الوقت- قبل أيام قليلة، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على تعيين الجنرال المتقاعد "جون أبي زيد" سفيراً لواشنطن في الرياض.
يذكر أن الرئيس الأمريكي قام بترشيح هذا الجنرال المتقاعد في مارس 2018، ليمثل أمريكا في السعودية ولقد أثار اختيار جنرال متقاعد في هذا المنصب الحساس والمهم الكثير من التكهنات حول سبب حدوث مثل هذه التغييرات في سياسة واشنطن تجاه الرياض ولفهم هذه الاستراتيجية التي ينتهجها البيت الأبيض، فإنه من الضروري مراجعة السجلات والمواقف السابقة لـ"جون أبي زيد"، وكذلك معرفة الظروف التي أجبرت الرئيس الأمريكي "ترامب" على القيام بهذا الاختيار.
من هو السفير الأمريكي الجديد في الرياض
ينحدر الجنرال أبي زيد 67 عاماً من أصول لبنانية، وهو يتكلم العربية بطلاقة، وقد أمضى 34 عاماً في صفوف الجيش الأمريكي وكان قائداً للقيادة الأمريكية الوسطى، واضطلع بدور بارز في الحرب الأمريكية على العراق وأعدّ خلال دراسته في جامعة هارفارد أطروحة عن السعودية، نالت إعجاب وتقدير "نداف صفران"، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد ولقد احتفظ "صفران" بنسخة من تلك الأطروحة المؤلفة من100 صفحة، قائلاً :"لقد كانت هذه الأطروحة أفضل ما رأيت منذ مسيرة عملي في هارفارد منذ أكثر من 30 عاماً".
كما كان "أبي زيد" يمتلك خبرة واسعة بشؤون الشرق الأوسط، ويحتاج "أبي زيد" للحصول على موافقة مجلس الشيوخ على تعيينه هذا، قبل أن يسافر إلى الرياض ليتسلّم مهامه الدبلوماسية الجديدة ودرس الجنرال المتقاعد في الجامعة الأردنية، ويحمل درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من جامعة "هارفارد".
هاجر أجداده إلى أمريكا من قرية مليخ في قضاء جزين في جنوب لبنان عام 1915 وهو أب لثلاثة أطفال وفي أثناء دراسته في الأكاديمية العسكرية الأمريكية في نيويورك كان زملاؤه يطلقون عليه اسم "العربي المجنون".
وبالنسبة للمناصب السياسية والعسكرية التي شغلها "أبي زيد"، فإن العديد من المصادر الإخبارية كشفت بأنه كان الرجل الثاني في القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط أثناء غزو العراق عام 2003.
ولقد كُلف "أبي زيد" من قبل الرئيس الأمريكي السابق، "جورج بوش الابن" بالذهاب إلى قاعدة "العديد" في قطر عام 2003، وكان ذلك قبل يومين فقط من الغزو الأمريكي للعراق وتولى "أبي زيد" عام 1991، قيادة فرقة من المظليين نفذت عمليات أمنية في إقليم كردستان العراق ضد القوات العراقية خلال حكم الرئيس الراحل "صدام حسين".
وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، قام "أبي زيد" بتحويل فرقة عسكرية مدربة من أجل القتال إلى فرقة لحفظ السلام في المناطق الكردية التي كانت تشهد مواجهات بين الجنود العراقيين والبشمركة الكردية.
الدوافع التي أجبرت البيت الأبيض على اختيار "أبي زيد"
لفهم دوافع الرئيس الأمريكي "ترامب" ومستشاريه لاختيار "جون أبي زيد" سفيراً لواشنطن في الرياض، ينبغي العودة إلى الوراء قليلاً وبالتحديد إلى قبل ستة أشهر، عندما ضغط الكونغرس الأمريكي على البيت الأبيض لتقليل الدعم للسعودية التي تشنّ حرباً همجية وعبثية على اليمن، وعندما ارتكب "ان سلمان" جريمته الوحشية بحق الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" والتي تسببت للنظام الدبلوماسي الأمريكي بالكثير من الإحراجات والمشكلات وبالنظر إلى هذه الظروف المتأزمة، يمكن القول هنا بأن اختيار "أبي زيد" للعمل كسفير لواشنطن في الرياض يرجع إلى ثلاث نقاط مهمة:
1. إن السجلات القديمة وبعض المواقف التي قام بها "أبي زيد" في الماضي كانت جيدة للغاية وهذا الأمر بعث الطمأنينة في قلوب أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، الذين يشعرون بالكثير من القلق إزاء طموحات ومغامرات "ابن سلمان" في المنطقة، ولهذا فلقد قاموا بالاستعانة بـ"جون أبي زيد" لتحديد ومنع هذه المغامرات المتهورة لـ "ابن سلمان".
2. إن قبول رؤساء الدول العربية لشخصية مثل "أبي زيد"، يعتبر هو الدافع الثاني للرئيس "ترامب"، الذي سعى خلال الفترة الماضية لاختيار شخص يستطيع أن يقنع الرياض بقبول جميع قراراته وأطماعه في المنطقة.
3. الخيار الثالث والأكثر أهمية بالنسبة للرئيس "ترامب" يتمثّل في ضمان بيع الأسلحة إلى السعودية باعتبارها أهم مشترٍ للأسلحة العسكرية الأمريكية خلال العامين الماضيين وذلك لأن أحد الشواغل الجديدة التي يعاني منها البيت الأبيض هو توجّه دول الشرق الأوسط إلى شراء الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية.
لذلك وبالنظر إلى أن الخبرة العسكرية لـ"أبي زيد" في منطقة الشرق الأوسط، فإنه يعرف جيداَ الذوق السعودي في شراء الأسلحة ولهذا فإنه سيصبح الضمان الموثوق به لمواصلة بيع الأسلحة الأمريكية للسعودية.
تعزيز العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي
إن إحدى مهام القيادة المركزية للجيش الأمريكي هي حماية المصالح الاستراتيجية لأمريكا وحماية مجلس التعاون الخليجي وبالنظر إلى تجربة "أبي زيد" الناجحة نسبياً خلال فترة رئاسة هذه القيادة العسكرية ومعرفته الجدية بالإحداثيات العسكرية للمنطقة، جعلت البيت الأبيض يقوم باختياره، وذلك ليقوم بتهيئة الأرض الخصبة لـ"صفقة القرن" المشؤومة، ومنع حدوث انشقاقات وفجوات بين الدول العربية في المستقبل وذلك لأن بعض المصادر الإخبارية كشفت بأن "صفقة القرن" أحدثت ثغرة وفجوات بين الدول العربية وهذا الأمر قد يؤدي من ناحية إلى انهيار مجلس التعاون الخليجي، ومن ناحية أخرى، قد يتسبب في هزيمة خطة "الناتو العربي" خاصة بعد انسحاب مصر من هذا التحالف العربي.
وفي سياق متصل، إن البيت الأبيض مقتنع بأن "أبي زيد" الذي يتمتع بقبول بين الدول العربية وبالنظر إلى تاريخه السابق الجيد، يمكن أن يكون خياراً مناسباً لتعزيز العلاقات العربية بما يتماشى مع السياسات الأمريكية في المنطقة.
ومع ذلك، يمكن القول هنا بأن السياسات المزدوجة والمثيرة للجدل للرئيس "ترامب" في المنطقة، ستؤدي إلى زيادة عمق الفجوة بين الدول العربية، ولربما سيتمثل النجاح الوحيد الذي سيقوم به "أبي زيد" في المنطقة في زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية.