الوقت- قدمت حكومة رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن مقترح لتسوية ودية لاسترداد الأموال المنهوبة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفلية. و قد جاء ذلك ضمن وثيقة مخطط عمل الحكومة التي صدرت هذا الشهر والتي سوف تتم مناقشتها في البرلمان الجزائري خلال الأيام القادمة.
و بناء على الوثيقة فإن الحكومة الجزائرية عازمة على مواصلة محاربة الفساد و المحاباة و المحسوبية، لاسيما من خلال إصلاح قانون الوقاية من الفساد و مكافحته و تشديد العقوبات فيما يخص جرائم الفساد.
و مما جاء في الوثيقة أيضاً " سيتم تعزيز الجهاز الذي تم الذي تم وضعه لتسيير الأملاك المحجوزة مزع إدراج أحكام خاصة لتسيير الشركات محل المتابعات القضائية”، في إشارة إلى شركات رجال أعمال مسجونين مقربين من بوتفليقة و تم الإشارة ضمن الوثيقة إلى أنه سوف يتم "اعتماد طريقة تسوية ودية تضمن استرداد الأموال المنهوبة"
و من الأمور التي أكدت عليها الوثيقة بهدف محاربة الفساد، مراجعة الإطار التشريعي المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب”. بالإضافة إلى “مراجعة قانون تنظيم الصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، من أجل تفضيل التسوية الودية عبر الإجراءات الجزائية بهدف تعزيز القدرات المالية للبلاد”. و يتضمن برنامج عمل حكومة أيمن بن عبد الرحمن أيضا تعزيز الشفافية في تسيير الأموال العمومية وتتبعها والوصول إلى الصفقات العمومية، وتجديد الإطار القانوني المطبق على الموظفين العموميين من خلال وضع منظومة قانونية للوقاية من تضارب المصالح في الحياة العامة وتطوير آليات جديدة للمراقبة من أجل ضمان نزاهة الموظفين العموميين والتسيير الجديد للأموال العمومية .
و في غضون أسبوع يشرع المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) في مناقشة مخطط عمل الحكومة، قبل إحالته على مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان).
و من الجدير بالذكر أنه لا يوجد رقم رسمي حول حجم الأموال المهربة خلال عهد بوتفليقة الذي استقال من الرئاسة في 2 أبريل/ نيسان 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية مناهضة لحكمه اندلعت في 22 فبراير/ شباط من العام نفسه. لكن بحسب تصريح لمرشح الانتخابات الرئاسية السابقة عبد القادر بن قرينة، إن حجم تلك الأموال يفوق 100 مليار دولار في حين قدرها اقتصاديون بنجو 200مليار دولار وبحسب تصريح سابق لنقيب المحاميين الجزائريين عبد المجيد سيليني تحدث فيه عن آلية استرجاع الأموال المنهوية الموجودة خارج البلاد، قال "الاتفاقيات الدولية تساعد، ولكن لا بد على الدول الأخرى غير الآمنة مثل الإمارات وهونغ كونغ أن تقبل بالتعامل مع هذه الاتفاقيات، أما على المستوى الأوروبي فالأمر أسهل"
حجم الفساد في حقبة بوتفليقة
منذ تنحي الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة من الحكم في 2 أبريل/نيسان الماضي تحت ضغط الحراك الشعبي، شن القضاء الجزائري حملة ضد الفساد أصدرمن خلالها أوامر حبس أودع بموجبها رجال أعمال ومسؤولين سياسيين السجن بتهم الفساد وتبديد أموال عمومية قدرها اقتصاديون بمئتي مليار دولار خلال فترة حكم بوتفليقة. و كان عبد القادر بن قرينة أحد مرشحي الاتنخابات الرئاسية قال إن “الفساد استنزف أموالا طائلة تم تحويل أغلبها للخارج”. و تابع إن مصادرة ممتلكات المتهمين بالجرائم الاقتصادية في الجزائر لا تساوي شيئا، مقارنة بحجم الأموال المنهوبة، والتي يقدرها المختصون بما يعادل مداخيل الجزائر لثلاث سنوات”
و لم تتوقف مكافحة الفساد عند رجال الأعمال فقط، بل تم إيداع مسؤولين سياسيين من "الوزن الثقيل" السجن، وقد أوضح الخبير الاقتصادي عبد الحميد علوان أن رجال الأعمال الموقوفين كانوا يعملون تحت غطاء سياسي سهل لهم توسيع نشاطاتهم وتلقي تحفيزات. وعن تهريب الأموال إلى الخارج، يكشف علوان أنها كانت تتم بطريقتين، الأولى تضخيم الفواتير، مستدلا بتصريح وزير التجارة الراحل بختي بلعايب الذي قال "إن 30% من قيمة الواردات كانت عبارة عن فواتير مضخمة". أما الطريقة الثانية تتمثل في المشاريع الوهمية، وذلك باقتناء سلع غير مطابقة لما صرح به المستورد، وكان يتم ذلك بتواطؤ مع مصالح الجمارك والممونين.
