الوقت- كانت حكومة الإمارات متورطة في العدوان ضد اليمن من خلال مشاركتها في تحالف العدوان العربي الأمريكي منذ البداية ولقد أرسلت أكبر القوات والمعدات العسكرية إلى اليمن بعد السعوديين. ولقد اختتم القادة الإماراتيون، الذين اعتقدوا في البداية أن الإنفاق العسكري الهائل الذي أنفقوه على حرب اليمن سيحقق أهدافه الاستراتيجية في هذا البلد الفقير، ومنذ بداية العدوان على اليمن، كانت استراتيجية الإمارات في اليمن مختلفة عن الاستراتيجية السعودية. حيث كان الهدف الرئيس للسعوديين هو إضعاف جماعة "أنصار الله" حتى تعود السلطة مرة أخرى إلى الرئيس اليمني المستقيل "عبد المنصور هادي"، وتوسيع نفوذ الرياض في اليمن، وتعزيز الوضع الأمنيعلى الحدود اليمنية السعودية. لكن الإمارات حاولت توسيع نفوذها في المناطق الساحلية وجنوب اليمن لتستخدمه في تعزيز وجودها على الخطوط البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب وأجزاء من القرن الافريقي وحاولت الإمارات بشكل أساسي التأثير على مجرى الأحداث في جنوب اليمن من أجل إضعاف حكومة "عبد ربه منصور هادي" المستقيلة ومنعها من مواجهة أهداف الإمارات في المنطقة.
أهمية جزيرة سقطرى اليمنية
سقطرى هي أرخبيل يمني مكون من 6 جزر تقع في المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الإفريقي، بالقرب من خليج عدن، وتبعد 350 كم على شبه الجزيرة العربية. ويشمل الأرخبيل جزر "سقطرى، ودرسة، وسمحة، وعبد الكوري، وصيال عبد الكوري، وصيال سقطرى"، بالإضافة إلى 7 جزر صخرية أخرى، وهي "صيرة، وردد، وعدلة، وكرشح، وصيهر، وذاعن ذتل، وجالص". وتعتبر جزيرة سقطرى أكبر الجزر العربية، ويبلغ طولها 125 كم وعرضها 42 كم، ويبلغ طول الشريط الساحلي 300 كم، وعاصمة الجزيرة "حديبو". وعلى نفس هذا المنوال، كشف موقع "ساوث فرونت" الأمريكي المتخصص في الأبحاث العسكرية، نهاية آب الماضي عن عزم الإمارات وإسرائيل إنشاء مرافق عسكرية واستخبارية في جزيرة سقطرى. ونقل الموقع المتخصص في الأبحاث العسكرية والاستراتيجية عن مصادر عربية وفرنسية، أن وفدا ضم ضباطا إماراتيين وإسرائيليين قاموا بزيارة الجزيرة مؤخرا وفحصوا عدة مواقع بهدف إنشاء مرافق استخبارية. وعلى إثر ذلك، خرجت المظاهرات الحاشدة في المحافظات الجنوبية ومديرياتها رفضاً للوجود الإسرائيلي في جزيرة سقطرى واستنكاراً للتطبيع مع الكيان الصهيوني ونصرة للقضية الفلسطينية، وأحرقت المسيرات الجنوبية في عدن وأبين ولحج وحضرموت وكل مدن الجنوب العلم الإسرائيلي ورددت شعارات رافضة للتطبيع وداعمة للقضية الفلسطينية.
الاطماع الإماراتية في جزيرة سقطرى
بعد إعلان دولة الإمارات عن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني قبل عدة أسابيع، قام قادة أبو ظبي بإعطاء الصهاينة هدية خاصة في جزيرة سقطرى اليمنية (غرب بحر العرب) لجعل خيانتهم أكثر وضوحا لشعوب المنطقة. حيث قام النظام الإماراتي، الذي يحتل أجزاء من جنوب اليمن (مناطق واسعة من محافظة لحج، والمناطق الجنوبية من محافظة الضالع، والمناطق الغربية من محافظة شبوة، والمناطق الجنوبية من محافظة حضرموت، والمناطق الجنوبية الغربية من محافظة أبين جنباً إلى جنب مع محافظة عدن، عبر عناصر خاضعة لقيادته (قوات المجلس الجنوبي الانتقالي)، بالتنازل للكيان الصهيوني عن حق بناء قاعدة عسكرية له في جزيرة سقطرى. إن مغامرة دولة الإمارات في بناء قاعدة عسكرية للصهاينة في جزيرة سقطرى ليست فقط لتغيير ميزان القوى وتقليص النفوذ السعودي في المناطق الجنوبية من اليمن، بل إن هذه الخطوة الخطيرة ستوفر فرصة للكيان الصهيوني للتحرك في هذه المنطقة بشكل حر وسلس. ومن خلال التمركز في هذه الجزيرة التي تبلغ مساحتها 3769 كيلومترًا مربعًا، سيكتسب الجيش الصهيوني أيضا ميزة عسكرية خاصة في المحيط الهندي، فضلاً عن فرصة مراقبة التطورات في خليج عمان وضواحيها، بما في ذلك الخليج الفارسي.
