الوقت- قبيل ساعات من قمة حلف الناتو المقرّرة اليوم الأربعاء في بروكسل، واصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقاداته الحادة للحلف داعياً الدول الأوروبية إلى تحمّل نفقاتها العسكرية، مطالباً إياها بـ"تسديد" متأخراتها لبلاده، في صورة واضحة تؤكد أن هذه القمة لن تكون أفضل حالاً من قمة الدول السبع الكبرى التي عمّقت الخلافات بين واشنطن وأقرب حلفائها بدل أن تكون قمة لتذلل العقبات المتراكمة.
ترامب الذي ركب طائرته الرئاسية "أير فورس وان" وتوجّه إلى بروكسل للمشاركة في قمة حلف الناتو واصل رمي الحلف بسهام الانتقادات من الجو، وكتب مغرّداً على التويتر أن "دولاً عدة في الحلف ندافع عنها لا تكتفي بعدم الوفاء بتعهد الـ2%، بل تقصّر منذ أعوام في تحمّل نفقات لا تسددها، هل ستسدد المتأخرات لأمريكا؟"، وحذّر الرئيس الأمريكي من أن قمة الحلف الأربعاء والخميس في بروكسل قد يشوبها التوتر، مؤكداً أن لقاءه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي يوم 16 يوليو/تموز الحالي قد يكون أكثر سهولة من الحديث مع زعماء الحلف ولا سيما رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
ولطالما أثارت النفقات المالية والعسكرية القليلة التي تتقدم بها الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي حفيظة ترامب وإدارته إذ إن هذه الدول الـ29 تعهدت فقط بتخصيص 2% من إجمالي ناتجها المحلي للنفقات الدفاعية بحلول العام 2024، وبلغت أربع دول هذا السقف، وهي أمريكا وبريطانيا واليونان وأستونيا، في حين ستصله أربع أخرى مع نهاية العام، وهي ليتوانيا ولاتفيا وبولندا ورومانيا، بحسب ما أعلن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ الثلاثاء، لكن انعدام التوازن بين الأعضاء يثير استياء ترامب الذي يتحفظ خصوصاً على نفقات ألمانيا، أول اقتصاد أوروبي، التي لا تشكل سوى 1.24% من إجمالي ناتجها المحلي.
الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي يخشون من أن تتحول قمة بروكسل إلى ساحة لتنفيس الأحقاد، ما من شأنه تقويض مساعي إظهار الوحدة بين أعضاء الحلف وأمريكا، وأن يكون مصير قمة الحلف الجديدة مشابهاً لمصير قمة الدول السبع الصناعية الكبرى قبل أسابيع التي خلت من أدنى مقومات التفاهم والتناغم بين الأعضاء، فما أن أعلن البيان الختامي لتلك القمة حتى انبرى رؤساء الوفود لكيل الاتهامات لبعضهم البعض ليذهب الموضوع أبعد من ذلك وتتحول القصة لتلاسن حاد بين ترامب ورئيس الوزراء الكندي اللذين تبادلا الشتائم عبر وسائل الإعلام.
إعادة رسم خارطة أوروبا الأمنية
ويرى كثير من المراقبين أن ترامب قد يعيد رسم الخارطة الأمنية في أوروبا بعد هذه القمة إذا لم يستجب قادة الدول الأخرى لأوامره وعلى الأخص فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بزيادة الإنفاق على الشؤون الدفاعية وتحمّل حصة أكبر من "العبء" العسكري، ومن بين الأوراق التي يمكن أن يلعبها الرئيس الأمريكي لممارسة الضغوط على الزعماء الأوروبيين التهديد بسحب قوات أمريكية من أوروبا، ومن أوكرانيا على وجه التحديد، ورفض المشاركة في مناورات حلف شمال الأطلسي.
ابتزاز وحلب أوروبا
لا تعتبر المشكلات التي تواجه جناحي حلف الناتو الأوروبي والأمريكي، حتى ولو كانت هذه المرة أكثر خطورة من أي وقت مضى جديدة، ولكن الجديد هذه المرة وجود "رئيس هائج" كالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يفضح أي خلاف مكتوم ويريد التعامل مع شركائه الأوروبيين كما تعامل مع الدول العربية النفطية أي كـ "بقرة حلوب" يعصرهم حتى آخر يورو ويحملهم جميلة وجود القوات الأمريكية على أراضيهم التي توفر لهم الأمن والاستقرار وتشكّل قوة رادعة ضد أعدائهم، حتى اهتزت ثقة قادة الاتحاد الأوروبي بالحليف الأمريكي، وظهرت علائم اختلال الثقة بين الشريكين من خلال كيفية التعاطي مع الأزمة الأوكرانية وضم روسيا لجزيرة القرم عام 2014، وجلس أعضاء حلف شمال الأطلسي يتفرّجون لا حول لهم ولا قوة.
قصر من ورق
من المؤكد أن وصول ترامب شكّل هزّة كبيرة لعلاقة واشنطن بدول الاتحاد الأوروبي وجاء قرار ترامب بتعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي قبل فترة بمثابة صبّ مزيد من الزيت على نار الخلافات، إذ فهم الأوروبيون الرسائل المبطنة التي أراد ترامب توجيهها لهم، واعتبروا أن هذا التعيين رسالة صاعقة إلى أوروبا وخنجراً في قلب حلف الناتو باعتبار أن لبولتون الكثير من المواقف العلنية التي يهاجم فيها حلف شمال الأطلسي، وعليه فإن الحلف لم يعد بإمكانه أن يستمر كما كان من قبل، وربما الآن يعيش مرحلة مخاض ستولّد فيما بعد تحالفات أضعف وأقل حضوراً على الساحة الدولية وسيكون لترامب وبولتون دور القابلة في تكاثر هذا الحلف الذي أصبح جاهزاً للولادة، وهذه التصدعات تعتبر آلام ما قبل الولادة، وما إن يسقط بلد ما ويخرج من الناتو حتى ينهار البناء كله كقصر من ورق.