الوقت - اعترف الاتحاد الأوروبي أنه فشل في إقناع أو إجبار الجزائر على استئناف العلاقات التجارية مع إسبانيا بعدما جمدتها بسبب الخلاف حول القضية الصحراوية، وتدرك السلطات الإسبانية أن استئناف العلاقات سيكون مع حكومة جديدة في مدريد.
وأقدمت الجزائر خلال شهر حزيران (يونيو) الماضي على تعليق اتفاقية الصداقة مع إسبانيا، وقلصت بما يفوق 90% من وارداتها من هذا البلد الأوروبي، واتخذت السلطات الجزائرية هذا القرار كرد فعل عقابي على مبادرة إسبانيا بتفضيل مقترح الحكم الذاتي الذي طرحته المملكة المغربية لحل نزاع القضية الصحراوية بدل استفتاء تقرير المصير الذي تتشبث به جبهة البوليزاريو التي تنازع المغاربة السيادة على هذه المستعمرة التي غادرتها إسبانيا سنة 1975.
وكتبت جريدة “كونفيدونسييل” الإسبانية كيف ما زالت الصادرات الإسبانية تعاني من الفيتو من طرف السلطات الجزائرية منذ ثمانية أشهر، ولجأت الحكومة الإسبانية الى وساطة وصغوطات المفوضية الأوروبية من أجل الدفع بإسبانيا للتراجع عن منع دخول البضائع الإسبانية الى اسواقها، وبعد مرور ثمانية اشهر، اعترفت المفوضية الأوروبية بفشلها في إجبار الجزائر على تغيير موقفها، ورفضت الجزائر جميع الوساطات الأوروبية للتأثير على قرارها.
وفي حوار مع جريدة “بيريوديكو ديل ميديترانيو” الإسبانية، أعرب دنيس رودنيت المدير المساعد المكلف بالتجارة في المفوضية الأوروبية عن قلقه من القرار الجزائري لإضراره بالسياسة التجارية الأوروبية وليس فقط مع اسبانيا. ورفض إدانة الجزائر أو إعطاء تاريخ لكي تستقبل الجزائر الصادرات الإسبانية.
واعتبرت جريدة “كونفيدنسييل” موقف المسؤول الأوروبي تهربا من إغضاب الجزائر بسبب حاجة الاتحاد الأوروبي الى الغاز والنفط الأوروبي بعد الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وتسعى أوروبا الى إيجاد بديل للغاز الروسي، وهي ليست مستعدة لأزمة مع الجزائر في وقت تحول فيه البلد المغاربي الى رهان حقيقي للغاز الروسي.
وتخلى الاتحاد الأوروبي عن مساندة اسبانيا في نزاعها مع الجزائر حول الصادرات التجارية، واستغلت دول مثل فرنسا وبالخصوص ايطاليا الازمة وعوضت الصادرات الاسبانية.
وكانت الجزائر قد أعلنت نيتها تجميد العلاقات الدبلوماسية مع اسبانيا ووقف جلب واردات منها حتى حدوث تغيير حكومي في مدريد. ولم تشن اسبانيا حربا دبلوماسية وإعلامية ضد الجزائر، وتكتفي بإعرابها عن استعدادها استئناف العلاقات الثنائية على مبدأ الحوار والاحترام المتبادل.
ودخلت المفوضية الأوروبية، الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، على خط وقف الجزائر تعاملاتها التجارية مع إسبانيا، مؤكدة أنها مستعدة لاتخاذ إجراءات ضد الانتهاك الجزائري لاتفاقية الشراكة المبرمة مع بروكسيل، من خلال وقف العمليات التجارية مع إسبانيا من جانب واحد في كلا الاتجاهين، وذلك منذ يونيو الماضي.
وأكدت ميريام غارسيا فيرير، المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية للتجارة، في تصريح أدلت به لوكالة الأنباء الإسبانية "أوربا بريس"، أن "السياسة التجارية هي اختصاص حصري للاتحاد الأوروبي"، ومن ثم فإن بروكسيل "مستعدة لاتخاذ إجراءات ضد أي إجراء يتم تطبيقه ضد دولة عضو".
