الوقت- تمرّ تونس بمرحلة مهمة جداً في تاريخها على اعتبار أن هذه المرحلة ستحدد مستقبل البلاد السياسي وتكتب صفحة جديدة في تاريخ تونس، ولكن الخلاف اليوم حول من سيكتب هذا التاريخ ولمصلحة من سيصوّت الناس، ومن هو الحزب الذي سيقود البلاد، وإلى أي مدى سيكون هذا الحزب قادراً على النزول عند تطلعات الشعب التونسي؟.
المهمة صعبة ومعقّدة لأن نتائج الانتخابات البرلمانية والتي كانت فيها الغلبة لحزب النهضة، حملت الكثير من المفاجآت، حيث صعدت أحزاب جديدة على حساب أخرى وخفت بريق أحزاب تقليدية كان لها جماهيرية في السابق، مثل حزب "نداء تونس"، ويبقى على حزب النهضة اليوم تشكيل حكومة جديدة في ظل ظروف سياسية معقّدة، فعلى الرغم من انتصار النهضة إلا انه لم يحظَ سوى بـ52 مقعداً في البرلمان، وهذا الأمر سيعقّد المهمة على الحزب، لأن عليه أن يتحالف مع أحزاب أخرى.
ولذلك سارعت النهضة إلى إجراء مشاورات عسيرة لتشكيل الحكومة، كما ينص الدستور التونسي على ذلك، فما أن بدأت التسريبات من مؤسسات سبر الآراء تبدي فوز "النهضة" مساء الانتخابات، حتى سارعت أحزاب إلى إعلان عدم مشاركتها في الحكومة التي قد تشكّلها النهضة، مختارة صفوف المعارضة، ولعلّ أبرز مثال حزب التيار الديموقراطي الذي حلّ في المرتبة الثالثة، وهو ما عدّه بعضهم تسرّعاً غير مبرّر، سواء من حيث التوقيت، أم من حيث رصانة الموقف ذاته.
لقد استطاعت النهضة أن تتدارك أحوالها، وتستعيد أنفاسها، لتقليص الفرق مع خصومها، وتحديداً حزب قلب تونس، الذي يرأسه رجل الأعمال نبيل القروي، الذي أطلق القضاء سراحه أخيراً، ليخوض منافسة شرسة على منصب رئاسة الجمهورية في الدور الثاني، ربما لم تتوقع أن ترفض الأحزاب مشاركتها في الحكم، لاعتباراتٍ عديدةٍ يعرضها قادة الأحزاب تلك، لعلّ أهمها أنهم لا يقفون على الأرضية الأيديولوجية والعقدية نفسها مع حزبٍ غداً - رغماً عنه - عنوان الإسلام السياسي، مع أن "النهضة" تنكر هذه الصفة، محبّذة الحديث عن "إسلام ديمقراطي".
ويعتقد آخرون أن الحركة تتحمّل قسطاً مهماً من المسؤولية الأدبية والسياسية للحصيلة السلبية لتجربة الحكم، سواء في عهد "الترويكا"، أو في عهد التوافق الذي تلا انتخابات 2014، ويؤاخذ هؤلاء "النهضة" على أنها حكمت طويلاً (وإن مع غيرها) من دون أن تفلح في تحقيق أهداف الثورة، وحاجات الشباب العاطل والجهات المحرومة.
أمام حركة النهضة ما يناهز أربعة شهور لتشكيل حكومتها، حتى لا تذهب البلاد إلى انتخابات مبكرة، وقد تحمل إلينا الأيام القليلة المقبلة "حكمة تونسية" تجنّب البلاد هزّات لم تعد تتحملها.
بالنسبة لرئيس الحكومة ومن أي حزب سيكون، أنهت النهضة الجدل حول هذا الموضوع، وردّاً على سؤال هل سيكون رئيس الحكومة من حركة "النهضة"، قال الغنوشي : "هذا هو الأصل … نحن الحزب الأول في المشهد والدستور ينصّ على ذلك أيضاً.. وننتظر أن يدعونا رئيس الدولة على الأرجح الأسبوع القادم ليكلّفنا بتشكيل الحكومة".