لماذا تسعى الإمارات إلى استغلال الحرب اليمنية؟
في هذا الصدد، يرى عدد من الخبراء أن انتهاء الحرب اليمنية ليس في مصلحة الإمارات، وطالما أن أبو ظبي غير متأكدة من هيمنتها على الجزيرتين الاستراتيجيتين سقطرى وميون فإنها لن تسعى لوقف الحرب اليمنية. وعليه، تحاول أبو ظبي إبقاء السعودية في هذا المستنقع وهذه الحرب. وفي هذا الصدد، يحاول القادة الإماراتيون إقناع حكومة "جو بايدن" بعدم وقف الحرب في اليمن، وبالتأكيد اقناعهم بإتمام صفقات الأسلحة التي تبلغ قيمتها مليار دولار مع السعودية وذلك لأن هذه الصفقة إذا تمت فإن الحرب في اليمن ستستمر. ومن ناحية أخرى، فإن قادة البيت الأبيض الجدد، الذين ادعوا وقف جرائم تحالف العدوان السعودي في حرب اليمن، أصبحوا الآن في مأزق الوفاء بوعودهم أو استمرار الاستغلال الاقتصادي للحرب اليمنية. إن الواقع والمصير النهائي لهذه الحرب مرهون بطرفين رئيسيين هما السعودية وحركة "أنصار الله" وما إذا كان بإمكان السعوديين إيجاد مخرج كريم لهم من المستنقع اليمني، أو ما إذا كان بإمكان اليمنيين فرض إرادتهم على السعودية وحلفائها من خلال تغيير ميزان القوى لمصلحتهم، وفي النهاية كسر الحصار والحصول على تعويضات
إن رؤية الإمارات لجزيرة سقطرى من خلال العيون الصهيونية يعني فصل الجزيرة عن اليمن وتغيير موقعها الجغرافي، بحيث يمكن لأبوظبي والكيان الصهيوني أن يراقبوا بشكل استراتيجي المناطق والطرق البحرية الاستراتيجية مثل بحر عمان والمحيط الهندي وبحر العرب إلى باب المندب والتجسس على المنطقة بشكل كامل. وقبل بضعة أشهر، أعلنت الإمارات أيضًا أن أبو ظبي نفذت مؤخرًا حزمة جديدة من الإجراءات، بما في ذلك شبكات الاتصال، لتغيير طبيعة وثقافة سكان سقطرى والسيطرة على هذه الجزيرة المهمة والاستراتيجية في المحيط الهندي. وكذلك وبعد الاتفاق الأخير مع الكيان الصهيوني، قامت أبو ظبي بإنشاء وتطوير شبكات الاتصالات الإنترنت في الجزيرة وتجهيزها بالمعدات وخطوط الاتصال الإماراتية. وإضافة إلى هذه الأنشطة، وضعت دولة الإمارات تدابير أخرى على جدول أعمالها لتغيير الهوية اليمنية للجزيرة، بما في ذلك تغيير تقاليد سكان الجزر في مجال الزواج والملابس التقليدية النسائية وغيرها من القضايا؛ كما يقدمون دورات تعليمية وخاصة لأطفال سقطرى ويعلمونهم تاريخ الإمارات ويعتقد سكان سقطرى أن تصرفات الإمارات تهدف إلى إجبارهم على مغادرة الجزيرة وقبول عروض خادعة لبيع أراضيهم لاستبدالهم بالأجانب.
وفي الختام يمكن القول إنه أصبح لا يخفى على أحد أن الهدف الأساسي للإمارات في جزيرة سقطرى وجزيرة ميون هو موقعهما الاستراتيجي الذي يتلاءم تماماً مع تصورها لنفسها كإمبراطورية بحرية، تسيطر على خطوط إمدادات الطاقة عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والسيطرة على ميناء عدن الاستراتيجي. فمن يهيمن على سقطرى وميون لاسيما ببناء قواعد عسكرية برية وبحرية بالجزيرة يمكنه أن يسيطر على الملاحة قرب مجموعة أهم المضائق المائية في العالم، فهاتين الجزيرتين ليستا بعيدتين عن مضيق هرمز وقريبة لمضيق باب المندب ومنه إلى قناة السويس. وتاريخياً دفعت الأهمية الاستراتيجية لأرخبيل سقطرى وميون الطامعين الأجانب إلى محاولة احتلالها والسيطرة عليهما. كما يمكن القول إن الهدف لم يكن يوما فرض السلام في اليمن ولا التصدي لتوسع قوات "أنصار الله" كما تزعم الإمارات على الدوام بقدر ما هو خدمة أسيادها من الصهاينة وتمهيد الطريق لهم حتى يتحولوا إلى قوة بحرية كبرى تهدد الأمن القومي العربي وتقلب القوى لمصلحتها وهو ما دأبت الإمارات على الاشتغال عليه بكل عزم يقيم الدليل على خيانتها الواضحة وانخراطها العلني في الحرب على العرب والمسلمين.