الوقت - بعد أقل من 24 ساعة من اعتماد قرار مجلس الأمن الدولي بشأن وقف فوري لإطلاق النار في غزة، استضافت طهران للمرة الثانية بعد بدء هجمات الکيان الصهيوني على غزة، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، إلى جانب زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.
عندما وصل هنية والوفد المرافق له إلى طهران، تحدثوا أولاً مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وبعد ذلك، وفي الجزء الأكثر أهميةً من الزيارة، ذهب الوفد الفلسطيني للقاء المرشد الإيراني الأعلى.
وفي هذا اللقاء، أشاد المرشد الأعلى للثورة "بالموقف الفريد لقوى المقاومة الفلسطينية، وأيضاً لشعب غزة"، وقال إن الصراعات حوّلت قضية فلسطين إلى "قضية العالم الأولى"، وشدّد على أهمية الحصول على دعم الرأي العام الدولي والرأي العام في العالم الإسلامي، وخاصةً العالم العربي، لشعب غزة.
وأكد أن "النشاط الدعائي والإعلامي للمقاومة الفلسطينية كان جيداً جداً ومتفوقاً على إسرائيل، وينبغي اتخاذ المزيد من الإجراءات في هذا الصدد".
وفي هذا اللقاء، أكد إسماعيل هنية لقائد الثورة في إيران، أن الفلسطينيين لن يسمحوا للکيان الإسرائيلي "بتحقيق ولو جزء واحد من أهدافه".
وكان هنية قد ذكر في لقائه مع أمير عبد اللهيان في وقت سابق، أن "إسرائيل كان لديها ثلاثة أهداف أساسية، بما في ذلك تدمير حماس والمقاومة، وتحرير الأسرى الصهاينة، ونقل سكان قطاع غزة إلى صحراء سيناء، وكان المعنى الحقيقي لذلك هو تغيير الواقع السياسي والأمني والديموغرافي في قطاع غزة".
وأضاف: "وفي سبيل تحقيق أهدافهم، قام الصهاينة بمختلف الأعمال الوحشية والجرائم، بما في ذلك القتل الجماعي للمواطنين والنساء والأطفال، والتدمير الواسع والمنظم، والحصار العسكري الكامل، وتجويع سكان قطاع غزة، وكانت حصيلة هذه الأعمال سقوط نحو 100 ألف شهيد وجريح ومفقود ومعاق، وتدميراً كلياً وجزئياً لنحو 60% من قطاع غزة، وتهجير نحو 1.5 مليون إنسان إلى رفح. لكنني أقول بكل تأكيد إنه رغم كل الجرائم لم يتمكن العدو من تحقيق أي من أهدافه، واليوم تتجلى مظاهر فشل العدو الواحدة تلو الأخرى على المستوى الميداني والسياسي والدولي".
والجزء المهم الآخر من رحلة الوفد الفلسطيني إلى طهران، يتعلق بلقاء الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية زياد النخالة مع قائد الثورة في إيران، الذي عقد الخميس الماضي.
وقال النخالة في هذا اللقاء: "ما يجري في غزة اليوم، هو في الواقع تكرار لحادثة كربلاء، ورغم كل المصاعب والمؤامرات، فإن أهل غزة وقوى المقاومة تمكنوا من دحر مخطط الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وداعميهم لتدمير المقاومة، بصمودهم الفريد، وهناك تنسيق كامل بين قوى المقاومة، وخاصةً حماس والجهاد الإسلامي".
إن الزيارة غير المتوقعة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي إلى طهران، والتي جاءت بعد أقل من 24 ساعة من موافقة مجلس الأمن الدولي على قرار بشأن وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، سرعان ما أصبحت محط اهتمام وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، التي اعتبرتها تعبيراً عن دعم طهران الثابت لمقاومة غزة باعتبارها زعيمة تيار المقاومة في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا القرار رافقه تصويت إيجابي من 14 دولة، وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت ولم تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد هذا القرار، وهو ما أثار غضب السلطات الإسرائيلية، حتى أن نتنياهو ألغى زيارة الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن.
فلسطين ليس لها ملجأ سوى إيران
عن أهداف وأهمية زيارة قادة المقاومة الفلسطينية إلى إيران، قال السيد هادي سيد أفقهي في حديث لـ "الوقت":
في المرحلة الأولى، فإن هذا اللقاء المهم الذي عقده أعضاء المكتب السياسي لحركتي حماس والجهاد مع المرشد الأعلى للثورة، ينبغي أن يكون مهماً من حيث التوقيت والظروف الأمنية، كما يجب تجاوز حساسية هذه الرحلة، والتعامل مع القضايا الاستراتيجية والحاسمة بين الوفد الفلسطيني والمرشد الإيراني الأعلى.
وشملت المواضيع التي تم طرحها في هذا اللقاء، قضايا أوضاع الأهالي في غزة، بالإضافة إلى وصف الوضع الميداني بين حماس والجيش الإسرائيلي، وأوضاع المنطقة، وكقاعدة عامة، فإن توصيات المرشد الأعلى بشأن الدعم الشامل للحركة الفلسطينية والكتائب المجاهدة، کانت جزءاً مهماً من اللقاء.
وفي إشارة إلى الثغرة الموجودة في هذا القرار، قال هذا الخبير في القضايا الإقليمية: إن هذه الرحلة تمت بعد يوم واحد فقط من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، ويحتوي القرار الأخير على ثغرات مثل أن هذا القرار لا يندرج تحت الفصل السابع وغير ملزم، وفي هذا الصدد، لدى الکيان الصهيوني إمكانية رفض تنفيذه، كما أعلنوا أنهم لا يعتبرون أنفسهم ملزمين بتنفيذ هذا القرار.
