الوقت - في 17 سبتمبر، توفيت الملكة إليزابيث الثانية عن عمر يناهز 96 عامًا، ولها تاريخ حافل بأكثر من 70 عامًا من الحكم في بريطانيا.
اعتبارًا من 2 يوليو من هذا العام، كانت للملكة ثاني أطول فترة حكم في بريطانيا بعد لويس الرابع عشر، وإذا بقيت في السلطة حتى مايو 2024، لکانت امتلكت أطول فترة حكم.
تاريخ عهد إليزابيث الثانية مليء بالسياسات الاستعمارية؛ وهي السياسات التي شملت ليس فقط ما تسمى الدول الشرقية ولكن أيضًا البلدان التي اتحدت على ما يبدو مع لندن. قبل استعراض هذه السياسات، سنناقش المكانة السامية والحاسمة لمؤسسة الملكية في هيكل الحكم البريطاني.
عادةً ما يُعتقد خطأً أن مؤسسة الملكية في بريطانيا هي منصب شرفي، بينما تعتبر الملكة أو الملك في بريطانيا أقوى شخص في هذا البلد من الناحية القانونية.
يتجاوز الوضع القانوني للملكة أو الملك الإجراءات المعتادة. حيث أعطى القانون مؤسسة الملكية سلطةً بلا منازع، وإذا لم يتم استخدامها، فهذا ليس بسبب محدودية السلطة، ولكن بما يتماشى مع التقليد الذي وضع أساسه الحكام من قبل. فيما يلي، نشير إلى جزء من سلطات الملكية في بريطانيا.
حكم النظام الملكي
الشخص الذي يجلس في کرسي الملكية البريطانية، هو من الناحية القانونية القائد العام للقوات المسلحة، ويمكنه إعلان الحرب وإنهاء الحرب وعقد معاهدة سلام.
ويمكن لملكة أو ملك بريطانيا حتى إقالة رئيس الوزراء، وتسليم رئاسة الحكومة لشخص آخر. وبناءً على طلب رئيس الوزراء، يمكنه تعليق عمل البرلمان أو حله كليًا.
على سبيل المثال، في أغسطس 2019، وافق المجلس الملكي الخاص لبريطانيا، برئاسة الملكة إليزابيث، على اقتراح بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، بتعليق البرلمان لمدة خمسة أسابيع عشية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
والنقطة المهمة الأخرى هي أن صلاحيات الملكة أو الملك ليست مقتصرةً على بريطانيا. حيث لديه سلطة في 15 دولة أخرى، وهي الدول التي كانت مستعمرات بريطانية، ومن أهم هذه الدول كندا وأستراليا ونيوزيلندا.
على الرغم من أن الملكة قد تخلت عن سلطتها واکتفت بدورها الاحتفالي، إلا أنه في وضع تكون فيه بريطانيا أو أي من الدول الـ15 الأخرى في أزمة ولا يمكن للمجموعات السياسية التوصل إلى اتفاق على قرار، فإن سلطة الملكية تُستخدم في شکل السيادة المطلقة، وباستخدام سلطتها القانونية فإنها تضع حدًا للفوضى.
من خلال هذه المقدمة، من السهل أن نفهم مدى قوة الملكة إليزابيث الثانية، وبالطبع يمكن أن تُنسب إليها السياسات الاستعمارية البريطانية في العقود السبعة الماضية تجاه البلدان التي كانت تحت سيطرتها.
الاستعمار البريطاني العلني والسري في عهد إليزابيث الثانية
تُظهر فترة أكثر من 70 عامًا من حكم الملكة إليزابيث الثانية، مظاهر واسعة للسياسة التقليدية لهذا البلد، والتي تتمثل في استعمار شعوب أقاصي العالم بما يتماشى مع المصالح البريطانية.
خلال فترة حكم الملكة، كشفت بريطانيا ممارساتها وسياساتها الاستعمارية، وهي "الاستعمار الصريح" و"الاستعمار الخفي".
