الوقت - بينما تجاوز عدد الشهداء في قطاع غزة 10 آلاف مدني وأصيب وتشرد مئات الآلاف بسبب الحرب، وهو ما أدى إلى احتجاجات دولية ضد جرائم الکيان الصهيوني ومشارکة واشنطن أيضاً، وتزايدت الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، ومن ناحية أخرى واجهت محاولة الجيش الصهيوني اجتياح غزة براً عدة مرات حاجزاً قوياً من قبل قوات المقاومة، ومع الخطاب الناري لزعيم حزب الله، أصبحت أتون الحرب في الجبهة الشمالية للأراضي المحتلة أكثر سخونةً من الأيام السابقة؛ في مثل هذا الوضع الصعب، توجه وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة قبل يومين للتفاوض والتشاور مع الدول العربية في المنطقة، التي أعلنت معارضتها لوحشية الکيان الصهيوني في قتل الشعب الأعزل في قطاع غزة.
وفي هذا المجال، كان الحدث الدبلوماسي الأهم هو الاجتماع المشترك لوزراء خارجية خمس دول عربية، هي مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وقطر، والذي عقد في العاصمة الأردنية عمان.
إن نظرةً على المواقف الإعلامية لبلينكن ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في المؤتمر الصحفي المشترك، تظهر أن اللقاء بدأ بالخلاف وانتهى دون اتفاق، لتظهر أن الجهود الدبلوماسية التي بذلها البيت الأبيض لتوحيد الجبهة السياسية للحرب لمصلحة الصهاينة، لم تحقق أي نتيجة.
يعدّ وقف إطلاق النار الفوري أحد أهم نقاط الخلاف بين المواقف السياسية للولايات المتحدة والدول الأخرى هذه الأيام، وهي ليست قليلةً، وقد أظهرت ثقلها في تصويت 120 عضواً في الأمم المتحدة على القرار المقترح من قبل الدول العربية.
وفي الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية، حسب شبكة سي إن إن العربية، كان طلب ممثلي خمس دول عربية هو وقف هجمات الکيان الصهيوني على المدنيين في غزة في المقام الأول، وقد شدد أيمن الصفدي على هذا الأمر في المؤتمر الصحفي، وقال: إن "الدول العربية طالبت بوقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء هذه الحرب".
وفيما تحدث وزير الخارجية الأمريكي في المؤتمر الصحفي عن "تمسك بلاده بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، واعتبر "وقف إطلاق النار فرصةً لحماس لتكرار هجوم 7 تشرين الأول "، رداً على ذلك رفض وزير الخارجية الأردني وصف الحرب بأنها دفاع عن النفس، وأكد أن: "هذه حرب تقتل المدنيين وتدمر مدارسهم وكنائسهم وبيوتهم ومساجدهم، وهي غير مبررة ولا تحقق لهم الأمن، ويجب أن تتوقف الحرب".
من المؤكد أن الوضع الداخلي لإدارة بايدن أصبح غير مستقر للغاية في الحرب الأخيرة، فمن جهة، يواجه ضغوطاً من اللوبي الصهيوني عبر وسائل الإعلام الكبيرة والمواقف اليمينية في الحزب المنافس، الذين يتهمون بايدن بعدم دعم تل أبيب بشكل حازم.
على سبيل المثال، بعد أن طالب الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون بمزيد من المساعدات العسكرية للکيان الإسرائيلي، قال دونالد ترامب، المنافس الرئيسي لبايدن في الانتخابات المقبلة، في أحدث تصريحاته لمؤيديه: إن "تفاقم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سببه قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالإفراج عن أصول إيران المجمدة بقيمة 6 مليارات دولار، والولايات المتحدة وإسرائيل في الوضع الحالي بحاجة إلى تعاون أوثق بين قادتهما".
