الوقت- يبدو أن إجهاض الحراك الشعبي السوداني أصبح متعثّراً، وبدا جلياً أن الشعب لن ينسحب من الشارع قبل تحقيق جميع مطالبه والتي ترتكز بشكل أساسي على قيام حكومة مدنية بعد أن ذاق الشعب السوداني الويلات بسبب حكم العسكري، ولا يريد هذا الشعب إعادة تكرار ما جرى في عهد الرئيس السابق عمر البشير ولهذا يُصرّ على البقاء في الشارع حتى تحقيق مطالبه، وعندما وجد أن المجلس العسكري بدأ يتعنّت بالسلطة دعا قبل يومين إلى إضراب عام في البلاد للضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة للمدنيين.
زيارة متعثّرة إلى السعودية والإمارات ومصر
اتجه قادة المجلس العسكري خلال اليومين الماضيين إلى الدول الثلاث الآنفة الذكر بهدف الحصول على حماية خارجية مقابل تقديم خدمات لهذه الدول الثلاث لاسيما للرياض وأبو ظبي اللتين تبحثان عن بقاء الجيش السوداني في تحالف العدوان على اليمن، ورئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان طمأنهم من هذه الناحية، وهذا ما لا يريده الشعب السوداني الذي لم يحصل سوى على الفقر والمزيد من القتلى في صفوف الشباب السوداني دون أي مقابل.
البرهان أراد الحصول على غطاء سياسي من هذه الدول لقمع المحتجين في حال تعثّرت المفاوضات معهم حول نسبة التمثيل في الحكومة الانتقالية، حيث يريد المجلس العسكري أن يحصل على أعلى نسبة وكذلك تجمع المهنيين، وبالمختصر يمكن القول إن الإضراب الذي نفذه الشعب السوداني صباح الثلاثاء ويستمر حتى مساء الأربعاء يمثل أقوى رسالة في وجه المجلس العسكري الذي عاد "بخفي حنين" من البلاد التي زارها لأن الاضراب العام الذي بدأ في السودان لم يكن فردياً بل كان شاملاً لجميع القطاعات وكان صفعة في وجه محاولات المجلس العسكري السيطرة على البلاد.
الإضراب الذي قاده الشعب السوداني أظهر أن المجلس العسكري لا يمثل الشعب السوداني كما ادّعى قادته، وبأن الاعتماد على الخارج لن يجلب أي نتيجة تخدم هذا البلد، الحل داخلي وأي تدخل خارجي سيقود البلاد نحو الفوضى وهذا أمر محتوم.
تفاصيل الإضراب
أينما وطأت قدمك في السودان ستجد شللاً تاماً في جميع زوايا البلاد، خيم الإضراب العام على جميع القطاعات، ففي غضون الساعات الست الماضية، أطلق السودانيون حملة #إضراب28مايو عبر تويتر لتداول صور وشعارات الإضراب وحشد الجميع للمشاركة فيه - وهذه أبرز مظاهره.
تداول المغردون صورة للوحة إعلانية في العاصمة الخرطوم تحث الناس على المشاركة في الإضراب السياسي كتب عليها: "قول مفصول أو قول مطرود، برضو الحكم المدني يسود".
ويشمل الإضراب عدداً من القطاعات منها الصحية والهندسية، المياه والكهرباء، والنفط والغاز، والمصانع وسكك الحديد، والنقل البحري، والنقل العام، والمصانع والقطاعات المهنية، بحسب "تجمع المهنيين".
وفي وقت سابق، تعهّد القيادي في قوى الحرية والتغيير "وجدي صالح" بالدخول في إضراب شامل وعصيان مدني مفتوح في حال عدم التوصل إلى اتفاق نهائي مع المجلس العسكري.
وبدأ طيارون سودانيون في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، إضراباً عاماً عن العمل، استجابة لدعوة قوى إعلان الحرية والتغيير، ما أثّر في حركة الطيران، بينما وصلت تعزيزات إضافية من القوات النظامية إلى عدد من المرافق الحيوية ومن بينها مطار الخرطوم الدولي.
وأصدر تجمع الطيارين السودانيين بياناً نشره تجمع المهنيين السودانيين أبرز مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير، قائد الحراك الشعبي، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، وقال البيان إنه "مع ساعات الصباح الأولى، نؤكد لكم أن جميع الطيارين السودانيين في كل شركات الطيران ملتزمون تماماً بالإضراب المعلن الذي بدأ الساعة 12 منتصف الليل بالتوقيت المحلي".
وأضاف إن الإضراب مستمر حتى منتصف ليل يوم الأربعاء لكل الرحلات الداخلية والدولية.
ونشر ناشطون صوراً قالوا إنها لمسافرين في مطار الخرطوم وهم يهتفون "مدنية مدنية" بعد إرجاء رحلاتهم، وينظر السودانيون إلى الإضراب على أنه "نجاح وانتصار" لهم وتذكير المجلس العسكري بما يستطيع الشعب إنجازه.
وفي سياق متصل بالنقل البري، أظهرت صور من الميناء البري عن توقف حركة الحافلات السفرية إلى خارج العاصمة الخرطوم. وقال مسافرون إنهم لم يجدوا أي رحلات منذ ساعات الصباح.
من جهتها، دعت لجنة أطباء السودان المركزية، وهي أحد مكونات تجمع المهنيين، أعضاءها إلى الالتزام بالحضور لمواقع العمل مع عدم مزاولة المهنة إلا في حالات الطوارئ.
وفي سياق موازٍ، أفاد شهود عيان أن العاملين في شركة الخدمات المصرفية الإلكترونية (حكومية) انضموا إلى الإضراب، وأن "توقف الشركة أدّى إلى تعطّل عمل الصرّافات الآلية".
وذكر شهود آخرون أن خدمات المشتركين في شركة "زين للاتصالات" إحدى أكبر شركات الاتصال بالبلاد، قد توقفت.
وأفاد حزب المؤتمر السوداني المعارض في نشرة إعلامية أن العمليات الأرضية والمناولة بالميناء الجنوبي في مدينة بورتسودان شرقي البلاد، "توقفت بشكل كامل".
كما توقف العمل في الميناء البري (أكبر موقف عام للسفريات إلى مدن الولايات بالعاصمة)، ونفذ موظفو شركة "سوداني للاتصالات" إضراباً عن العمل، استجابة للدعوة، وفق الحزب المعارض، وتداول ناشطون صوراً للإضراب في حقول النفط والتعدين شرق وجنوبي البلاد.
ونظم المضربون وقفات خارج مقار عملهم أكدوا من خلالها وقوفهم إلى جانب قوى الحرية والتغيير ومطالبتها المجلس العسكري الانتقالي بتسريع إجراءات نقل السلطة إلى المدنيين، وعودة الجيش إلى ثكناته.
في الختام.. مشكلة المجلس العسكري تكمن في أنه يعتقد بأنه يمثّل الشعب السوداني إلا أن الاعتصام المستمر منذ أبريل/نيسان الماضي، أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم، يؤكد عكس ذلك، ويبدو انه لن يحدث أي أمر خارج إرادة الشعب السوداني الذي يبحث عن العيش الكريم في بلد غني بموارده الطبيعية ومع ذلك الناس تفتقر لأدنى مستويات المعيشة.