلفائه.
في غضون ذلك، انتقلت المقاومة في غزة من مرحلة التصدي لاقتحامات قوات الاحتلال إلى مرحلة الهجوم المباشر على مناطق تمركز وانتشار هذه القوات في كل مناطق القطاع، وخلال الأسبوعين الماضيين، تم عرض أمثلة على هذا النمط الجديد من المقاومة في غزة، والذي يظهر قدرته المستمرة على تنفيذ عمليات الاستطلاع، ونصب الكمائن، بما في ذلك قصف طريق قوات العدو ودباباته، وتنفيذ هجمات فردية وصاروخية دقيقة.
وفي الجبهة الشرقية لدعم غزة، شهدنا الاستراتيجية المثيرة للاهتمام للمقاومة الإسلامية في العراق والقوات اليمنية خلال الشهر الماضي؛ حيث نفذ العراقيون برنامج تعاون خاص مع حركة أنصار الله اليمنية، ونفذوا عمليات مشتركة ضد المواقع الحيوية لكيان الاحتلال في عدة مناطق، من بينها حيفا شمالاً وإيلات جنوب فلسطين المحتلة، كما وجهوا بهذه العمليات رسالة مفادها بأنهم قادرون على استهداف القواعد الأمريكية في أي لحظة.
أين ستتلقى "إسرائيل" الضربة التالية؟
إلا أن العملية المفاجئة التي نفذها اليمنيون في تل أبيب أمس لم تكن عملية عشوائية، بل تمت وفق حسابات وخطط تفصيلية سابقة، كما تم اختيار البنك المستهدف بعناية، وكما أظهر حزب الله من خلال نشره مقاطع فيديو متتالية لمواقع الكيان الصهيوني الحيوية والحساسة في عمق فلسطين المحتلة، فإن لديه مفاجآت جديدة للعدو في هذا المجال وعلى الصهاينة أن يظلوا في حالة تأهب.
وفي خطابه الأخير، وجه السيد حسن نصر الله تحذيرا خطيرا للصهاينة: "إذا جاءت دباباتكم إلى جنوب لبنان، فسوف تواجهون مشكلة نقص الدبابات، لأنه لن تبقى لديكم أي دبابات وسندمرها جميعا"، وكان لهذه الجملة التي قالها السيد حسن نصر الله صدى واسعاً في الأوساط الإعلامية والعبرية، حيث اعتبرتها تهديداً غير مسبوق ومفزعاً من قبل الأمين العام لحزب الله.
وذكرت القناة 12 التابعة للكيان الصهيوني في هذا الصدد: "كل ما يقوله نصر الله يتوافق مع أفعاله، وهو ينفذ ما يطلقه من تهديدات، لقد رأينا مرات عديدة في الماضي أن نصر الله فعل ما قاله، لقد ربط نصر الله جبهتي غزة ولبنان ببعضهما البعض، وهذا بالطبع ليس بالأمر الجديد؛ ولكن إذا استمرت الحرب في غزة، فمن المؤكد أنها ستصبح قضية مثيرة للقلق للغاية، ونصر الله يعرف جيداً كيف ينتقي كلمات عباراته، وليس من قبيل الصدفة أنه للمرة الأولى منذ بداية الصراعات يطرح مثل هذا التهديد في سياق اتساع نطاق الحرب".
كما قال الأمين العام لحزب الله في جزء من خطابه الأخير: "طالما استمر العدو الصهيوني في استهداف المدنيين، فإن حزب الله سيواصل إطلاق الصواريخ واستهداف المستوطنات الصهيونية الجديدة"، وهي المستوطنات التي لم يتم استهدافها بالفعل ولقد أثارت كلمات السيد حسن نصر الله قلقاً كبيراً في الأوساط الصهيونية.
عموماً، مع الهجوم بطائرات دون طيار الذي نفذه اليمنيون في قلب تل أبيب يوم أمس، دخلت معركة طوفان الأقصى مرحلة جديدة، وهذا الحدث يظهر قدرة قوى المقاومة على تنفيذ العمليات داخل الاراضي المحتلة، وإن العملية التي نفذها اليمنيون يوم أمس قد تكون مقدمة لعمليات مفاجئة أخرى لفصائل المقاومة، ولن تستطيع "إسرائيل" تحديد أين ستضربها الضربة القادمة.