وشدد ترامب على أنه "في غياب قادة أقوياء، لا يهمّ عدد الدبابات التي تمتلكها"، وأضاف إن خليفته (بايدن) "خان إسرائيل" من خلال السماح بالصراع الحالي، وفي النهاية قال لو كان رئيساً للولايات المتحدة، لما سمح بتصاعد الصراعات في "إسرائيل" وأوكرانيا.
لكن على الجانب الآخر من القضية، يقع بايدن تحت ضغط الرأي العام المحلي وأعضاء الحزب، الذين يريدون وقف قتل المدنيين في الغارات الجوية.
يحتج مئات الآلاف من الأمريكيين في الشوارع كل أسبوع منذ بدء الغارات الجوية الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة، وقد وصل الاحتجاج ضد سياسات دعم واشنطن للکيان الإسرائيلي إلى جلسة الاستماع في الكونغرس بحضور أنتوني بلينكن.
كما أن زملاء بايدن في الحزب مثل زعماء الحزب الديمقراطي في ولايات ذات إمكانات حاسمة عالية في الانتخابات مثل ميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا، قد حذروا مؤخرًا في رسالة مفتوحة بعنوان "إنذار وقف إطلاق النار 2023"، أنه إذا لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فسوف يطلبون من الناخبين المسلمين "عدم دعم أو تأييد أو التصويت لأي مرشح يؤيد الهجوم الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني".
إضافةً إلى ذلك، فإن احتدام الخلاف مع الدول العربية حول وضع الحرب في غزة، ليس بالأمر الجيد على الإطلاق بالنسبة لإدارة بايدن، التي سعت بنشاط إلى تعزيز مسار التطبيع بين السعودية والکيان الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية، من أجل استخدامه كنجاح كبير في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، حيث أدت هذه الحرب إلى تعطيل مسار التطبيع بشكل كامل حتى الآن.
ويضاف إلى هذا القلق، التخوف من عدم قدرة الکيان على تحقيق انتصار عسكري واتساع جبهات الحرب مع محور المقاومة وعواقبه السلبية، وخاصةً في الجبهة الداخلية للکيان الإسرائيلي والهجوم على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق.
في غضون ذلك، أظهر اللقاء غير الناجح في عمان، أن جهود إدارة بايدن لإقناع الدول العربية بإدانة حماس وخلق الانقسام بين العالم العربي، الذي يطالب بالإجماع بوقف فوري لإطلاق النار ووقف عدوان الکيان الصهيوني، لم تحقق أي نتيجة.
کما كشفت تصريحات رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، الاثنين الماضي، عن جانب آخر من الخطة الأمريكية لدعوة وزراء خارجية الدول العربية المؤثرة في التطورات الفلسطينية. حيث قال: إن أي محاولة أو تحضير لترحيل الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية هو خط أحمر، وعمان تعتبره "إعلان حرب".
ويبدو أن واشنطن تسعى إلى إقناع الدول العربية من أجل تنفيذ مخططات الصهاينة الشريرة لمستقبل غزة دون حماس، والتي قد تنطوي على تهجير مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، حتى أن المخاوف لا تقتصر على قطاع غزة الآن، وما يحدث في الضفة الغربية من اعتداء واعتقال وقتل للفلسطينيين، وخاصةً في نابلس وجنين، قد خلق خطراً مماثلاً.
إن السيطرة على وضع الجامعة العربية ومنع الدعم العملي والحاسم للشعب الفلسطيني، هو مطلب آخر أخذته واشنطن بعين الاعتبار لنوعية تصرف حلفائها الإقليميين.
کما أنه لم تتخذ الجامعة العربية حتى الآن أي إجراءات جدية تتماشى مع تطلعات الشعب العربي والفلسطينيين، على الرغم من امتلاكها أدوات ضغط قوية مثل النفط، والمقاطعة الكاملة للكيان الصهيوني، والنظر في اتخاذ إجراءات عقابية ضد الأعضاء الذين يميلون إلى تطبيع العلاقات، أو فتح معبر رفح، أو حتى تقديم المساعدات العسكرية لقطاع غزة، وما إلى ذلك.