الوقت- عُقد اجتماع وزراء الاقتصاد ورؤساء البنوك المركزية لمجموعة العشرين في السعودية منذ يوم السبت. وتزامن أول اجتماع للمجموعة في الرياض منذ رئاسة السعوديين عليها، مع التحدي الاقتصادي الذي أوجده انتشار فيروس كورونا.
تبحث الاقتصادات الكبيرة حالياً عن حلول سريعة لتجنب الانكماش الاقتصادي العالمي، بسبب الأزمات الناشئة مثل انتشار كورونا والتوترات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية الجديدة.
جدول أعمال اجتماع الرياض الأول
تتكون مجموعة العشرين من 19 دولة والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك جميع الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن. وتمثل هذه الأعضاء العشرون ثلثي الاقتصاد العالمي، و85٪ من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وفي المجموع، لديها ثلاثة أرباع التجارة العالمية. وتتولى السعودية رئاسة مجموعة العشرين منذ يوم الأحد 10 ديسمبر حتی نهاية نوفمبر 2020.
من المقرر أن تعقد مجموعة العشرين اجتماعها الرئيسي يومي 21 و22 نوفمبر 2020 في العاصمة السعودية الرياض، ولكن هناك مؤتمرات واجتماعات تعقد هذا العام قبل الاجتماع الرئيسي، وعادةً سيقوم السعوديون بإعداد جدول أعمالها.
سيناقش أول اجتماع للمجموعة والذي يستمر يومين في السعودية، نمو الاقتصاد العالمي، بعض القضايا التي أثيرت في اتفاقية التجارة بين الصين والولايات المتحدة، الخلافات الأوروبية والأمريكية في الإعفاءات المالية، عمالقة التكنولوجيا الأمريكية، أزمة فيروس كورونا والعملات الرقمية.
تحديات اجتماع الرياض
من بين أكثر المواضيع التي نوقشت في هذا الاجتماع، قضية إعفاء الخدمات الرقمية لشركات التكنولوجيا الأمريكية.
لقد بدأ فرض الضرائب على الخدمات الرقمية التي تدعی "غافا"، باقتراح من فرنسا العام الماضي، وخلال هذا العام حقق ثروةً قدرها 400 مليون يورو لأوروبا. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الإيرادات إلى 600 مليون يورو في العام الجديد. وتشمل هذه الشرکات الأمازون وجوجل وفيسبوك، والتي كانت معفاةً من الضرائب لمدة عقد.
وفي أواخر عام 2019، دعت وزارة الخزانة الأمريكية في خطاب موجه إلى أوروبا، إلى الإعفاء الدولي لهذه الشركات من ضريبة الخدمات الرقمية، الأمر الذي عارضته فرنسا. ويرى وزير الخزانة الأمريكي "ستيفن مانوشين" الآن أن هذا الاجتماع فرصةً جيدةً لإعادة إثارة هذا الطلب الأمريكي.
وزراء المالية وغيرهم من كبار المسؤولين في اجتماع الرياض، أعربوا عن قلقهم من الجمود بشأن خطط الحكومات الأجنبية لفرض ضرائب جديدة على شركات التكنولوجيا الأمريكية. وقال "أنجيل جوريا" الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في مقابلة على هامش مجموعة العشرين: "يبدو أن التوترات التجارية اليوم أقل خطورةً بالمقارنة مع النتائج المترتبة على شيء من هذا القبيل".
لكن مسؤولين اقتصاديين كبار حذروا يوم السبت من أن المعركة الضريبية الدولية لهذا العام بين الولايات المتحدة وأوروبا ستشكل تهديدًا جديدًا للاقتصاد العالمي، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن إعفاءات الخدمات الرقمية. وقلق الاقتصاديات العالمية هو أنه بعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، ستبدأ مثل هذه العملية بين أوروبا والولايات المتحدة.
