الوقت- أربع سنوات على بدء الحرب اليمنية ولا يزال الغرب يغذّي السعودية بالأسلحة لقتل المدنيين في اليمن وبالرغم من جميع التحذيرات التي أطلقتها منظمات دولية لمنع توريد الأسلحة إلى السعودية إلا أن الغرب يصّر على إرسالها وبيعها إلى الرياض، ومن أبرز هذه الدول الأوروبية نذكر "فرنسا" التي تواجه مخاطر قانونية متزايدة لتوريدها الأسلحة إلى السعودية والإمارات.
ومؤخراً اعترضت جماعة المجتمع المدني في فرنسا على إرسال سفينتين يقال إنهما محمّلتين بالأسلحة إلى السعودية، وصلت إحداهما إلى ميناء مرسيليا لشحن حمولة الأسلحة إلى السعودية، وتطلق بعض المنظمات غير الحكومية على هذه السفن اسم "سفن العار"، وتخشى أن تقتل هذه الأسلحة المدنيين في اليمن.
وفي الوقت نفسه، وصف المسؤولون الفرنسيون الحرب في اليمن بأنها "حرب قذرة" أودت بحياة عشرات الآلاف منذ عام 2015، ومع ذلك لاتزال السلطات ترسل هذه الأسلحة إلى السعودية.
وقبل أيام قالت منظمة العفو الدولية إنه على فرنسا أن توقف سفينة شحن يعتقد أنها تنقل عربات مصفحة كندية إلى السعودية، أثناء عبورها ميناء مرسيليا - فوس البحري. وحذّرت المنظمة من أن ثمة مخاطرة جدية من أن تستعمل القوات المسلحة السعودية المواد العسكرية التي تنقلها سفينة "بحري تبوك" لارتكاب جرائم حرب، وانتهاكات أخرى في اليمن، وقالت إن ثمة أسباب مشروعة للخشية من احتمال أن يتم تحميل الذخائر الفرنسية لإرسالها إلى السعودية في مرسيليا - فوس.
وفي 9 و10 مايو/أيار 2019، منعت سفينة شحن سعودية أخرى، هي "بحري ينبع"، من الرسو في ميناء لوهافر، حيث كان من المفترض أن تحمِّل شحنة من الأسلحة الفرنسية، وذلك عقب قيام منظمات غير حكومية فرنسية بإجراءات قانونية وزيادة التدقيق العام.
الغرب والإصرار على بيع الأسلحة التي دمّرت الشرق الأوسط
الكثير من الأسئلة تخطر حول الأسباب التي تدفع الغرب إلى إرسال الأسلحة إلى السعودية والإمارات على الرغم من أنها تقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وبالرغم من أن جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية والهيئات الدولية طالبت مراراً وتكراراً بوقف توريد الأسلحة إلى هذه الدول، والأغرب من هذا وكله الازدواجية التي يتعاطى من خلالها الغرب مع السعودية وحروب المنطقة، من ناحية تطالب هذه الدول بوقف نزيف الدم في اليمن والعراق وغيرها من الدول وفي مقابل ذلك ترسل أسلحة إلى دول أخرى تدمّر هذه الدول وتطحن بنيتها التحتية.
على سبيل المثال حاول ناشطون بريطانيون إيقاف بيع الأسلحة إلى السعودية وبدؤوا معركة قانونية في هذا الخصوص العام الماضي، لكن المحكمة العليا البريطانية قضت في يوليو 2018 بأن بيع أسلحة بريطانية للسعودية تستخدمها في حربها في اليمن لا ينتهك قوانين حقوق الإنسان، ما سمح لبريطانيا بمواصلة بيع الأسلحة لها التي بلغت قيمتها أكثر من 6 مليارات دولار منذ اندلاع الحرب في اليمن.
من ناحية اخرى وعلى الرغم من أن فرنسا شريكة في "معاهدة تجارة الأسلحة" و "الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي" بشأن الرقابة على وسطاء السلاح، ووقعت على هاتين الاتفاقيتين الدوليتين، إلا أنها لا تزال تصدّر الأسلحة إلى السعودية بما يخالف هاتين الاتفاقيتين، وتعدّ فرنسا من بين المصادر الرئيسة للمعدات العسكرية للسعودية والإمارات، ووفق منظمات حقوقية دولية، حيث تزوّد فرنسا الرياض وأبو ظبي بالذخيرة الخاصة بالدبابات والمدافع وبالطائرات المقاتلة من نوع رافال.
وكان على فرنسا ألّا تسمح بعبور أي سفينة إذا ما كانت هناك مخاطرة رئيسية أو ظاهرة للعيان بأن الأسلحة التي تنقلها على متنها سوف تستخدم في ارتكاب انتهاكات كجرائم الحرب، أو سوف تسهِّل ارتكاب مثل هذه الجرائم، إلا أنه في 28 مايو/أيار، كشفت المنظمة الإعلامية "ديسكلوز" النقاب عن أنه كان من المتوقع، طبقاً لمصادرها، أن تقوم سفينة "بحري تبوك" بتحميل ذخائر في فرنسا لمدافع " قيصر هاوتزر" التي تباع للسعودية بموجب شروط العقد أوازيس 6 (OASIS 6). وكانت هذه الشحنة ستشكّل، لو مضت في سبيلها، مخالفة للمادة 6.3 من "معاهدة تجارة الأسلحة"، التي تنصّ على أنه لا يجوز الترخيص لعمليات نقل الأسلحة إذا ما كانت هناك مخاطرة بأن تستخدم المعدّات في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم حرب.
وفرنسا واحدة من دول أطراف عديدة في "معاهدة تجارة الأسلحة" ولا تزال تزوّد السعودية بالأسلحة، على الرغم من الخطر البادي للعيان باستخدامها لارتكاب جرائم حرب في اليمن، وبمواصلتها تزويد السعودية بالأسلحة، فإن فرنسا تتجاهل على نحو فاضح التزاماتها الدولية.
فطبقاً لتحليل أصدره "المرصد الاقتصادي لشؤون الدفاع" (OED) حديثاً، تضخّم حجم صادرات الأسلحة الفرنسية في 2018، وإلى حد كبير بفضل تسليم عربات مصفحة إلى السعودية، وعربات فاب إم كي 3 (VAB MK3) القتالية المصفحة هذه أنتجتها مصانع "أركووس"، وهي مزودة بأبراج لمدافع من عيار متوسط من طراز إي أر أكس 25 (ARX25)، من صنع شركة "نكستر".
في 17 مايو/أيار 2019، غادرت سفينة "بحري تبوك" ميناء سانت جون في كندا، وطبقاً لشهادات موثوقة وصور حصلت عليها منظمة العفو الدولية، فمن المرجّح إلى حدّ كبير أن السفينة كانت تحمل على متنها شحنة من العربات المصفحة الخفيفة الكندية المتجهة إلى السعودية، وكانت منظمة العفو الدولية قد تمكّنت فيما سبق من التأكد بأن السفينة الأولى، "بحري ينبع"، قد نقلت مركبات مصفحة كندية إلى السعودية أثناء رحلة قامت بها في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
ولعلّ هذا التناقض في المواقف الأوروبية واختلاف القوانين الحاكمة لصفقات بيع السلاح بين الدول أتاح للأمير محمد بن سلمان هامشاً من المناورة، حيث تذكر منظمة العفو الدولية أنّ هذه الحجج التي يقدمها المسؤولون يصعب أنّ تكون مقنعة، لأن النظام غير شفاف، فالأمر بحسب المنظمة يتعلق بمعرفة ما إذا كانت دول الغرب تحترم التزاماتها الدولية في هذا المجال أم لا.