في إطار الاستعمار الصريح، شهدنا أن دولًا مختلفةً في أقاصي العالم، مثل الهند وإيران وباكستان وأيرلندا وعدد كبير من الدول الأخرى، شهدت نهبًا لثرواتها الوطنية علی أيدي البريطانيين، وفي الوقت نفسه، كانت الحكومة البريطانية أو وكلاؤها تحکم هذه البلدان.
مع مرور الوقت وتطور أدوات الإعلام، وجدت بريطانيا والملكة إليزابيث أن استمرار السياسات الاستعمارية الصريحة والعلنية لا يتماشى مع مصالحهما، ولذلك تبنت سياسةً جديدةً هي الاستعمار الجديد أو الخفي والمؤسسي.
وفي هذا الإطار، غادرت بريطانيا ظاهريًا العديد من البلدان التي كانت مستعمراتها سابقًا؛ ومع ذلك، فقد تركت داخلها هياكل وأطراً استعماريةً تخدم مصالحها بالفعل. وهذه المرة، وبتكاليف أقل بكثير، تابعت السياسات الاستعمارية تجاه بلدان مختلفة من العالم، وهو الإجراء الذي استمر حتى يومنا هذا.
الملكة التي تُعرف بالمستعمِرة
تُعرف الملكة باسم المستعمِرة ليس فقط بين الدول الأخرى، ولكن أيضًا بين المواطنين الخاضعين للانتداب البريطاني.
في آب(أغسطس) الماضي، عندما أدت ليديا ثورب اليمين كعضو في مجلس الشيوخ الأسترالي، رفعت يدها ووصفت ملكة إنجلترا بأنها "مستعمِرة".
تنتمي ليديا ثورب إلى حزب "الخضر" في أستراليا، وتمثل السكان الأصليين لهذا البلد في مجلس الشيوخ الأسترالي؛ وهم الأشخاص الذين واجهوا الكثير من المعاناة مع بداية الاستعمار البريطاني في هذا البلد، ونجا 10٪ منهم فقط من المستعمرين والأمراض التي جلبوها معهم.
حرب الملكة الدامية في قناة السويس
يرتبط أحد مظاهر سيطرة الملكة خارج الحدود البريطانية، بأزمة قناة السويس عام 1956.
قام جمال عبد الناصر، رئيس مصر في ذلك الوقت، بعد وصوله إلى السلطة، بحلّ النظام الملكي وإعلان قناة السويس وطنيةً. ولهذا السبب، دخلت بريطانيا، بإذن من إليزابيث الثانية، في حرب مع مصر إلى جانب الکيان الصهيوني وفرنسا. ونتيجةً لتلك الحرب الدامية، أغلقت قناة السويس عدة أشهر، وقتل ألفان من الجنود المصريين.
سجل الملكة الأسود في القارة السوداء
إن قتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص في تمرد السكان الأصليين لكينيا ضد الحكم الاستعماري البريطاني خلال عام 1952(وهو نفس العام الذي ورثت فيه إليزابيث الثانية العرش) حتى عام 1960، يعدّ أحد الأمثلة التاريخية الأخرى المسجلة في السجل الأسود للملكة إليزابيث الثانية.
الحكومة البريطانية تقبل أن شعب كينيا قد تعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة من قبل عناصر الحكومة الاستعمارية، وتأسف بشدة للانتهاكات التي ارتكبت بحق شعب كينيا.
وفي هذا الصدد، منذ ما يقرب من عقد من الزمان، أكد ويليام هيغ، وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت، علی مقتل الناس في كينيا، وقال: "تقبل الحكومة البريطانية أن شعب كينيا قد تعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة من قبل عناصر الحكومة الاستعمارية، وتأسف بشدة للانتهاكات التي تعرض لها شعب كينيا".
كراهية الشعب الايرلندي لبريطانيا
لأكثر من 200 عام، تطالب الجماعات الداعية للجمهورية والاستقلال في أيرلندا بالانفصال الكامل عن بريطانيا، وقدمت العديد من الضحايا في هذا الطريق.
