الوقت- بعد وقت قصير من إعلان وزير الدفاع الأمريكي أن واشنطن تدرس إرسال قوات خاصة إلى سوريا، أجاز الرئيس الأمريكي باراك أوباما إرسال هذه القوات للمشاركة ميدانيا في جهود "الحرب على تنظيم داعش الارهابي". عدد القوات التي ينوي أوباما إرسالها لا يزيد عن خمسين فرداٌ ما ينقل الاستراتيجية في حربه على تنظيم داعش من الغارات الجوية ومساعدة قوات محلية على الأرض إلى مشاركة برية مباشرة في الحرب في سوريا.
هذه التطورات العسكرية تأتي في وقت اجتمعت فيه قوى دولية وإقليمية في فيينا في محاولة لإيجاد حل للأزمة السورية. ثلاث عشرة دولة منها إيران حضرت على طاولة مفاوضات سوريا التي يغيب عنها الجانب السوري بشقيه، حكومة دمشق والمعارضة. السؤال الذي يتبادر الی الذهن أن ماهي الأهداف الحقیقیة التي تکمن وراء إرسال هذه الجنود إلی سوریا، لکن قبل الإجابة علی هذا السؤال نأتي بآراء الساسة الأمريكيين المؤيديين والمعارضين لهذه الخطة وأیضا وجهة نظر الإعلام الأمریکي حول هذا الموضوع.
آراء أمريكية داخلية
لاقت الخطة الأمريكية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما بارسال جنود الى سوريا أصداء في الآوساط الداخلية الأمريكية، حيث أكدّ الديبلوماسي الامريكي السابق ورئيس مجلس العلاقات الدولية ريتشارد هاس الذي یعتبر من المؤيدين و المقربين لأوباما، انّه في حال نجاح خطة ارسال قوات امريكية الى المناطق السورية الشمالية سيؤدي الى تقسيم سوريا، و اعتبر أن ما سينتهي إليه الأمر هو أنه في حال نجحت هذه الخطة فإنه سيكون هناك قرابة ست مناطق في سوريا واحدة للنظام السوري وأخرى للأكراد وثالثة لداعش وأخرى للنصرة وغيرهم وهذا ماتنظر اليه الولايات المتحدة الى اضعاف محور الممانعة في منطقة الشرق الأوسط في مقابل الكيان الصهيوني. وقلل هاس من شأن هذه الخطوة واعتبرها أنها ليست طموحة بما فيه الكفاية، و الضرر أكثر من الفائدة.
فیما قرار إرسال قوات برية إلى سوريا أثار انتقادات من بعض الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس، حيث اتهم بعض النواب أوباما بأنه يخطىء بتعريض العسكريين الأمريكيين للخطر، فيما حذر أخرون من أن هذه الخطوة صغيرة للغاية لإحداث فرق و عواقبها وخيمة. حيث اعتبر رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمریكي السيناتور جون ماكين أن القرار الجديد لن يؤثر ولن يساعد في إضعاف تنظيم داعش. وفي نفس السياق أعرب وزير الدفاع الامريكي اشتون كارترعن تخوفه من تعرض القوات الامريكية للخطر.
وجهة نظر الصحافة الأمريكية
بعد دخول القوات الروسية الى جانب الحكومة السورية بعد طلب الأخيرة، انقلبت جميع الموازين على الساحة السورية، وأخذت القوات البرية السورية تحرز الانجاز تلو الآخر، و قد اعترفت صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” الأمريكية التي سلطت الضوء على تغيّر الوضع في سوريا لصالح قوات التحالف الرباعي السوري-الروسي-الايراني و حزب الله.
و اعتبرت الصحيفة أنّ واقعية سياسة أوباما الخارجية تجلت بصورة كاملة هذا الأسبوع عبرإعلان البيت الأبيض عن إرسال ما يقل عن 50 من قوات العمليات الخاصة إلى شمال سوريا و انتقدت الصحيفة هذه الخطوة ووصفتها "بالخطاء الكبير" و اعتبرت ايضاً أنّ هذه الخطوة تلغي تعهدات أوباما من قبل بعدم ارسال قوات امريكية في قتال على الارض و عدم تعريضهم للخطر، وأوضحت الصحيفة أنّ هذه التطورات تعكس الاعتراف بتغير الظروف على الأرض لصالح قوات النطام في سوريا.
من جانبها، رصدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن قرار إرسال قوات أمريكية إلى سوريا يأتي متزامنا مع تغير الإدارة الأمريكية بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد في محادثات دولية انعقدت في فيينا، موضحة أن مسؤولين أمريكيين كانوا يطالبون من قبل برحيل الأسد وعدم مشاركته في أي هدنة، الا أنهم الآن أعربوا عن استعدادهم للسماح ببقاء الأسد في السلطة.
الأهداف الأمريكية من ارسال الجنود
بعد تحليل و قراءة الأراء الدبلوماسية الأمريكية و تحليل المقلات التي عرضناها سابقاً، تتبين بوضوح الأهداف الأمريكية جراء ارسال قوات عسكرية الی سوريا و من أهمها:
1- تعزيز وجودها في المنطقة وطمأنة حلفائها الذين اخذوا بمراجعة حساباتهم وتخوفهم من انعكاس التحالف الروسي الايراني السوري على المنطقة ضمن عملية إحداث توازن لن يكون في صالح التحالف الامريكي.
2- احداث نوع من التوازن في الساحة العسكرية و إبراز نفسها محاربا للإرهاب على أرض الواقع وكسب بعض الأوراق للعب بها في الإجتماعات التي تعقد حول سوريا أو بعد إنتقال الملف السوري من المرحلة العسكرية الى المرحلة السياسية.
3- الخروج من المأزق الذي تعاني منه الادارة الامريكية بفعل التغيرات التي حدثت بشان الازمة السورية، والصراع المحتدم في سوريا نتيجة الدخول المباشر للروس الذي غير وقلب موازين القوى على الارض.
4- تجديد وعد بلفور و ذلك بتقسيم سوريا الى اقسام متعددة و قسم بيد النظام السوري و قسم بيد الأكراد و قسم بيد الجماعات الأخرى و لتحقيق هذا التقسيم يجب التدخل ميدانياً لأن الضربات الجوية أثبتت أنها بدون نفع.
خلاصة القول، ان دخول روسيا عسكرياٌ فی سوریا الى جانب النظام السوري غيّر وقلب موازين القوى على الارض وخلط الاوراق من جديد و ذلك انعكس سلبا على المخطط الامريكي الهادف الى التقسيم، واجبرها على الرضوخ الى ما اسفر عنه مؤتمر فينا الذي اقر المجتمعون بضرورة الحفاظ على وحدة سوريا ومحاربة الارهاب، وأجبرها على الاعتراف بأهمية بقاء الرئيس السوري بشار الاسد المحارب للارهاب.