الوقت- يوم بعد يوم زادت حالات الانتحار في صفوف جنود الاحتلال الإسرائيلي، حتى باتت ظاهرة منتشرة على شكل واسع في صفوف الجيش وليس حالة فردية، حيثُ أكدت احصائيات رسمية خرجت من مركز الأبحاث في الكنيست الإسرائيلي أنه تم تسجيل خمسمئة حالة انتحار سنويًا، على مستوى الكيان ككل، بينها مئة في صفوف جنود الاحتلال ويعتبر الانتحار سبب الوفاة الثاني لدى الفئة العمرية حتى منتصف العشرينيات التي تنخرط في جيش الاحتلال سواء من فترة التأهيل بالتعليم الثانوي للتجنيد أو خلال الخدمة العسكرية الإلزامية وحتى في خدمة الاحتياط. وبعض حالات الانتحار يتم التستر عليها والادعاء أن الوفاة تمت خلال حادث تدريب أو حادث طرق، وذلك بهدف عدم نشر الذعر والخوف في صفوف الجنود الصهاينة.
حسب بيانات رسمية لشعبة القوى البشرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي ووحدة الصحة النفسية في الجيش فإن تنامي الاضطرابات النفسية بصفوف الجنود هو السبب الرئيسي للإقدام على الانتحار، ويعود ذلك لضغوط نفسية واجتماعية وكذلك أمنية وحالة الحرب والاقتتال المتواصلة. وخلُصت الدراسة إلى أن العديد من حالات الانتحار في الجيش لم يتم تشخيصها فقط بإضطراب نفسي، إذ إن معظم الجنود الذين انتحروا عانوا مدة طويلة من قلق بشأن المستقبل، وعاشوا حالة إحباط مستمر، وارتباك شديد، وشعور بعدم الانتماء للإطار العسكري.
وحسب البيانات الرسمية فإنهُ خلال عام 2020 وحده تم تسجيل 1710 طلبات من الجنود للحصول على خدمات صحة نفسية وعقلية، وصنّف 26 جنديًا بأنهم في دائرة الخطر الشديد وتم إنقاذهم من الانتحار. ويؤدي التجنيد والانخراط في الخدمة العسكرية الإجبارية إلى إخراج المجند من البيئة التي يعرفها ما يسبب اضطرابًا كبيرًا في حياته.
وتعتبر الخدمة العسكرية الاجبارية عامل ضغط كبير عندما يتعلق الأمر بالخدمة القتالية والحالة الأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث تكون حياة الجندي في خطر دائم، إضافة إلى انفصال المجند عن حياته المدنية واجباره على التعامل مع ضباط الجيش والانصياع لأوامرهم وتنفيذها بشكل دقيق، وهو ما يخلق لدى الجندي اكتئاباً واضطراباً نفسياً شديداً، وذلك إلى جانب الخوف من الفلسطينيين الذين يواجهون الجنود بشكل شبه يومي وينفذون عملياتهم الفدائية سواء بالطعن أو بالدهس، وهو ما خلق فوبيا للجنود وكان آخرها قتل جندي لزميله بعد أن ذهب لقضاء حاجته وعندما عاد تهيئ لصديقه أنه فلسطيني وأتى لقتله فقام بإطلاق النار عليه.
البيانات الإسرائيلية أظهرت أن عشرين في المئة من المنتحرين هم من الأناث ما يؤكد أن هناك أزمة حقيقية تتعرض لها الفتيات في كيان الاحتلال، وخصوصًا بعد كشف الموقع الرسمي للكنيست أنه تم تقديم 1542 شكوى تحرّش جنسي في الجيش الإسرائيلي خلال عام واحد فقط، وأضاف الموقع إن هذا الرقم هو قليل جدًا لأن النسبة الأكبر ليس لديهم الجرأة والقوة لتقديم الشكوى، وحسب قناة كان العبرية فإن حالات الاغتصاب ارتفعت بشكل كبير أيضًا، ما رفع مستوى القلق والخوف في صفوف قادة الاحتلال، والكثير من حالات الاغتصاب والتحرش هذه تؤدي إلى انتحار الفتاة.
الحروب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزّة أدت لحالة عكسية على كيان الاحتلال الذي حاول كسر الفلسطينيين ومنعهم من النهوض، إلا أن قوة المقاومة وصلابتها وقصفها المستمر للمستوطنات والمدن الإسرائيلية أدت لحالة ذُعر في صفوف جنود الاحتلال وهي أيضًا من أسباب الانتحار، فحسب البيانات شبه الحكومية، فإن نسبة مهمة من المنتحرين كانوا قد خدموا خلال العدوان على قطاع غزّة، وبالتالي هذه الانكسارات والهزائم كسرت جبروت الاحتلال ومزاعمه بأنه الجيش الذي لا يُهزم، وتسلل الخوف إلى صفوف جنوده وباتوا يفضّلون الانتحار على مواجهة الفلسطينيين. ويعتبر المجتمع الصهيوني أحد أسباب الانتحار وخصوصًا المجتمع المتطرف دينيًا، لأن الشاب الذي يذهب للتجنيد يعتبر لديهم أنه ارتكب خطأ دينيًا وبالتالي يصبح خائفًا من العودة لمنزله ومجتمعه وهو ما يدفعه للانتحار أيضًا.
أزمات جنود الاحتلال الإسرائيلي كثيرة وكبيرة وعميقة حيث تبدأ بالادمان والاغتصاب والتحرش ولا تنتهي بالانتحار، فالكثير منهم يخرجون من الخدمة العسكرية وهم مجرمون ويرتكبون الكثير من الجرائم في المجتمع الصهيوني ويعيشون في عزلة، فيتحوّلون لخطر على الشارع الإسرائيلي الذي يعيش حالة من الإرباك والخوف الدائم سواء من الفلسطينيين أو من الجنود الإسرائيليين الآن، وبالتالي طالما أن هذه الأزمات والانكسارات النفسية قد دخلت صفوف جنود الاحتلال يمكن اعتبار الكيان مهزوما من الداخل قبل أن يُهزم من الخارج.