وبهذه المناسبة، في مايو 2011 وبالتزامن مع زيارة إليزابيث الثانية إلى أيرلندا الشمالية، نظمت مظاهرة كبيرة مناهضة للملكية والاستبداد البريطاني، تعرض خلالها العديد من مؤيدي الاستقلال للضرب من قبل الملكيين.
انقلاب 28 أغسطس في إيران
من الأحداث الخاصة الأخری في عهد الملكة إليزابيث، كانت دور بريطانيا في انقلاب 28 أغسطس والإطاحة بحكومة الدكتور مصدق وإعادة محمد رضا شاه إلى إيران.
بهذا الانقلاب، تم نسيان تأميم صناعة النفط، ومع إبرام اتفاق الكونسورتيوم، وُضِع امتياز النفط الإيراني تحت سيطرة الدول الأجنبية.
يُعرف هذا الانقلاب، الذي تم تنفيذه بالتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا وتنسيق من حكومة الشاه، باسم عملية أجاكس. بالطبع، كانت بريطانيا قد خططت سابقًا للإطاحة بحكومة مصدق، لكن عندما تم الكشف عن الانقلاب، أمر مصدق بإغلاق السفارة البريطانية وطرد جميع دبلوماسيي هذا البلد.
كان من المفترض تنفيذ الخطة الثانية في 25 أغسطس. في منتصف ليل 24 أغسطس، تم الإعلان عن رمز العمليات على إذاعة بي بي سي وهو "الساعة الآن منتصف الليل بالضبط"، ولکن تم اكتشاف هذا الانقلاب وفشل أيضًا. ويعتبر بعض المؤرخين انقلاب 25 أغسطس غطاءً لتنفيذ عملية 28 أغسطس.
تراجع رأس المال الاجتماعي للمؤسسة الملكية في بريطانيا
على عكس الموالين للغرب في إيران، الذين يصورون مؤسسة الملكية في بريطانيا كرمز للعقلانية والوحدة الوطنية، فقد عانت هذه المؤسسة من انخفاض حاد في رأس المال الاجتماعي بين قطاعات مختلفة من الشعب البريطاني، والبلدان الأخرى تحت السيادة البريطانية.
على سبيل المثال، استنادًا إلى نتائج استطلاع مؤسسة "يوجوف" التي نُشرت في مايو من العام الماضي، فإن 41٪ من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا يريدون أن يقودهم شخص منتخب، و31٪ يريدون استمرار الملكية.
المتظاهرون يقاطعون الملكة
تعتبر الملكة شخصيةً مثيرةً للجدل ولا تحظى بشعبية ليس فقط بين الشعب البريطاني، ولكن أيضًا بين شعوب البلدان الأخرى.
وكانت إحدى العلامات المهمة لفهم المكانة المتدنية للملكة في الرأي العام، هي الإجراء الذي اتخذه القسم الفارسي في "بي بي سي" في تغطية أخبار وفاة الملكة. حيث نشرت قناة بي بي سي الفارسية علی إنستغرام خبر وفاة إليزابيث الثانية، مع عدم السماح لجمهورها بنشر تعليقات تحت الخبر، وهو عمل انعكس على نطاق واسع في الفضاء الافتراضي.
محطة بي بي سي الفارسية، التي تشجع دائمًا مستخدمي الفضاء الافتراضي على إبداء آرائهم، وتجري العديد من المكالمات الهاتفية في برامجها التلفزيونية للتظاهر بأن رأي الجمهور مهم بالنسبة لها، تنحرف بسهولة عن هذه السياسة عندما يتماشی ذلك مع مصالحها.
كما أغلقت بي بي سي الفارسية العام الماضي(أبريل 2021) أيضًا، في إجراء مماثل رافقه العديد من ردود الفعل في الفضاء الإلكتروني، قسم التعليقات على خبر وفاة زوج الملكة الأمير فيليب، ولم تسمح لجمهورها بالتعليق علی هذا النبأ.