الوقت- فشلت الدول الضامنة للمسلحين وعلى رأسها "تركيا" في إدارة الأزمة القائمة في إدلب والتي سبّبتها الجماعات المسلحة التي ترفض أي حلّ دبلوماسي لإنهاء الأزمة القائمة هناك والتي تمسّ بشكل يومي حياة المدنيين وتهددها.
خلال الأيام القليلة الماضية استطاع الجيش السوري استعادة السيطرة على مساحات شاسعة من أرياف حلب وحماة وإدلب وكان يتجّه نحو تحرير إدلب بالكامل لولا تدخل الروس وإيقاف هذا التقدم بطلب تركي.
هدنة أخيرة
تبدو أن الهدنة التي قبلها الجيش السوري وأوقف على إثرها عملياته العسكرية في ريفي حماة وإدلب قد تنهار في أي لحظة بسبب رفض الجماعات المسلحة لها، حيث وضعوا شروطاً للقبول بها ومنها انسحاب الجيش السوري من المناطق التي تقدّم إليها مؤخراً في ريف حماة الشمالي الغربي.
الهدنة التي قبل بها الجيش السوري جاءت بناءً على التماس تركي من روسيا لإقناع الدولة السورية بهدنة تشكل فرصة أخيرة لتركيا لتنفيذ تعهداتها وفق اتفاق "سوتشي" وفتح الطرق الدولية بين حلب وحماة واللاذقية، بحسب مصادر مطلعة.
وأوضحت المصادر لوكالة "سبوتنيك" الروسية أن اتفاقاً تم التوصل إليه بشأن الهدنة جاء بعد "التماس" قدمته تركيا لروسيا لإقناع الدولة السورية بضرورة وقف العمليات العسكرية بشكل مؤقت لإعطاء الفرصة لتركيا بإقناع المجموعات المسلحة بالانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح وفتح الطرق الدولية تطبيقاً لاتفاق "سوتشي".
وكانت تركيا قد حظيت بتمديد فترة تنفيذ التزاماتها ضمن اتفاق "سوتشي" عدة مرات، حاصلة على فرص إضافية لم تتمكن من خلالها من تنفيذ هذه الالتزامات كطرف ضامن لتنظيم "جبهة النصرة" وحلفائه، رغم انقضاء أكثر من سبعة أشهر على توقيع الاتفاق الذي منحها أقل من شهرين لتنفيذ هذه الالتزامات.
وقالت المصادر إن الجيش السوري، ومن باب الالتزام بالاتفاقيات التي عقدها الضامن الروسي أوقف العمليات العسكرية مع بدء يوم السبت وأوقف الاستهدافات المدفعية والصاروخية والجوية باتجاه مواقع المسلحين، حيث صدرت التعليمات برفع الجاهزية والرد على مصادر الإطلاق في حال تم استهداف أي مواقع للجيش السوري في ريفي حماة وإدلب.
على الجانب الآخر قالت مصادر محلية: إن اجتماعاً عقد صباح يوم السبت ضمّ عدداً من القياديين في المجموعات الإرهابية المسلحة للتشاور في موضوع الاتفاق المذكور، حيث خرج المجتمعون بقرار رفض للهدنة ووضعوا شروط القبول بها، وهي انسحاب الجيش السوري من المناطق التي تقدّم إليها مؤخراً في ريف حماة الشمالي الغربي.
وتابعت المصادر: هذا الأمر ترجم بشكل مباشر من خلال بيان صحفي للمتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" المدعومة من تركيا المدعو ناجي المصطفى، الذي أكد فيه رفض الفصائل المسلحة للهدنة ما لم ينسحب الجيش السوري من المناطق التي حررها مؤخراً.
وعلى الأرض ترجم المسلحون رفضهم للهدنة من خلال إطلاقهم عدة صواريخ باتجاه منطقة جبلة بريف اللاذقية، ومحاولتهم استهداف قاعدة حميميم الروسية، بالإضافة إلى محاولة اعتدائهم على أحد مواقع الجيش في ريف حماة الشمالي الغربي واستهدافهم لمنطقة الزلاقيات شمال حماة بعدد من قذائف الهاون.
ما يقوم به المسلحون ليس بالأمر الجديد وقد تكرر مراراً، وبدا جلياً أن تركيا عاجزة عن السيطرة على الجماعات المسلحة أو إجبارها على تنفيذ أمر معيّن، إلا أنها تحاول قدر المستطاع إطالة عمر هذه الجماعات المسلحة لكي تصل على أكبر مكاسب سياسية من جهة، ولكي تكبح جماح هذه الجماعات المسلحة في حال قررت حرف بوصلتها نحو تركيا، لأن هذا الخطر قائم، ناهيك عن نزوح المدنيين نحو تركيا في حال اشتدت المعارك داخل إدلب التي يقطنها 3 مليون مواطن يحتمي خلفهم المسلحون ويتحصنون بهم.
وما يؤكد فشل أنقرة في إدارة المسلحين، الشريط الأخير الذي نشرته "هيئة تحرير الشام" لزعيمها، أبو محمد الجولاني، يطالب فيه الفصائل العاملة تحت مظلّة أنقرة في ريف حلب الشمالي بفتح معارك ضد قوات الجيش السوري، لتخفيف الضغط عن جبهات ريفَي حماة واللاذقية، وحضّ السكان المدنيين في جيب إدلب على عدم النزوح، وحفر الملاجئ للاحتماء من العمليات العسكرية، وهذا ما حصل بالفعل إذ بدأ المسلحون باستهداف نقاط للجيش حتى بعد أن بدأت الهدنة.
وكان الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان توصلا في 17 أيلول عام 2018 إلى اتفاق في سوتشي يقضي بإقامة منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية المتاخمة لإدلب، وتعهّد الجانب التركي من خلال الاتفاق بسحب جميع التنظيمات الإرهابية والأسلحة الثقيلة من هذه المنطقة خلال أقل من شهر، وفتح الطريقين الدوليين (اللاذقية - حلب) و(حماة - حلب) إضافة إلى التزامات أخرى بموجب الاتفاق لم يتم تحقيق أي منها، بل على العكس ارتفع عدد المسلحين بعدما أعادت التنظيمات الإرهابية انتشارها ضمن تحالفات فيما بينها في المنطقة منزوعة السلاح التي اكتظت خلال الأشهر الأخيرة بكميات كبيرة من العتاد والسلاح الثقيل، وتمت الاستعانة بخبراء أجانب لتعديل قذائف صاروخية، وتذخيرها بالمواد الكيميائية السامة ونشرها في المنطقة المنزوعة السلاح، كما لم تتوقف الجماعات المسلحة عن خرقها لنظام وقف التصعيد في محافظة إدلب، وأمطرت البلدات والأحياء السكنية الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية في أرياف حماة وحلب واللاذقية بآلاف الصواريخ، وأوقعت مئات المدنيين بين قتيل ومصاب، كما رفعت من وتيرة اعتداءاتها على نقاط الجيش السوري.