وشددت غارسيا فيرير على أنه منذ شهر يونيو الماضي، أبدت المفوضية الأوربية "مخاوفها بانتظام بشأن التداعيات التجارية" لقرار الجزائر، "ولا سيما الشحنات الموقوفة القادمة من إسبانيا".
وفي هذا السياق، أشارت إلى أن بروكسيل ستواصل التنسيق مع الحكومة الإسبانية بشأن هذه القضية و"ستقيم تداعيات" القيود التجارية التي قد تتعارض مع اتفاقية الشراكة القائمة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية "سنواصل أيضا استكشاف جميع الوسائل الممكنة، بما في ذلك على المستوى السياسي، وذلك قصد بحث الحواجز التجارية الجزائرية".
وكانت وزارة الخارجية الجزائرية ردت على تصريحات مسؤول في المفوضية الأوروبية، الذي أعرب عن قلق الاتحاد من استمرار القيود التجارية التي تفرضها الجزائر على المنتجات الإسبانية. واتهمت الجزائر مدريد بعرقلة انعقاد مجلس الشراكة بينها وبين الاتحاد الأوروبي الذي يفترض أن يجسد الأولويات الجديدة للطرفين، حيث لا تكون الجزائر مجرد سوق.
في تصريحات لوكالة الأنباء الجزائرية، أكد مسؤول سامٍ بوزارة الشؤون الخارجية الخميس، أن المدير العام المساعد المكلف بالتجارة في مفوضية الاتحاد الأوروبي “كرس اللبس عمدا بين البعد السياسي والتجاري” من خلال إعرابه عن “قلق” الاتحاد الأوروبي وتطرقه لـ”إجراءات ردعية” مزعومة اتخذتها الحكومة الجزائرية ضد إسبانيا.
وأبرز المتحدث الذي لم يكشف عن اسمه، أن هذا المسؤول الأوروبي لم يتطرق البتة، بطبيعة الحال، إلى الموقف المعرقل للحكومة الإسبانية التي تقف في وجه تبني أولويات الشراكة التي تم التفاوض بشأنها ووضع صيغتها النهائية منذ عدة أشهر في إطار سياسة الجوار الأوروبية، كما أنه غض الطرف أيضا عن موقف إسبانيا غير المسؤول، حيث إنها تستغل بطريقة تعسفية قاعدة الإجماع لعرقلة انعقاد مجلس الشراكة، الذي يعتبر الهيئة السياسية القانونية المكلفة بالخوض في كل الشؤون السياسية والاقتصادية والتجارية”.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي تكشف فيها الجزائر عن دور إسباني في عرقلة انعقاد مجلس الشراكة الذي كانت آخر دوراته في نهاية سنة 2021 عبر تقنية التواصل عن بعد، في ظل استحالة اللقاء بسبب جائحة كورونا. وخلص ذلك الاجتماع إلى إعادة النظر في أولويات اتفاق الشراكة الموقّع بين الطرفين سنة 2002، فالجزائر أصبحت تمتعض من كونها في نظر شركائها الأوروبيين مجرد سوق لتصريف سلعهم، وهي تبحث عن مساعدة في تنويع اقتصادها وإيجاد حصص تصديرية في بلدان الاتحاد خارج مجالات الطاقة.
وتستمر الأزمة بين الجزائر وإسبانيا منذ تاريخ 19 مارس/ آذار الماضي الذي أعلنت فيه الجزائر سحب سفيرها من مدريد، وتطور الأمر لإعلان الرئاسة الجزائرية، التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة مع المملكة الإسبانية سنة 2002. وذكرت الرئاسة الجزائرية في مبرراتها أن هذا القرار جاء على خلفية “شروع السلطات الاسبانية في حملة لتبرير الموقف الذي تبنته بشأن الصحراء الغربية والذي يعد انتهاكا لالتزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية للسلطة المسؤولة عن الإقليم والتي تقع على كاهل مملكة إسبانيا حتى يتم إعلان إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية من قبل الأمم المتحدة”.