الوقت- "الله أكبر" المؤذن يدعو المصلين لإقامة صلاة الفجر في الحرم الإبراهيمي، صلاة كانت الأخيرة لـ29 مصلياً في الحرم الشريف قبل 24 عاماً، وكانت شاهداً آخر على إرهاب الاحتلال الإسرائيلي وهمجية المستوطنين.
فجر يوم الجمعة الـ 25 من شباطِ فبراير لعام 1996، بدأ الإرهابي باروخ غولدشتاين بقيادة قطيع من المستوطنين وبحراسة جيش الاحتلال بتطبيق الإرهاب الذي تلقّنه مسبقاً، في مسعى صهيوني مُدَبّر لإرهاب المسلمين ودفعهم للتخلي عن الحرم المقدس كخطوة أولى ليتم تحويل الحرم إلى كنيس وتهويده.
فجر ذلك اليوم وقف غولدشتاين خلف أحد أعمدة المسجد وانتظر حتى سجد المصلون وفتح نيران سلاحه الرشاش عليهم، اخترقت شظايا القنابل والرصاص أجساد المصلين، وفي تلك الأثناء أغلق جنود الاحتلال أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب وإنقاذ الجرحى، فيما قام آخرون بمساعدة المجرم في تعبئة الذخيرة.
قصة الإرهاب الإسرائيلي لم تنتهِ بهذه المجزرة الكبيرة، فعقب المجزرة وفي اليوم نفسه، تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وجميع المدن الفلسطينية وداخل مناطق الخط الأخضر، وأثناء تشييع ضحايا المجزرة، أطلق جنود إسرائيليون رصاصاً على المشيعين، فقتلوا عدداً منهم، ما رفع عدد الضحايا إلى 50 شهيداً و150 جريحاً، واستمر الإرهاب الإسرائيلي المنظم حتى وصلت حصيلة الضحايا إلى سقوط 60 شهيداً نتيجة المصادمات مع جنود الاحتلال.
وبالتزامن مع الإرهاب الإسرائيلي المنظّم اعتمدت حكومة الاحتلال إجراءات إضافية للتضييق على الفلسطينيين بذريعة التحقيق في المجزرة، وقامت بإغلاق الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة وتم إغلاق السوق المركزية، والحسبة، وشارع الشهداء ستة شهور كاملة، وبعد ضغط دولي كبير شكّل كيان الاحتلال لجنة غير مهنية على الإطلاق عرفت باسم "شمغار" للتحقيق في المجزرة وأسبابها، لم تخرج بأي بنتائج عادلة كونها لجنة مسيسة شكّلت من طرف واحد، بل على العكس أوصت بتقسيم الحرم بين المسلمين واليهود وهو مع اعتبر دليلاً واضحاً على أن المجزرة لم تكن وليدة فكر الإرهابي غولدشتاين بل كانت "إرهاب دولة" له أهداف ومساعٍ معروفة، حيث كانت المجزرة بداية مخططات الاحتلال لتنفيذ جريمة تطهير عرقي وتشريد الفلسطينيين من البلدة القديمة، لتهويد المنطقة بالكامل.
-انتهاكات متواصلة....
بعد 24 عاماً على تلك المجزرة المروعة، يواصل الاحتلال يومياً مساعيه الرامية لتهويد المنطقة من خلال المضايقات اليومية، والإجراءات التعسفية، لتخويف الناس، وثنيهم عن الوصول إلى الحرم الإبراهيمي، لأداء الصلاة وإعماره، بالإضافة إلى تقسيم الحرم وإقامة حواجز حديدية فاصلة بين القسمين في الوقت الذي يمنع فيه المصلون المسلمون بتاتاً من دخول القسم المدّعى بأنه يهودي، في حين يقتحم المستوطنون والجيش القسم الذي يصلي فيه المسلمون مراراً، لا بل يمنع المسلمون في الأعياد اليهودية التلمودية من دخول الحرم الإبراهيمي نهائياً كما منعت الصلاة والآذان أيضاً.
الاحتلال حوّل المسجد إلى ثكنة عسكرية، وسعى جاهداً لمنع الأذان في الحرم كما سعى إلى تغيير معالمه الداخلية وساحاته وبناء عدد من الغرف الحجرية المغلقة ومنع ترميمه، كذلك قام بالسيطرة على عشرات المباني والأسطح والحوانيت القريبة من المكان، وتحولت المنطقة بأكملها إلى مربع أمني يحظر على الفلسطينيين دخوله إلا من البوابات الإلكترونية وتحت رقابة مئات الكاميرات، وتحت ذريعة محاولات طعن الجنود سقط العشرات من الفلسطينيين أمام تلك الحواجز والبوابات الإلكترونية، وتحوّل المكان إلى ساحة رعب لكي يُمنع المصلون المسلمون من الوصول إلى مسجدهم.
-حق لا يموت وتخليد لذكرى الشهداء...
الفلسطينيون وكعادتهم كل عام نظموا وقفات تأبينية لشهداء مجزرة الحرم الإبراهيمي في الذكرى الرابعة والعشرين للمجزرة، في عدد من المناطق الفلسطينية كان أكبرها التجمع في مقبرة الشهداء بالخليل جنوب الضفة الغربية، بحضور محافظ الخليل كامل حميد، وقيادات من الشرطة ومديرية الأوقاف، وذوي الشهداء، وأكدوا حرمة المسجد الإبراهيمي وإسلاميته ومكانته التاريخية والدينية، وأنه إسلامي خالص للمسلمين، مشيرين إلى أنه سُجّل على قائمة التراث العالي المهدد بالخطر في منظمة "اليونسكو"، داعيين المنظمة والدول التي صوتت على القرار لتحمّل مسؤولياتها تجاهه هو وكل المؤسسات المحلية والدولية لوضع حدّ لهذه العنجهية، والعبث الخطير بحاضر ومستقبل الحرم، من قبل الاحتلال ومستوطنيه، كما ناشدوا منظمة التعاون الإسلامي والجميع بتحمل مسؤولياتهم بجدية عالية لوقف هذه الأعمال والانتهاكات الإجرامية والخطيرة التي يقوم به المحتل الإسرائيلي.