الوقت- لم تُصدِّق أمريكا حتى اليوم أنها انسحبت من العراق. بل إن واشنطن ما تزال تحاول السعي للعودة مجدداً، و لكن تحت عناوين و مُبرراتٍ مختلفة. هكذا يمكن بإختصار وصف المحاولات الأمريكية تجاه بغداد لكن التدخل المباشر عسكرياً أو سياسياً، يحتاج لمُبرراتٍ عادةً ما يكون سهلاً على الأمريكيين تجهیز الأرضية لها. لكن و مع تراجع نفوذهم في المنطقة، و تراجع الثقة العراقية بأمريكا، يبدو أن واشنطن اليوم، تواجه مشكلةً في تبرير تدخلها. الى أن صادق الكونغرس منذ أيام على قرارٍ بتسليح البيشمركة في العراق، بحجة دعمهم لمقاتلة تنظيم داعش. فماذا في هذا القرار و الذي يُعتبر تدخلاً أمريكياً واضحا؟ و كيف يمكن تحليل السلوك الأمريكي؟
وافقت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي على تسليح قوات البيشمركة الكردية بشكل مباشر . وقد أعلنت أن أمريكا تهدف من تسليح قوات البشمركة الكردية القضاء على تنظيم داعش بأسرع وقت ممكن . فی حین يعتبر هذا القرار مرفوضاً من قبل السلطة العراقية، لا سيما بعد أن لاقى رفضاً شديداً من مجلس النواب العراقي منذ أن تقدم به "إد رويس" رئيس لجنة العلاقات الخارجية، العام الماضي.
و هنا فإن البحث في مسألة رأي العراقيين، أمرٌ لا يحتاج للتكهن، فمن الواضح أن العراق سياسياً و شعبياً يرفض هذا القرار. و بالتالي، سنقوم فقط بتحليل السلوك الأمريكي، وفق ما یلي:
- لم تعد واشنطن قادرة على تبرير تدخلاتها السافرة تجاه العراق. فالحديث عن محاولتها المساهمة في القضاء على تنظيم داعش، هو من الأمور التي لم يعد يصدقها العراقيون تحديداً، لا سيما بعد أن شَهِدوا الدعم الأمريكي الواضح و العلني لتنظيم داعش خلال حربهم معه، و التي قدموا فيها الكثير من الشهداء، و ما يزالون.
- لذلك فإن المساعي الأمريكي لإقناع العالم و العراقيين تحديداً، لن تنجح. فالعراق الذي يقدم الشهداء و يحقق الإنجازات و الإنتصارات، لن يقبل بالسلوك الأمريكي الذي سيؤدي بالنتيجة الى ضرب المستقبل العراقي. لكن الحديث الذي يجري اليوم، يتخطى القبول أو الرفض العراقي، بعد أن تبينت معارضة العراقيين لذلك، ليطال مسألة ما أثاره القرار الأمريكي من ردات فعلٍ شاجبة، ليس فقط سياسياً، بل على الصعيد الحقوقي، في وقتٍ تُعتبر فيه الخطوة الأمريكية، إنتهاكاً للقوانين الدولية. وبعيداً عن التحاليل، نقول أن واشنطن والتي تدعي أنها دولة الديمقراطية، و الساعية للدفاع عن حقوق الدول و الشعوب، تقوم بخطوةٍ تتخطى فيها الحكومة المركزية في العراق. فلماذا تُقدم واشنطن على ذلك؟
- لم تعد أمريكا قادرةً على إقناع العالم بأهليتها لإدارة شؤون الدول و الشعوب، وهو الأمر الذي يدفعها للإعتماد على دعم ما يمكن تسميته بالأقليات الباحثة عن الحكم الذاتي. وهو ما يبدو جلياً من خلال قيام واشنطن في مد جسور علاقاتٍ متينة مع أطرافٍ داخل الدول، و ليس مع الجهات الرسمية. ما يوقعها في شبهات تخطي القوانين والمواثيق الدولية. في حين لا تكترث واشنطن لذلك، بل تسعى لمصالحها.
- و هنا، فإن هذا الدور السلبي الذي تلعبه واشنطن اليوم، يساهم في ضرب وحدة العراق. ويهدف لتجزئة البلد الذي طالما بقي حلماً للغزاة على مر التاريخ. و لعل أخطر ما يجب التنبه له، هو أن تنظيم داعش والذي بات على حافة الإنهيار، لم يعد يحقق الطموحات الأمريكية، مما يجعل واشنطن تبحث عن بديلٍ لإرساء سياساتها.
على ضوء ما تقدم، يمكن القول و بوضوح أن العراق أصبح اليوم أقوى بعد أن أثبت قدرته على التوحد في مكافحة الإرهاب. و هو الأمر الذي دفع السياسة الأمريكية الى معاقبة العراق، الذي أبهر العالم بإنجازاته. فكان القرار الأمريكي الهادف لضرب وحدة العراقيين. و بين الإنجازات العراقية و محاولات واشنطن التقسيمية، حديثٌ عن الإنتهاك الصارخ للقوانين و المواثيق الدولية. في حين لم يعد يوجد من يدافع عن الحقوق إلا أصحابها. لنقول أنه على العراقيين الذين توحدوا في حربهم على الإرهاب، أن يتنبهوا لما يجري اليوم، و يُفشلوا المخطط الأمريكي. فالعالم بأسره معهم، و الثقة بأمريكا أصبحت معدومة. في وقتٍ تعدت فيه السياسة الخارجية الأمريكية على الحق الطبيعي للشعب العراقي.
إذن لم تعد واشنطن تكترث للقوانين الدولية بل حتى لم تعد تراعي أخلاقيات العمل الدبلوماسي لا سيما في السياسة الخارجية. في حين تهدف واشنطن لإرساء ما ترى فيه مصلحةً لها، فالأساليب لم تعد أولويةً بالنسبة لأمريكا، بل أضحت، لا ترى إلا أهدافها. لنقول أن الخطوة الأمريكية ليست إلا إكمالاً لمسلسل السعي الأمريكي لتقسيم العراق. فيما يجب على العراقيين التنبه. فوحدتهم كانت السلاح الأنجع في مقاتلة الإرهاب. فهل ينجح العراقيون في قتال الإرهاب الأمريكي هذه المرة؟