وكان من بين النقاط المهمة الأخرى للاجتماع، تأثير انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، حيث قتل الفيروس 2345 شخص حتى الآن. وهناك حوالي 76 ألف شخص في الصين و1300 شخص من خارج الصين، قد أصيبوا بهذا الفيروس.
مركز "أكسفورد إيكونوميك" للبحوث أعلن في أحدث توقعاته: "قد يؤدي انتشار فيروس كورونا خارج آسيا إلى خفض النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 1.3٪، وإلحاق أضرار بقيمة 1.1 تريليون دولار بالاقتصاد العالمي".
وقد تراجعت أسهم شركات مثل "أبل" حتى الآن أكثر من عشرة مليارات. والصين هي أكبر سوق مبيعات أبل بعد الولايات المتحدة وأوروبا.
وقالت رئيسة صندوق النقد الدولي "كريستالينا جورجيفا" في الاجتماع: "إن انتشار هذا المرض يقلل من النمو العالمي بنحو 0.1 في المئة، ويبطئ نمو الصين إلى 5.6 في المئة".
هذا في حين أن الصين أعلنت من قبل أنها لن ترسل أي ممثلين من بكين إلى الرياض، والسفير الصيني في الرياض فقط هو الذي يرأس وفداً صغيراً لبلاده في هذا الاجتماع.
وبالنظر إلى أنه لم يتم بعد العثور على علاج نهائي لهذا الفيروس، وأنه ليس من الممكن تماماً التنبؤ بتفشي المرض أو احتوائه، تواصل الاقتصاديات العالمية وصندوق النقد الدولي الإعراب عن القلق في هذا الاجتماع.
وقالت رئيسة صندوق النقد الدولي في هذا الصدد: "في السيناريو الأساسي الحالي، تم تنفيذ السياسات المعلنة وسيعود الاقتصاد الصيني إلى طبيعته في الربع الثاني. ونتيجةً لذلك، يمكن أن يكون تأثيره على الاقتصاد العالمي جزئياً وقصير الأجل نسبيًا".
لكنها أکدت: "مازلنا نبحث عن سيناريوهات أكثر حدةً کاستمرار الفيروس في الانتشار لفترة أطول وعلى مستوى العالم، مع تداعيات تترتب علی نمو طويل الأجل".
کما أکد وزير المالية الفرنسي "برونو لو ماير" أيضاً على خطة عمل لحماية الاقتصاد العالمي، وشكك في اتجاه نمو الاقتصاد العالمي على شكل حرف "V" أو تباطؤ النمو على شكل حرف "L".
کذلك، أثرت أوجه عدم اليقين هذه على تنبؤات كبار القادة الآخرين للاقتصادات الكبرى الأخرى؛ حيث قال وزير المالية الياباني في هذا الصدد: "من الصعب فهم ما يحدث، لأن هناك القليل من المعلومات المتاحة نسبياً. يمكنني القول إن المشاركين اليوم طالبوا بالتنسيق (رداً علی تأثير الفيروس)".
لقد تزامنت التحديات الأخيرة للاقتصاد العالمي مع رئاسة بلد علی مجموعة العشرين، يفتقر إلی الخبرة وفهم تعقيدات الاقتصاد العالمي. لأنه قبل كل اجتماع، يكون للخبراء الاقتصاديين الفنيين تأثير كبير على كيفية إعداد جدول الأعمال للاجتماعات لتحقيق نتائج إيجابية، في حين تم قبول عضوية السعودية في مجموعة العشرين، بسبب الإنتاج الضخم للنفط وبعض الاعتبارات السياسية فحسب.
من ناحية أخرى، فإن منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية أو منظمة مثل منظمة الشفافية الدولية، تحتج على رئاسة السعودية علی مجموعة العشرين. وقد أعلنت المنظمتان مؤخراً في بيان مشترك عن قرارهما بمقاطعة اجتماعات المجتمع المدني العالمي التي تستضيفها السعودية.
إن ضعف السعودية وقلة مصداقيتها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية العالمية المتخصصة، يلقيان بظلالهما على نتائج اجتماعات مجموعة العشرين بالتأکيد.