الوقت- يمر عام وبضعةُ أشهرٍ على سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على كامل مدينة الرقة، هذه المدينة تقع وسط شمال سوريا متربعةً على ضفاف نهر الفرات الذي بني عليه سد الفرات، ورغم الخَضار الذي تعرف به مدينة الرقة السورية، إلا أن دخول التنظيم الإرهابي وجعله من هذه المدينة عاصمةً له قلب حياة المدنيين وغير معيشتهم، فالخير الكثير بات تحت السيطرة الداعشية معدوماً، والإرهاب قلب الأمور رأساً على عقب.
دخول تنظيم داعش الإرهابي إلى المدينة لم يكن عسكرياً وأمنياً فقط، فالسواد ألقى ظلاله على كافة الصعد وعلى مختلف مجالات الحياة لتبدو حياة السوريين في المدينة مختلفةً تماماً عما كانت عليه من قبل، فحياة الناس تأثرت على صعدٍ مختلفة:
الصعيد العسكري والأمني:
يعتبر تنظيم داعش الإرهابي غنياً عن التعريف في هذا المجال، فما من منطقة دخلها إلا وكان الدمار والقتل نصيبها، والرقة غير مستثناة من ذلك، حيث أقدم هذا التنظيم فور دخوله الرقة على إعدام المئات من المدنيين السوريين بحجة موالاة النظام، بالإضافة إلى قتله الكثير من عناصر المجموعات التكفيرية الأخرى التي كانت تتواجد في الرقة، ناهيك عن ارتكابه أبشع الجرائم وحشيةً بحق عناصر الجيش السوري، وتستمر إجراءات هذا التنظيم المتشددة إلى يومنا هذا، ففي الوقت الراهن يقوم هذا التنظيم عبر خلاياه الإعلامية باصطياد المناوئين له في المدينة عبر موقع الفيسبوك، كما يستخدم التنظيم هذا الأسلوب للقبض على الصحفيين الأجانب داخل المدينة، الأمر الذي يشير إلى حجم القبضة الأمنية التي يستخدمها التنظيم للسيطرة على زمام الأمور.
ولم تغب حوادث القتل البشعة التي ارتكبها هذا التنظيم عن الأذهان والجميع يتذكر حادثة صلب شابٍ قتله التنظيم وسط المدينة، ناهيك عن عمليات الجلد المستمرة والتي قال عنها بشر المصطفى أحد المعلمين في المدينة لـ ARA News : "فكّرنا كثيراً بسبب الجلد هذا، لكننا لم ندرك ما السبب، وغالباً أنه لا يوجد سبب، وإنما يقوم التنظيم من فترة إلى أخرى بعملٍ ترهيبي لترويع الناس وإثبات أن قوته لا زالت كما هي"، هذا ويعمد التنظيم إلى سجن المعتقلين لديه في سجن الرقة، ويقوم بتعريضهم إلى أشد أنواع التعذيب وأقساها، حيث وردت أنباء عن تعذيب المعتقلين بالكهرباء.
ولم تنجُ النساء من إجراءات التنظيم الأمنية والعسكرية، فكتيبة الخنساء التي تضم نحو 1200 امرأة من النساء المدربات على استخدام مختلف أنواع الأسلحة بما في ذلك الرشاشات الثقيلة والمضادات الأرضية، ووظيفة هذه الكتيبة إخضاع النساء والفتيات للأوامر الداعشية وتطبيق العقوبة المناسبة على من يتخلف، وغالباً ما تكون هذه العقوبة الجلد، كما خصص تنظيم داعش الإرهابي سجناً نسوياً في قبو القصر العدلي حيث يتم إرسال بعض النساء المخالفات إليه، إضافةً إلى كل هذا يقوم التنظيم الإرهابي بتجنيد الفتيات والنساء ضمن كتيبة "أم عمارة" والتي تشارك في العمليات العسكرية التي يخوضها التنظيم أطراف الرقة.
الصعيد الاقتصادي:
تعتبر مدينة الرقة قبل سيطرة التنظيمات المسلحة الإرهابية عليها مدينةً زراعيةً غنيةً بالمواد الغذائية المنخفضة الثمن، ولكن بعد دخول تنظيم داعش الإرهابي إلى هذه المدينة خسرت المدينة كل غناها الاقتصادي، فالتنظيم يعمد إلى مصادرة المحاصيل الزراعية، الأمر الذي جعل الأهالي يعانون من نقص في المواد الغذائية وخاصةً أن سعر رغيف الخبز الواحد وصل إلى ما بين 12.5 ليرة و20 ليرة حسب المنطقة، الأمر الذي يعتبر خارج مقدور غالبية أهالي المنطقة.
أضف إلى هذا أن الأمور تدهورت كثيراً بسبب خروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية خارج الإستثمار نتيجة الضرر الذي ألحقه التنظيم بمحطات وشبكات الري، ولا تقتصر الأحوال المتردية على الصعيد الزراعي فالتجارة تهاوت داخل المدينة إذ يفرض التنظيم الإرهابي الضرائب على المحال التجارية، وإذا لم تُدفع الضريبة يتم معاقبة صاحب المحل بدءاً من إغلاقه عدة أيام وصولاً للحجز على المحل بشكل كامل، ويقول عزيز حمزة أحد المواطنين: "منعوا تواجد البسطات في الشوارع، وهي مصدر رزق أساسي لعائلات كثيرة، فإذا كان لديك بسطة يجب عليك أن تحجز مكاناً في سوق خاص لدى داعش، وتدفع كل شهر مبلغاً من المال لهم مقابل سماح داعش لك بالعمل بتجارتك".
حالٌ وأيُّ حالٍ هذا الحال، حالٌ لا يمكن وصفه بمقال فالجرح أعمق والألم أشد، وكل الأنباء الواردة عن حال أهل الرقة لا تشكل إلا جزءاً يسيراً من معاناةٍ عصفت بكلِّ جميلٍ، وخربت كلَّ مظهرٍ من مظاهر الحياة والإنسانية، ولكن رغم كثرة الجراح وشدة الآلام لن يخضع أهالي المدينة لتيار التكفير الأسود وسيبقون يتطلعون بشوق إلى طريق الحرية والخلاص من الزنزانة الداعشية.