الوقت - ساعات قليلة تفصلنا عن أولى خطوات إطلاق الإجراءات القانونية ضد الكيان الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا حيث من المقرّر أن يقدم وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي وثائق تثبت إرتكاب الكيان جرائم حرب في الضفة الغربية وفي حرب غزة عام 2014.
تأتي خطوة السلطة الفلسطينية بعد أشهر قليلة على إنضمامها إلى المحكمة الدولية (أبريل/نيسان الماضي)، كما أنها جاءت بعد ثلاثة أيام فقط على صدور التقرير الأممي الذي طلبه مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول النزاع في غزة في 2014، والذي بدوره خلص إلى نتيجة مفادها: "جمعت معلومات مهمة تؤكد احتمال أن تكون إسرائيل والمجموعات الفلسطينية المسلحة ارتكبت جرائم حرب".
لن تقتصر ملفات وزير الخارجية الفلسطيني على حرب غزة الأخيرة، إنما سيقدّم ملفات الأسرى والإستيطان أيضاً، حتى تقوم المحكمة بممارسة صلاحياتها في التحقيق في هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة. بالتزامن مع ذلك يسعى المالكي عبر لقاءاته السياسية والدبلوماسية في الأروقة الدولية، لفضح الخروقات الإسرائيلية أمام القانون الدولي وتوضيح معاناة الأسرى وعدم شرعية الإعتقال الإداري. ولكن هل سينجح المالكي في هذه الخطوة الجريئة والمباركة؟
ردّة الفعل الإسرائيلية
لم يمهل الكيان الإسرائيلي الجنائية الدولية فرصة الإطلاع على المستندات الفلسطينية، بل بدأ بتصويب سهامه على المحكمة والجانب الفلسطيني في آن واحد. فقد أكد رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بلاده "لا ترتكب جرائم حرب، بل هي تدافع عن نفسها ضد منظمة إرهابية تدعو إلى تدميرها وتقوم هي ذاتها بارتكاب جرائم حرب"، في إشارة إلى حركة "حماس"، في حين إنتقدت حكومة الکيان الإسرائيلي المحكمة لقبولها بالدعوى الفلسطينية كون الأخيرة "ليست دولة".
ويعلق الخبير في الشؤون الإسرائيلية والاستيطان جمال عمرو، بأن الكيان الإسرائيلي مازال يتعامل مع هذه الخطوات الفلسطينية على أنها مفرقعات يمكن السيطرة عليها في أي وقت، كما حدث في تقرير "غولدستون" أو في الاتحاد الدولي لكرة القدم، ما يجعلها تنشغل الآن بتلميع صورتها على الصعيد الدولي بما تسميها "تسهيلات رمضان".
ويوضح عمرو في حديث لـ قُدس الإخبارية، أنه وفي اللحظة التي سيرى فيها الكيان الإسرائيلي بأن الخطوات العملية قد بدأت بالفعل من طرف محكمة الجنايات، مثل إعداد قائمة بأسماء شخصيات إسرائيلية وطلب اعتقالها لدى حلولها في أي مكان، فإن هذا الكيان سيصب غضبه على السلطة بمجموعة خطوات على مختلف الأصعدة.
وستكون الخطوات الاستيطانية هي أول الردود الإسرائيلية وفقًا لعمرو، الذي أكد اطلاعه على مخططات لتنفيذ ثورة استيطانية شبيهة بالتي نفذها رئيس الوزراء الأسبق ارئيل شارون، حيث ستستهدف المناطق المصنفة “ج” وفق اتفاقية أوسلو، والبالغة مساحتها 61% من أراضي الضفة، وستقيم فيها بؤرًا استيطانية سرعان ما تتحول لمستوطنات ضخمة.
وبين، أن الاستيطان سيتصاعد بشكل كبير في مناطق “إي 1” و”جفعات هماتوس” وجبل المكبر و”غوش عتصيون” وأعالي الجبال المطلة على نابلس ورام الله، بالإضافة لمستوطنات الأغوار وصولاً لطوباس.
وأوضح عمرو، أن العقوبات ستشمل تفريغ هيبة السلطة الفلسطينية ومضمونها، بسحب امتيازات السفر والحركة من المسؤولين، بالإضافة لتوجيه الفلسطينيين إلى الحصول على تصاريح السفر والعلاج من دوائر الاحتلال مباشرة وإنهاء التعامل مع السلطة في هذا المجال، ما يعني بسط السيادة الإسرائيلية بشكل مباشر على الفلسطينيين.
النتائج الدولية
قد لا تنجح الجهود الدبلوماسية الفلسطينية في إدانة الكيان الإسرائيلي في حال قرّرت أمريكا ذلك، إلاّ أن هذه الخطوة "المباركة" ستكون لها نتائج جمّة في صالح القضية الفلسطينية بصرف النظر عن نتائج الدعوة من الناحية القانونية، وأما أبرز النتائج فهي كالتالي:
أولاً سيزداد الضغط الدولي على الكيان الإسرائيلي عموماً، والضغط الأوروبي على وجه الخصوص.
ثانياً تساهم هذه الخطوة في تسريع عجلة الإعتراف بالدولة الفلسطينية، كما أنها تكرّس شرعية فلسطين في الأوساط الدولية خلافا لما يشتهي الكيان الإسرائيلي.
ثالثاً قد ترتفع وتيرة المقاطعة للكيان الإسرائيلي في مختلف دول العالم، ولا نستغرب من تقديم مشاريع تحظر البضائع الإسرائيلية أو التعامل مع الكيان في بعض المجالات.
رابعاً سيضطر الكيان الإسرائيلي للتعاطي بحذر شديد مع "أسطول الحرية3" الذي تنظمه الهيئة الدولية لكسر حصار غزة، خاصةً أن نتنياهو هدّد باعتراض الأسطول في المياه الدولية، واعتبار سفنه معادية".
خامساً ستحاول المنظمات الحكومية وغير الحكومية الإسرائيلية جمع معلومات عن قادة فلسطينيين كإجراء رادع يستبق أي قرار للمحكمة الجنائية الدولية.
سادساً سيلجأ الكيان الإسرائيلي لأفعال إستفزازية، ولا نستغرب أن تقوم الأجهزة الأمنية هناك بتنفيذ "عمليات إرهابية" وإتهام السلطة الفلسطينية بذلك.
سابعاً تلجأ حكومة نتنياهو للتهديد بوقف المفاوضات، كما أنه من المتوقع أن تحذّر بعض المنظمات الدولية المدعومة من "الدبلوماسية الإسرائيلية" "بالنتائج السلبية لهكذا خطوة على مساعي السلام".
ثامناً تكبح هذه الخطوة جموح الكيان الإسرائيلي في التعاطي مع الأسرى الفلسطينيين خشية تزايد النقمة الدولية عليها.
يبدو واضحاً أن جهود وزير الخارجية الفلسطيني وقبل الإطلاع عليها من قبل المحكمة الجنائية، تساهم بشكل جدّي في تعزيز قانونية وشرعية دولة فلسطين، وإزدياد عزلة الکيان الإسرائيلي في آن واحد، لذلك لا يمكن تجاهل نتائج هذه الخطوة، إلا أن أي دراسة محايدة قد تكون نتائجها كارثية على هذا الكيان.