وأكد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، أن الحركة لن تتحالف مع حزب "قلب تونس" و"الحزب الدستوري الحرّ".
وأكد الغنوشي، في فيديو نشره على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن التحالف غير وارد مع حزب "قلب تونس" بسبب شبهات الفساد التي تلاحقه، وفق تعبيره.
وتابع الغنوشي، بأن التحالف أيضاً مع "الحزب الدستوري الحرّ"، غير ممكن، بسبب "الفاشية" التي يتّصف بها هذا الحزب، على حدّ قوله.
موقف النهضة من الانتخابات الرئاسية
أعلنت الأحزاب التونسية قبل يوم واحد من الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، الجهة التي ستدعمها، ومواقفها تجاه المترشحين، المستقل قيس سعيّد، ورئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي.
وبحسب وكالة الأنباء التونسية، فقد أصدرت أغلب الأحزاب بيانات عبّرت فيها عن مواقفها، فيما كانت الأغلبية الكبرى لمصلحة سعيّد، عدا حزب واحد فقط أعلن وقوفه إلى جانب القروي، وفضلت أخرى البقاء على الحياد، أو المقاطعة.
وأصدرت حركة النهضة بياناً أكدت فيه على موقفها من الدور الثاني للانتخابات، داعية أنصارها إلى التصويت لسعيّد، وذلك بعد قرار سابق لمجلس شورى النهضة في أيلول/ سبتمبر الماضي بتأييده.
وقالت حركة الشعب في بيان لها إنها ستدعم سعيّد، داعية أنصارها وناخبيها إلى المشاركة في التصويت.
ودعا حزب التيار الديمقراطي التونسيين إلى المشاركة في "المسار الديمقراطي وتكريس دولة القانون"، معلناً دعمه لقيس سعيّد.
وأعلن ائتلاف الكرامة دعمه لسعيّد في مواجهة القروي، إلى جانب تأييد قائمة أمل وعمل المستقلة بقيادة النائب ياسين العياري.
في السياق ذاته، أعلن حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، "المناضلين والمناضلات" لدعم سعيّد في الدور الثاني للانتخابات.
وحثّ حزب الوطنيّين الديمقراطيّين الموحّد، في بيان له على التصويت لمصلحة سعيّد مؤكداً تمسّكه بالدستور والتعددية الحزبية وبمنظومة الحقوق والحريات والنضال من أجل تحقيق مطالب الشعب الاقتصادية والاجتماعية.
وأعلن كل من الحزب الجمهوري، وحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وحزب تيار المحبة.
في المقابل لم يعلن من الأحزاب تأييد القروي سوى حزب الأمل، الذي اعتبر برنامج سعيّد غامضاً، ودعا لمساندة القروي من باب الانتصار لقضايا الحريات والإصلاح وحقوق المرأة وحرية الإعلام.
وامتنعت حركة "تحيا تونس" عن دعم أي من المرشحين، نظراً لغموض مواقف سعيّد، بحسب تعبيرها، والتبعات العدلية والقضائية التي تلاحق القروي، تاركة القرار للقناعات الشخصية للمنتمين للحركة.
أما "مشروع تونس" فقد اختار أيضاً ترك حرية التصويت لـ"المناضلين والمناضلات"، دون أن يعلن دعم مرشح بعينه.
حزب العمال التونسي فضّل من جهته مقاطعة الانتخابات، داعياً الناخبين وأنصار الجبهة الشعبية، والقوى الديمقراطية والتقدمية إلى مقاطعة الانتخابات وعدم إضفاء الشرعية عليها لأنها مشوبة بالانتهاكات والخروقات والغموض، ولكون كلا المرشحين لم يقدّما مشروعاً يوفر الحدّ الأدنى لحماية البلاد وصيانة مكتسبات الشعب.