وكانت وزارة العدل قد اعلنت قبل أشهر أن القضاء حجز على أموال قدرت بـ 850 مليون دولار، إضافة إلى مركبات وعقارات، في إطار تحقيقات فساد حقبة بوتفليقة، متواجدة على التراب الجزائري.
المهمة الأصعب
سبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، التصريح بأن أغلب دول الاتحاد الأوروبي أبدت استعدادها لمساعدة بلاده في استرجاع الأموال المهربة خلال عهد بوتفليقة ولكن على الرغم من أن هذه التطمينات تبدو أمرا إيجابيا ودافعا للجزائريين للتحرّك من أجل استرجاع أموالهم، إلا أن التجارب المماثلة لدول الربيع العربي التي نجحت في إسقاط رؤوس الأنظمة التي كانت تحكمها قبل العام 2011، وتعلّقت بذمتهم أموال طائلة تمّ نهبها وتهريبها إلى الخارج، غير مشجعة على الإطلاق. حيث أكّدت التقارير الدولية حول تهريب الأموال المنهوبة من دول الربيع العربي، أنّ ما يفوق 132 مليار دولار نهبت من مصر وهربت ولا تزال مفقودة منذ يناير/كانون الثاني 2011. كما قُدِّرت الأموال المنهوبة من تونس والمُهرَّبة خارجها ما يفوق 50 مليار دولار وهو ما يفوق 3 أضعاف ميزانية تونس في العام 2019، وبلغت الأموال المختلسة من أموال الشعب الليبي أكثر من 140 مليار دولار.
في المقابل يستبعد المستشار السابق بالأمم المتحدة والخبير الاقتصادي عبد المالك سراي إمكانية استرجاع الأموال التي تم تحويلها من قبل المسؤولين الفاسدين نحو بنوك الدول غير المراقبة، والتي تم استغلالها أيضا في شراء عقارات ومشاريع تجارية واقتصادية في الخارج. حيث أنّ "هناك 30 % من الأموال لا يمكن معرفة وجهتها ومراقبتها، بل يتعذر حتى على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس ونادي لندن وغيرها من المنظمات مراقبتها"
ويضيف: "هناك بنوك صغيرة لا يمكن مراقبتها، وهناك حيل قانونية اعتمدها الناهبون في تحويل الأموال من خلال استعمال حيل قانونية يصعب كشفها من خلال استعمال أسماء أولادهم وأقاربهم وأصدقائهم في المعاملات المالية، وهو ما يقف حائلا دون إمكانية تحريك العدالة تجاه الأموال المودعة بأسماء الأشخاص غير المتهمين بقضايا تبديد أموال الدولة". الأمر الذي جعل الحكومة الجزائرية تتجه إلى الأسلوب الودي في استرجاع أموال الشعب المنهوبة.