الوقت- للمرّة الأولى تشهد الساحة الفلسطينية موقفاً موحّداً افتقدناه منذ الانتفاضة الأولى، فقد انعكست من خلال صفقة القرن وخطواتها التنفيذية مثل مؤتمر البحرين، وحدة فلسطينية قلّ نظيرها.
ورغم وجود الكثير من التباينات بين الفصائل الفلسطينية على كثير من المواقف السياسيّة، الداخلية والخارجية، إلا أن حناجر جميع الفلسطينيين تصدح بإسقاط هذه الصفقة، غزّيةً كانت أو في رام الله، حمساوية كانت أو فتحاويّة.
وفيما يخص ورشة البحرين، لم ترقَ هذه الورشة التي كان من المقرر أن تكون مؤتمراً، لكنها في النهاية استقرت على "الورشة"، إلى التطلعات الأمريكية، فقد وصفت الغارديان ورشة البحرين "السلام من أجل الرخاء" بأنها وهم وتستحق السخرية، وأضافت الصحيفة: "إن حدث البحرين مجرد مسرحية تفتقد إلى نجومها ونصف ممثليها".
وبين خطوات صفقة القرن السياسية والاقتصادية، يبدو أن هذه الصفقة، لاسيّما بعد مؤتمر البحرين، انعكست إيجاباً على الداخل الفلسطيني، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: لا بدّ من وضع برنامج سياسي واضح المعالم لمواجهة صفقة القرن، لاسيّما أن جميع الفصائل الوطنية الفلسطينية، وفلسطيني الشتات يرفضون "صفقة العصر" بجميع مدخلاتها ومخرجاتها الرامية لتصفية قضية فلسطين.
إن السبيل الأمثل لمواجهة هذه الصفقة وإسقاطها هو الوحدة الوطنية الفلسطينية، وبالفعل هناك إجماع فلسطيني غير مسبوق على مواجهة هذه الصفقة.
في هذا الإطار يعلّق عضو القيادة السياسية لحركة حماس في لبنان أيمن شناعة بالقول: "بكل ثقة إذا استمر موقفنا موحّداً، ونحن أصحاب القضية والقرار، فلن يتم تنفيذ أي خطوة من صفقة العصر على الأرض، ثباتنا ووحدتنا ستواجهها بكل قوة".
ثانياً: حماس مدّت يدها في هذا الظرف الحساس إلى الرئيس عباس في حين قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في كلمته خلال المؤتمر الشعبي الرافض لصفقة القرن وورشة المنامة: "مستعدون للاجتماع مع الرئيس عباس في غزة أو بالقاهرة أو في أي مكان، لإتمام الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام"، كما دعا إلى استراتيجية مواجهة شاملة تشكّل حالة استنزاف دائمة للاحتلال.
وأضاف: آن الأوان لننهي الانقسام، وآن الأوان لأن يجتمع الإطار القيادي المؤقّت لمنظمة التحرير الفلسطينية، وترتيب البيت الداخلي للتصدي للتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية.
ثالثاً: لم تقتصر هذه الدعوة على حركة حماس، بل حدد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة، مجموعة من الواجبات التي يفترض على الشعب الفلسطيني الحفاظ عليها من أجل مواجهة صفقة القرن الأمريكية.
وأكدد النخالة في كلمته خلال المؤتمر الوطني الفلسطيني لمواجهة صفقة القرن ومؤتمر البحرين، أن إعلان الوحدة الوطنية شعار قابل للتطبيق في مواجهة "إسرائيل" ومواجهة العدوان من الواجبات التي يفترض الحفاظ عليها لمواجهة صفقة القرن، كما شدّد على أن الحفاظ على السلاح ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي من أهم العوامل والواجبات لمواجهة صفقة القرن مهما كانت الإغراءات، داعياً إلى عقد ورشة عمل وطنية، يشارك فيها كل مكونات شعبنا، ردّاً على ورشة البحرين الصهيونية.
رابعاً: في الضفّة لم يكن الأمر مختلفاً كثيراً في ظل الغضب الشعبي والرسمي من ورشة البحرين وصفقة القرن، فقد كشف سفير فلسطين لدى الجزائر، أمين مقبول، عن سعي الرئيس محمود عباس إلى تنظيم مؤتمر دولي، ردّاً على المنعقد في العاصمة البحرينية المنامة.
وقال "مقبول"، على هامش وقفة للجالية الفلسطينية بمقرّ السفارة، رفضاً لـ"المنامة"، إن عباس سيجري جولات دبلوماسية لحشد الدعم لمؤتمر يهدف إلى "كسر انفراد أمريكا بملف السلام في المنطقة".
خامساً: لا بدّ من تعزيز الخطوات الشعبية وكذلك المبادرات الفرديّة في الداخل في جميع أنحاء الشتات.
وفي غزة، انطلقت مسيرة من أمام مقرّ "أونروا" وصولاً إلى مقر الأمم المتحدة في مدينة غزة، وتخلّلها إحراق دميتين للرئيس الأمريكي دونالد لترمب ورئيس حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو أمام المقر الأممي.
وانضم للمسيرة قائد حماس إسماعيل هنية، وقائد الحركة في غزة يحيى السنوار، إلى جانب قيادات الفصائل الذين تقدّموا الصفوف؛ لتأكيد وحدة الموقف الفلسطيني الرافض لورشة البحرين ومخرجاتها.
القيادي في حركة حماس الأسير المحرر إياد أبو فنونة قال في كلمته أمام المسيرة بغزة أن "مهندسي غزة ومقاومتنا صنعوا طائرات مسيّرة استطاعت أن تحلّق في سماء فلسطين"، وأما "الضفة فهي شوكة في حلوق الغاصبين، استطاعت بشبابها أن تقف بسكاكين في وجه الاحتلال بكل إمكاناتها وقدراتها؛ لذلك مطلوب من شعوب أمتنا العربية والإسلامية أن تقدّم ما تستطيع لتقوية سلاحنا"، مشدداً على أن شعبنا جبهةٌ واحدة هي جبهة المواجهة؛ و"ضفتنا ستردّ بكل قوة على هذا المؤتمر، وسيصل صوتها إلى كل العالم".
في الختام، إن ورشة المنامة هي الترجمة الأمريكية لمشروع "السلام الاقتصادي" الذي يتبنّاه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن طريق الدوس على الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، ولكن في الحقيقة بإمكان الفلسطينيين تحويل هذا التهديد إلى فرصة، ولعلّ أول خطوة في هذا السياق يجب أن تتمثل في إنهاء الانقسام الفلسطيني، وتحقيق المصالحة الوطنية إلى جانب الوحدة أيضاً، لا بدّ من تبنّي استراتيجية مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي تحوّل كل زقاق وكل حي وشارع فلسطيني إلى حالة اشتباك دائمة ومستمرة مع الاحتلال، فما أُخذ بالقوّة لن يستردّ إلاّ بالقوة.