علاوةً على ذلك، بعد يوم واحد من اعتماد القرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، نفّذ الکيان الصهيوني هجمات متكررة في غزة، والأمر المثير للاهتمام هو أنه في نفس الوقت الذي امتنعت فيه الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن، للتظاهر بأنها مع الإجماع العالمي ضد الكيان الصهيوني، التقى وزير حرب الکيان الصهيوني مع وزير حرب الولايات المتحدة وطلب إرسال معدات عسكرية.
والسؤال المطروح الآن هو: لماذا امتنعت أمريكا هذه المرة عن التصويت بعد أن استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد جميع القرارات المقترحة في مجلس الأمن الدولي، والتي كانت بنودها الأساسية هي وقف إطلاق النار في غزة، وانسحاب القوات المسلحة من هذا القطاع، ووقف إطلاق النار وتبادل الأسرى؟
أضاف أفقهي، الذي يعتبر أن المناخ السياسي في الولايات المتحدة مؤثر على امتناع واشنطن عن التصويت: بطبيعة الحال، لم تكن الانتخابات الرئاسية الأمريكية والمنافسة الشرسة بين بايدن وترامب بلا تأثير، وبالطبع لا يزال هناك معارضون داخل الحزب الديمقراطي لترشح بايدن للرئاسة، کما أن التظاهرات المستمرة في أمريكا فعالة في دعم أهل غزة وضد سياسات حكام البلاد، والضغوط الدولية لها تأثير أيضًا في هذا الموقف الأمريكي، لأن المحافل الدولية تدين أمريكا دائماً بسبب سياساتها الداعية إلى الحرب.
وأشار هذا الخبير في قضايا الشرق الأوسط إلى نشاط اللوبي الصهيوني في المنظمات الدولية، وأكد: نحن نشهد أن محكمة لاهاي التزمت الصمت رغم مقتل 32 ألف إنسان في قطاع غزة وإبادة الأطفال، لأن للصهاينة لوبياً نشطاً في هذه المحكمة.
كما أن كرامة الأمم المتحدة وكل الجماعات التابعة لهذه المنظمة، قد تضررت أيضاً من مآسي الحرب في غزة، وهذا يدل على سقوط الرواية الأمريكية والصهيونية، وعولمة الرواية الفلسطينية.
کذلك، نشهد أن كل تصرفات وسائل الإعلام الأمريكية، من دعاية واسعة النطاق، وإظهار حقائق التاريخ في اتجاه "تحريف الحقيقة"، أصبحت جميعها غير فعالة، وتعرضت الصهيونية العالمية للإذلال الرسمي في حرب غزة.
وشدد أفقهي في جزء آخر من تصريحاته على عدم احتمالية تنفيذ هذا القرار، وقال: كانت هناك ضغوط لوقف الحرب في غزة قبل شهر رمضان، لكن نتنياهو لم يوافق، والولايات المتحدة، رغم أنها بذلت جهوداً منافقةً فيما يبدو، لم تدعمها فعلياً.
لکن الحقيقة هي أنه إذا أرادت أمريكا إلغاء الحصار عن غزة أو تنفيذ وقف إطلاق النار، ولو مؤقتاً وبشكل محدود، فإنها تستطيع ذلك، لكن المشكلة هي أنها لا تريد ذلك، لأنها تعلم أن أي إجراء مثل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، أو تبادل الأسرى، أو وقف الحرب، ولو مؤقتاً، سيعتبر تأكيداً لانتصار حماس في تحقيق أهدافها السياسية، ودليلاً على الفشل الميداني والسياسي لنتنياهو.
وفي الختام، ورداً على سؤال، ما هي رسالة وجود قيادات حركتي المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد في طهران والاجتماع مع المرشد الأعلى، في أقل من 24 ساعة من موافقة مجلس الأمن على القرار الجديد ضد الكيان الصهيوني؟، قال: الحقيقة أنه لا بد من القول إن حماس وقوى المقاومة في فلسطين ليس لها ملجأ سوى إيران، يمكنكم أن تروا أن قطر، التي لديها تعاون عسكري مع أمريكا، لديها أيضًا تفاعلات سياسية مع الکيان الصهيوني، كما تعتبر مصر شريكةً في جريمة الکيان الصهيوني بإغلاق معبر رفح ومواصلة حصاره لغزة.
ويقوم الأردن أيضًا بإرسال معدات وقوات عسكرية إلى الأراضي المحتلة لدعم الکيان الإسرائيلي، في هذه الأثناء، يتقدم محور المقاومة بسياساته، وفي هذا الوضع تحركت كل فصائل المقاومة لدعم غزة.
على سبيل المثال، قدّم حزب الله حتى الآن أكثر من مئتي شهيد، وأشغل الکيان الصهيوني في الجبهة الشمالية، ودعماً لشعب غزة، تواصل حرکة أنصار الله اليمنية استهداف السفن الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، وتتولى أمن البحر الأحمر، كما استهدفت مجموعات المقاومة العراقية وزارة الحرب التابعة للكيان الصهيوني، والمقر العسكري الأمريكي في سوريا، والحقيقة أن حركتي حماس والجهاد تعرفان أن قيادة محور المقاومة بيد إيران.